Tuesday 20th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 4 محرم


دردشة مع الدكتور الفوزان
حتى الآن,, نجح الصرب وأخفق الأطلسي!

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بلغة تبدو حادة وعنوان لا يقل عنها كتب الدكتور عبدالله بن ناصر الفوزان في عدد الجزيرة الصادر بتاريخ 17/12/1419ه مقالاً تناول فيه أزمة كوسوفا وارتباطها بضربات حلف شمال الاطلسي (الناتو) ليوغسلافيا.
والمتمعن بمقال الدكتور الفوزان يجده اشبه بالرد الغاضب على ما أسماه بالآراء السخيفة التي يرفض مناقشتها كالتي تقول (مثلا) ان غرض حلف الناتو مساعدة الصرب في تهجير مسلمي كوسوفا من اقليمهم او التي تزعم بأن مشاهد قوافل التهجير واخبار القتل والتشريد وغيرها ليست إلا تمثيليات لتبرير العدوان على يوغسلافيا الصربية!!,, في المقابل عمد الدكتور الكاتب إلى عرض وتحليل الموقف السياسي وغرض التوجه العسكري الاطلسي في البلقان وذلك من خلال التأكيد على ان اهداف الحلف (الناتو) معلنة وواضحة وكما يقول تتفق مع السياق العام للاحداث العالمية، ونحن هنا لن نكون في خندق الاعتراض لما كتبه الدكتور الفوزان وخصوصا اننا نتوافق معه بشأن تلك الآراء التي وصفها بالسخافة، غير اننا نود فقط الجلوس معه على طاولة (عزيزتي الجزيرة) للدردشة التي لاتخلو من تباين الرأي أو حتى تعارضه في (بعض) الاحيان، وخصوصا ان الدكتور الكاتب في بداية مقاله المشار إليه (تاريخيا) قد فسح المجال كاملا لمثل هذه الدردشة بقبوله لفهم او مناقشة افكار وآراء أخرى كالتي تقول (مثلا) ان غرض حلف الناتو من ضرب الصرب هو القضاء على بقايا فلول الكتلة الشرقية، أو تأكيد قوة الحلف وبسط هيمنته او الاعلان عن هوية البوليس الدولي الى آخر ذلك من آراء ووجهات نظر يرى الدكتور انها قابلة للنقاش!!.
لهذا فالذي نود ان نبدأ به دردشتنا سؤال بسيط جدا,, ما هي المسألة الواضحة في ازمة كوسوفا والاغراض المعلنة لدى حلف الناتو (فعلا)؟! والتي كما يرىالدكتور الفاضل تتفق مع السياق العام لمجمل الاحداث العالمية التي سبقتها سواء في البوسنة اوغيرها,, لأن كثيرا من المراقبين الغربيين والمحللين السياسيين ونظار الواقع العالمي مازالوا يقولون ان اغراض (أهداف) حلف الناتو غير واضحة وان كانت معلنة فالاعلان عنها لا يعني صحتها إذا كانت لا تتطابق مع ما يجري في ارض الواقع!!
فإن كانت هذه الاغراض تتمحور حول اجبار الرئيس الصربي سلوبودان ميلوزفتش على توقيع اتفاقية رامبوييه للسلام والتي تؤكد على الحكم الذاتي في كوسوفا مع وقف عمليات جيش تحرير كوسوفا، فإن هذا التوجه يراد له ايضا المحافظة على سلامة الاقليم اولا بسكانه ثم بنيته التحتية وعدم تغيير ثوابته الوطنية ومعالمه الجغرافية وركائزه الاقتصادية، وإلا فما فائدة التوقيع على هذه الاتفاقية وما فائدة تلك الاغراض الاطلسية أصلا!!
فالذي يجري الآن على مسرح الاحداث ان حلف الناتو بصواريخه وطائراته يقصف مواقع عسكرية مساندة كمصانع ذخيرة وخلافه ومقار حكومية (كانت) لها علاقة بالترسانة العسكرية اليوغسلافية يقابله قيام القوات والشرطة الصربية في اقليم كوسوفا بتطهير عرقي سريع وتهجير تحت تهديد السلاح وإتلاف المعلومات الوطنية لسكان الاقليم!! حتى افاق هذا الحلف على الكارثة الانسانية بالاعداد الهائلة للكوسوفاريين الهاربين من بطش الصرب الى الدول المجاورة، إن ما اقوله لا يعني وقف القصف الاطلسي فإني لا اخفي ابتهاجي بهذا القصف انما الدعوة إلى شل حقيقي للترسانة الصربية التي رغم الطلعات الاطلسية المكثفة لم تتأثر بل اخبار الايام الاخيرة تقول ان الحلف يدرس ادخال روسيا (جديا) كطرف رئيسي في المساعدة بحل الازمة بما يرضي كل الاطراف!!,, وهذا يماثل تماما تصريح احد مسؤولي الحلف العسكريين والذي قال قبل فترة ان عمليات حلف الناتو دخلت المرحلة الثالثة ولم تظهر في الافق بوادر تراجع صربي! الامرالذي يقودنا ايضا للتساؤل عن اهمية الاغراض في ظل فقدان تسلسل مراحل التنفيذ العسكري المبنية اصلا على التخطيط الاستراتيجي بحيث ان نجاح مرحلة يدفع بالمهمة بأكملها إلى المرحلة التي تليها!!
فمثلا حين قامت دول التحالف الدولي بعملية عاصفة الصحراء ضد النظام العراقي سلكت تخطيطا مبنياً على مراحل مترابطة بدأتها بحظر نفط العراق ثم تحييد الطيران العراقي ثم قصف طرق الامدادات ومراكز المساندة ثم قصف المدفعية الارضية والصواريخ الموجهة ثم الهجوم البري الذي لم يدم طويلا,, (نعم),, نتفق بأن صربيا اقوى عسكريا من العراق ولكن دول الناتو اقوى من صربيا بمراحل ولديها تقنيات عالية، بيد أن الوضع هنا مختلف، فالناتو (يحاول) إجبار الرئيس الصربي أو (يحاول) ثني الصرب عن التطهير والمجازر الوحشية التي زادت مع القصف، مع ذلك وبتفاؤل نصفق خلف تلك الاغراض الاطلسية!! ولكن ماذا عن الاهداف او الاغراض (غير المعلنة) والتي ترتبط بإرث تاريخي لا يمكن طيه في غياهب النسيان العالمي!! والذي يجعلنا فعلا نقبل بالقول ان من اغراض الناتو ضرب بقايا فلول الكتلة الشرقية,, فهذا الحلف ولد أصلا لصد التوسع الشيوعي في اوروبا الشرقية التي هي منطقة ميدان لعبة هذا الحلف العسكرية الآن، كما ان حلف الناتو ظل يرقب عن كثب منطقة البلقان بالذات حتى بعد سقوط المشروع الشيوعي وتمزق حلف وارسو وهو اليد العسكرية لهذا المشروع! وأدل على ذلك تماسك الموقف الروسي المتشدد ضد تمدد حلف الناتو شرقا,, وكذلك تحول الاسطول الروسي الخاص بعمليات التجسس والمراقبة العسكرية!! فوراً!! بعد قيام حلف شمال الاطلسي بطلعاته على يوغسلافيا الصربية!!
أيضاً ذكر الدكتور عبدالله الفوزان أن أغراض الناتو تتفق مع السياق العام لمجمل الاحداث العالمية التي سبقتها وأشار للبوسنة!! وهذا لعمري يزيد في التشكيك بسلامة هذه الاغراض خاصة وان هناك تجربة مريرة ومروعة عاشها مسلمو البلقان تتعلق بمدينة سربنتشا البوسنية والتي طُرد اهلها المسلمون منها ودخلها الصرب بحرابهم وبتواطؤ فاضح من القوات الدولية للسلام التابعة لهيئة الامم,, ولم يخرجوا منها حتى الآن!! وأهلها لم يعودوا إليها!!
لهذا كان الواجب على مسؤولي الحلف الاطلسي ان يدركوا خطورة انعكاس قصف الصرب وهم يعرفون تاريخهم الوحشي على الابرياء العزل من سكان كوسوفا!! وان يضعوا الاحتياطات اللازمة لمنع التطهير والتهجير والمجازر الجماعية وطمس الهوية!!,, أيضا وحتى تكتمل الصورة لتلك الاغراض!! ماذا عن مصير اللاجئين الكوسوفاريين الذين تم توزيعهم على دول الجوار وغير الجوار!! فإن كان الحلف (فعلا) قد تولى مساعدتهم فهل يتعهد بعودتهم الى منازلهم في الاقليم كأبسط حقوقهم الانسانية إذا كان بالفعل اغراضه (أهدافه) معلنة وواضحة!!
الأمر الثاني يتعلق بما أشار إليه الدكتور الفوزان حيال نقطة جديرة بالتوضيح لأن الاقرار بها يعني نسف حقيقة الحرب الصليبية التي شنها ويشنها الصرب نصارى الارثوذكس على المسلمين الابرياء في البلقان عموما، وذلك ان الدكتور الكاتب في حديثه عن تلك الاغراض المعلنة لحلف الناتو في قصف الصرب قال ان الصرب يمارسون منذ أكثر من عشر سنوات تطهيرا عرقيا بغيضا لا يقتصر على المسلمين وحدهم وانما يطال غيرهم,, وذلك لتكوين دولة الصرب الكبرى!! وهذا أيضا لا يروق لدول حلف الناتو!! غير ان الدكتور لم يسم لنا شعوبا أو جنسيات أو أقليات اخرى (غير المسلمين) طالها فعلا التطهير العرقي، فهذا النوع من التطهير لم يحدث حتى ايام الحرب الكرواتية - الصربية التي اوقفها الغرب وانتهت باستقلال كرواتيا!! والغرب هنا هو الذي يمثل كتلة حلف الناتو اليوم في قصف الصرب,, بل ان الغرب لا يلقي بالاً لمسألة صربيا الكبرى مثلما يشغله مسألة قيام دولة اسلامية في قلب اوروبا تذكر بمن اطلق صيحة الله أكبر خلف أسوار فيينا!!
كذلك شدد الدكتور الكاتب على انه من المستحيل ان تتفق مجموعة دول على ان تبطن ما لا تظهر لذلك فلا يمكن من وجهة نظره ان تعمد دول حلف شمال الاطلسي على ان تبطن ما لا تظهر في قضية عالمية كقضية كوسوفا بيد انه فات على كاتبنا الفاضل ان تاريخ هذا الحلف منذ تأسيسه عام 1945م وحتى الآن كان يقوم على هذه السياسة في مجمل القضايا التي خاضها على مستوى العالم بل من جوهر سياسة حلف الناتو ان يكون الباطن خلاف الظاهر كي لا يصبح هذا الحلف مجرد ناد عسكري للبهرجة وتفريغ الذخيرة وليس لحماية مصالح دوله التي تطبق في سياساتها طرقا متعددة يغلب عليها التلون والتقلب حسب متطلبات الوضع العالمي!!
بقي ان نؤكد على ان السياسة الصربية المصاحبة او الموجهة للترسانة العسكرية حيال مأساة كوسوفا مازالت تطرق درب النجاح فيما اخفق الاطلسي حتى الآن في فرض (كلمته) على الاقل من جانبها الانساني لانقاذ الابرياء، فإن كان الناتو قد تفوق جوا، فإن الصرب براً يحصدون النصر تلو النصر مع رأس كل مسلم كوسوفاري يطير أو امرأة مسلمة تغتصب او عائلة تهجر نحو المجهول الاطلسي,, فلغة الحروب ومنطق العمليات العسكرية لايعرفان إلا الحسم البري الذي يستبعده الناتو كخيار لحل الازمة البلقانية، مثلما يتجاهل تسليح جيش تحرير كوسوفا على الاقل كخط دفاع اخير وهو بهذا يرتكب نفس الخطأ المقصود الذي ارتكبته هيئة الامم باصدارها قرار حظر الاسلحة عن البوسنة بحجة ان تدفق الاسلحة على البوسنيين سيزيد المشكلة تعقيدا!! حتى لو فرمت الترسانة الصربية الابرياء والنتيجة كانت مجازر مروعة وبطشا بربريا وقتلا وتخريبا لم يشهد العالم مثله في عصره الحديث فأين الاهداف المعلنة وما هي درجة وضوحها,, الجواب بالتقارير الاخبارية والتحاليل المتواصلة وبصور الفاجعة البادية على وجوه اخواننا الكوسوفاريين,, هذا ما كان والله المستعان.
محمد بن عيسى الكنعان

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved