Tuesday 27th April, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 11 محرم


أنانية زوج,,, وأنين زوجة

كانت ساكنة على ذلك الكرسي كسكون الليل الذي يلف كل شيء,, بيدها كتاب لا تعرف ما كان موضوعه,, فالحروف تمثل امامها رقصة مجنونة,, كعادتها دائما,, تقضي يومها في رتابة وملل,, تستيقظ في الصباح,, تصنع لنفسها فنجان قهوة تظل تنظر إليه ببرود رهيب حتى يبرد فتسكبه في حوض غسل الاطباق باشمئزاز,, تخرج إلى الحديقة لتمتع نظرها بتلك الورود التي زرعتها فيما مضى ولكن وجدتها قد ذبلت,, تدخل الى البيت مرة اخرى تظل تحاول ان تجد ما يسليها,, ولكن تبوء بفشل ذريع,, حتى إذا ما جاء الليل جلست على كرسيها هذا ممسكة بنفس الكتاب دائما,, توهم نفسها بأنها تقرأ شيئا ولكن نظرها كان شاخصا إلى أعلى,.
لقد مضى على آخر مرة رأته فيها ثلاثة أعوام,, وما زالت تلك الذكرى تفتق في قلبها جرحا تحس نزفه يبلل ثيابها,, في ذلك اليوم عندما قرر الرحيل كادت تموت هما وحزنا,, فلقد كانت تحبه بل تعشقه بكل جوارحها,, كان هو بالنسبة لها الشمعة الوحيدة التي تضي ء ليلها المعتم,, وليس هذا بغريب,, فلقد كان الزوج والحبيب والصديق والاهل,, كان هو كل ما تملك في هذه الدنيا الفانية,, رجته بكل ما تملك من قوة ألا يرحل,, واستعملت كل اسلحة المرأة التي ثبت نجاحها كي يبقى قريبا منها ولكنه قرر الرحيل وهيهات ان يتراجع عن قراره,.
كانت ذكريات ذلك اليوم تمر عليها يوميا في جلستها هذه,, تتذكر كل ما حدث بحرارة وصقيعه بحلوه ومره,, في ذلك اليوم كان قد مل من حياته معها,, فلم تكن تعاتبه على شيء أبداً ولم تكن تلومه على شيء أبداً بل كانت تحتاج إلى كل عواطف الدنيا لتبثه إياها,.
ولكنها لم تسعده بذلك,, بل لم تنس أبداً حينما قال لها ألا تعرفين يازوجتي العزيزة ان هذه السعادة التي تزعمين انك تجلبينها لي انها شقاء يحكم على صدري؟ أما تعلمين اني ابحث عن امرأة لها كيانها تصرخ وتنفعل تحب وتكره تثور وتهدأ اني حين تزوجتك لم أكن اريد خادمة لتلبي لي كل متطلباتي لم أكن اريد دمية آمرها فتطيع,, امرأة لا تقول لا إلا لأنها لم تستطع ان تقول نعم أتعلمين - عزيزتي - اي وصف ينطبق عليك الآن وأنت تنظرين الي بهاتين العينين اللتين طغت عليهما البلاهة اكثر من البراءة,, إني استطيع ان اسبغ عليك لقبا تستحقينه بكل جدارة,, انت ملكة الجليد بكل بروده وجموده وأنا لا أريد لقلبي ان يمزقه الصقيع.
آه ,, كم أوجعتها هذه الكلمات,, ولكن لم تستطع إلا ان تذرف دموعها تجاه ذلك القرار الظالم بالرحيل,, ومازال حتى الآن ذلك السؤال يلح عليها ويضرب في رأسها كالمطارق,.
ترى ,, ماذا تفعل المرأة لتثبت حبها لزوجها؟ إن هي انفعلت وصرخت وثارت,, صفع الباب في وجهها وخرج واتهمها بأنها نكدية وإذا عاملته بكل لطف وهدوء,, وكبحت جماح غضبها اتهمها بالبرود أو قال لها يا ملكة الجليد,.
كالعادة - وعندما لم تجد جوابا لسؤالها هذا,, أغلقت كتابها ونهضت لتنام,.
البندري الوتيد

** مباشرة وبقوة تضعنا البندري الوتيد في قلب مشاعر الزوجة مشاركين لها كل العناء، والجميل, ان البندري قد استطاعت ذلك عبر لغة بسيطة وأسلوب سهل، كاد يتملكنا الملل ونحن نقرأ أن الزوجة تعد فنجان القهوة اليومي، وتلقي به باردا في الحوض حين تنهض، لم تتحدث البندري بصفة واحدة مباشرة ولكنها من خلال هذا السرد البسيط لحادثة صغيرة حملت إلينا حالة نفسية بكاملها للزوجة المغلوبة على امرها.
هناك خيط دقيق دائما في الحياة الزوجية لا تستطيع زوجة ملهمة ان تحفظ توازنها فوقه، فإما ان تخطو خطوة صغيرة بهذا الاتجاه لتسقط أو بذلك الاتجاه فتسقط ايضا إلى الجهة الاخرى، هكذا واجهت الزوجة مأساتها من حيث ارادت ان تبحث عن سعادتها وسعادة زوجها الذي اغضبه منها هذا التفاني,, هذا ما تريد ان تقوله قصة البندري، لكنها حقيقة قد وجهت هذا الخطاب بمهارة تحسد عليها من خلال رصد لأحداث صغيرة ومواقف تكاد تكون جامدة لا تتحرك، ووصف او تعليق بسيط تتدخل به الكاتبة على لسان من عهدت إليه برواية القصة.
لا أظن اننا بحاجة الى ان نشيد بالتفات البندري إلى بعض الهموم الاجتماعية التي تطفو أحيانا على سطح واقعنا الحياتي الاجتماعي كلما سمعنا بمشكلة، أو تتستر احيانا أخرى خلف واجهات اصطناعية للوجاهة الاجتماعية تخفي وراءها حياة لا تحتمل، كأنما ترد البندري دون ان يطلب اليها احد على ما يثار حول الامكانيات المتاحة للكاتبة السعودية لالتقاط تجارب يمكن ان تتناولها الكتابة، ذلك التساؤل الذي يرى ان الحياة وتجاربها لا تمارس وجودها إلا على قارعة الطريق، فتقدم لنا البندري - باجابة عملية - مأساة لابد ان تفجعنا رجالا ونساء حاملة دعوتها الاخلاقية غير المباشرة إلى التفات لذلك الجانب الغائب في حياتنا الاجتماعية وتوجهنا إلى التعامل معه بما يليق بحاضرنا وبوجودنا الانساني.
البندري يكاد لا ينقصها شيء من أدوات القص، وأغلب الظن انها لو واصلت بهذا المستوى لاستطاعت ان تحقق وجودها المتميز ككاتبة للقصة القصيرة.
أدعو أصدقاء الصفحة ان يتأملوا القصة من جديد (كانت ساكنة على ذلك الكرسي كسكون الليل) كذا في الجملة الاولى جعلت من سكون الزوجة معادلا لسكون كوني لليل يلف كل شيء، ثم تلاحقنا الجملة الثانية لنكتشف ان الكتاب الذي تمسك به مجرد حروف تتراقص فلاهي تقرأ ولا هي تكف عن الامساك بالكتاب، وليتأملوا من هذا الوصف البسيط أي حالة نفسية يمكن ان تكون عليها المرأة ثم ليتابعوا القصة فيكتشفوا مهارة البندري في قول كل شيء دون ان تصرح بكلمة واحدة منه.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
استطلاع
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved