Tuesday 4th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 18 محرم


نظرة في نتائج الانتخابات التركية
الدكتور عبد الله فهد اللحيدان

أجريت مؤخراً الانتخابات التركية، وكانت نتائج هذه الانتخابات مفاجأة على العديد من الصعد وكان من ابرز تلك النتائج عدم استطاعة حزب الشعب الجمهوري وهو الحزب الذي يتبنى مبادىء مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال، على الحصول على النسبة الدنيا التي تتيح له الدخول الى البرلمان, فقد فشل هذا الحزب وللمرة الاولى في تاريخ الانتخابات البرلمانية التركية في الحصول على نسبة 10% من مجموع اصوات الناخبين وهي النسبة الدنيا للدخول الى البرلمان وتتجه كثير من الدول لفرض نسبة دنيا للدخول للبرلمان لمنع الاحزاب الصغيرة من تفتيت البرلمانات وبالتالي عدم القدرة على تشكيل حكومة فعالة، وبذلك لن يكون للكماليين وهم مناصرو مبادىء مصطفى كمال تمثيل مباشر في البرلمان ولا شك ان في ذلك رسالة للعلمانيين المتطرفين وللجيش التركي من خلفهم تمثل انزعاج الشعب التركي من التطرف العلماني ومن تدخل العسكر في الحياة السياسية.
النتيجة الثانية المهمة هي صعود حزب الحركة القومية ليصبح ثاني اكبر الاحزاب التركية ويعود هذا الصعود المفاجىء والسريع لعدة اسباب اهمها خيبة امل كثير من الاتراك في احزاب اليمين المعتدل مثل حزب الطريق القويم بزعامة تانسو تشيلر وحزب الوطن الأم بزعامة مسعود يلماظ حيث اتهمت زعيمة حزب الطريق القويم باستغلال منصبها اثناء فترة وجودها في الحكومة لتحقيق مصالح شخصية واتهمت بالعديد من تهم الفساد اما مسعود يلماظ فقد سقط بسبب ثبوت تعامله مع زعماء المافيا والعصابات الاجرامية المتهمة بالسطو وتهريب المخدرات, كما ان حزب الحركة القومية قد قام بتحديد نفسه بجهود زعيمه دولت بخجلي والذي جذبه نحو الاعتدال وتخلص من القيادات الحزبية السابقة التي لها علاقات مشبوهة بالمافيا, وكان هذا الحزب يعاني من اتهامه بالتطرف والفاشية وبالتعاون مع المافيا لمحاربة بعض الرموز الاشتراكية والشيوعية في تركيا، لكن دولت بخجلي قاد الحزب وفي الوقت الذي كانت تعاني منه احزاب اليمين الاخرى ليكون حزباً اكثر اعتدالاً, النتيجة الثالثة للانتخابات التركية الاخيرة هي تراجع حزب الفضيلة الاسلامي الذي حل محل حزب الرفاه الى المركز الثالث, لقد حظي هذا الحزب في الانتخابات التي اجريت في ديسمبر 1995 بنسبة 21,3 من اصوات الناخبين اما في هذه الانتخابات فقد تراجع الحزب ليحصل على 18,1% فقط من اصوات الناخبين ويعود هذا التراجع لعدة اسباب من ابرزها خوف بعض الناخبين من ان اصواتهم ستذهب هباء لان هذا الحزب لن يتمكن من تشكيل حكومة او المشاركة في حكومة لوجود فيتو من الجيش ضد هذا الحزب كما ان فوز هذا الحزب قد يدفع الجيش للتدخل بشكل اكبر في السياسة مثلما حصل اثناء فترة حكم هذا الحزب الاسلامي في الفترة من يونيو 1996 الى يونيو 1997م كما ان زعيم هذا الحزب سابقاً نجم الدين اربكان ممنوع من العمل السياسي ولمدة خمس سنوات ولا شك ان قيادة اربكان كانت تجتذب كثيرا من الاتراك لتاييد هذا الحزب للخبرة السياسية الطويلة التي يتمتع بها اربكان.
النتيجة الأهم كانت هي فوز حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت اجاويد بالمركز الاول وبالنسبة 22% من اصوات الناخبين وكان هذا الحزب قد حقق في آخر انتخابات جرت في العام 1995 نسبة 14% من اصوات الناخبين وحل حينئذٍ رابعاً بعد احزاب الرفاه والطريق القويم والوطن الام, ويعود نجاح بولنت اجاويد وحزبه اليسار الديمقراطي الى قدرة اجاويد على قيادة البلاد في الستة اشهر الاخيرة بطريقة ناجحة من وجهة نظر كثير من الاتراك, لقد سقطت حكومة يلماظ التي خلفت حكومة اربكان في يوليو 97، اواخر سنة 98 نتيجة لاتهام يلماظ بالتعامل مع المافيا وكلف رئيس الجمهورية سليمان ديميريل بولنت اجاويد بتشكيل حكومة مؤقتة تقود البلاد الى حين موعد الانتخابات في ابريل 1999م وخلال فترة حكمه اظهر المخضرم اجاويد الكثير من الخبرة والدراية وكان من ابرز نجاحات اجاويد قدرته على اعتقال اوجلان زعيم حزب العمال الكردي الذي يشن حرباً ضد تركيا منذ حوالي خمس عشرة سنة مطالباً باستقلال كردستان، ان غالبية الاتراك حتى اولئك المتعاطفين مع الاكراد يعتبرون اوجلان ارهابياً وعميلاً اجنبياً, لقد قام اجاويد بالضغط على سوريا لتسليم اوجلان وعندما تسربت انباء عن فراره الى روسيا لم تتردد حكومة اجاويد بتهديد روسيا ثم ايطاليا وحتى المانيا ان هي آوت اوجلان,, وامام هذا الضغط التركي لم يجد أوجلان ملجأ آمناً مما اضطره للجوء الى احدى الدول الافريقية والقيام بالاتصال باليونان عدو تركيا التقليدي,, ثم سرب بعض ضباط المخابرات اليونانية انباء اتصالات اوجلان باليونان ومكان اقامته فقامت الاستخبارات التركية بعمل غير اعتيادي وهو خطف اوجلان من تلك الدولة الافريقية وترحيله الى تركيا مما قد يشير ويذكر بالتعاون العسكري الاستخباراتي الاسرائيلي التركي, لقد ساعد تركيا على القيام بكل هذه المناورات السياسية والعسكرية الدعم الامريكي لها، وللولايات المتحدة العديد من المصالح في تركيا كما لعب اللوبي الصهيوني بالتعاون مع اللوبي التركي الذي هو قيد التطور داخل الولايات المتحدة دورا في توجيه السياسة الامريكية للوقوف الى جانب تركيا وعلى طول الخط.
اما بالنسبة للانتخابات المحلية والبلدية فقد حقق حزب الفضيلة الاسلامي المركز الاول فيها كما حقق حزب ديمقراطية الشعب الكردي الفوز في الانتخابات المحلية والبلدية في المناطق الكردية جنوب شرق تركيا.
ويبدو ان الحكومة التركية المقبلة ستتكون من الحزبين الاولين في الانتخابات الاخيرة وهما حزب اليسار الديمقراطي بزعامة بولنت اجاويد وحزب الحركة القومية بزعامة دولت بخجلي حيث يسيطر هذان الحزبان على 265 مقعداً من مقاعد البرلمان المكون من 550 مقعداً وهما بحاجة الى عشرة مقاعد فقط للتمتع بالاغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة ومما لا شك فيه ان الحكومة المقبلة ستكون برئاسة اجاويد الذي حقق حزبه المركز الاول ورغم وجود اختلافات ايديولوجية بين هذين الحزبين الا ان التيار المسيطر داخل حزب اليسار الديمقراطي قومي التوجه والتيار المسيطر داخل حزب الحركة القومية الذي ينتمي لليمين معتدل وراغب كثيرا في الدخول الى الحكومة مما سيسهل قيام الحكومة الائتلافية, ويبدو الآن ان تركيا مقبلة على فترة استقرار نسبي لكن هناك كثير من المشكلات المتفجرة التي ينبغي على الحكومة المقبلة مواجهتها مثل قضية الاكراد ومحاكمة اوجلان ولبس الحجاب في العمل والمدارس والجامعات والموقف تجاه اوروبا واحداث البلقان والموقف تجاه توتر العلاقات مع الدول العربية والاسلامية.
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
حوار
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
تغطيات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved