Tuesday 4th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 18 محرم


لايصرفنا الشك عن الحقيقة
الناتو في كوسوفا بين السياسة ونظرية المؤامرة

عزيزتي الجزيرة
تابعت باهتمام ردود الفعل على مقالة الدكتور عبدالله الفوزان حول قضية التعليقات والتحليلات المتناقضة عن عمليات ودوافع حلف الناتو في كوسوفا وقارنت ما تحدث عنه الدكتور بما يحدث هنا في الولايات المتحدة خاصة من ممثلي الجاليات العربية والاسلامية, ولقد ذكرني كل ذلك بخطبة عيد حضرتها هنا يؤكد فيها الخطيب بان كل ما نرى على شاشة التلفاز وما نقرأه في الصحف تمثيلاً وتزييفاً وان الحقيقة المرة هي ان الحلفاء انما يضربون المسلمين لا الصرب، وان تاريخهم الاسود يكفي للتدليل على حقيقة ذلك، فليس من العقل او المنطق انهم يمكن ان يساعدوا المسلمين ضد اخوانهم النصارى بأي حال من الاحوال وتحت اي ظرف من الظروف، وحتى في الحالات التي يرسلون فيها بمساعدات عينية كخيام وطعام فانهم يرسلون مع كل خيمة قسيساً ومع كل وجبة انجيلاً بهدف تنصير المسلمين، (وهي اتهامات في معظمها غير صحيحها),ولقد اتيحت لي فرصة الحوار مع هذا الخطيب ومع غيره من الاخوة المشككين في كل ما يحدث، ومعهم في ذلك بعض الحق لان تاريخ كثير من البلدان المشاركة في التحالف ضد الصرب تاريخ استعماري بغيض تحالف في كثير من مراحله مع الصهيونية العالمية ضد الاسلام والمسلمين, ولكن نظرية الشك ونظريات المؤامرة يجب ألا تسيطر علينا الى حد تزييف الحقائق واصدار الاحكام على الساسة والدول وحتى الافراد ودوافعهم قبل حتى ان نبدأ المحاكمة, فالناس ليسوا شرا كلهم، والدوافع لا يمكن أن تكون شريرة في كل حال وحتى في حق المجرم المعروف، لا يمكن ان نصدر حكما عاما بان كل مايتهم به حقا، وكل ما يفعله شرا بدون ان نكلف انفسنا اعطائه حق محاكمة عادلة كما لا يمكن تعميم الاحكام حتى تشمل شعوبا وامما باكملها، نخلط بين مواقفها ودوافعها ومشاعرها ومواقف حكوماتها وساساتها، فهذا مانعاني ونشكي منه من بعض الاعلام الغربي والمتأثرين به، ولا يمكن ان نمارس ما نخطّأه ونطالب بما نخالفه ونقاضي من نحن مثله.
وما يحدث اليوم في كوسوفا لاشك محير لمن يبحث في الدوافع لتأكيد او نفي الحقائق، وليس الحقائق لفهم الدوافع, وبعض من حاورتهم في هذا الشأن للاسف ينطلقون من موقف مبدئي ضد عدو غاشم لا يمكن ان يفسروا اي عمل حسن منه بغير النية السيئة، ولا يمكن ان يسمحوا لأحد ان يفهم الامر بغير ذلك لحرصهم على توحيد الصفوف ضد هذا العدو, وفي حياتنا اليومية كثيرا ما نمر بمثل هذه المواقف من غيرنا ومن أنفسنا، فنحب ونكره، ومن نحب نبلع له الزلط ومن نكره نجلس له على الغلط ، ونزيد فنفسر حتى السلام وحتى الابتسامة وحتى الصدقة وعمل الخير بسوء النية، فهذا السلام ليس لله، وهذه الابتسامة ساخرة وهذه الصدقة للرياء وعمل الخير ذاك لمصالح لا يعلمها غير صاحب التفسير، وننسى ان من حقنا فقط ان نحاكم ونحاسب على الظاهر ام النوايا فعلمها عند الله وحده, وموقفي هنا كموقف الدكتور الفوزان، فليس القصد مما سبق ان ننسى ان السياسة مصالح بالدرجة الاولى وان اعمال الدول ومواقفها تحركها مصالحها الفردية او الجماعية، ولكن يجب ألا ننسى ايضا ان من بين هذه المصالح ما نتفق جميعا عليه، ومن بينها السلام العالمي, كما لا ننسى ان هناك مؤثرات اخرى تحرك الساسة وتتداخل مع تأثير المصالح على قراراتهم, ففي عالم يدعي فيه السياسيون وتلتزم فيه الدول امام سكانها والرأي العام الدولي بالحرص على حقوق الانسان، والعدالة ونصرة المظلوم، يجد صناع القرار انفسهم في حرج شديد عندما يحدث مثلما يحدث في كوسوفا, فاجهزة التلفاز تنقل للاسر في بيوتها صورا مخيفة عما تتعرض له اسر مثلها من قتل وتشريد وهتك اعراض فتدمع العيون وتتأثر القلوب وتهتاج المشاعر ويبدأ الضغط من عامة الناس على القادة الباحثين عن اصواتهم في الانتخابات المقبلة؛ ومن الاعلام الذي يحرص كل صانع قرار على كسبه في صفه واستخدامه لتقديم صورة مثلى عن شخصه لعمل شيء لوقف هذه المآسي, والساسة انفسهم ليست قلوبهم جميعا من حجر، ومثلهم في ذلك كل الجهات المؤثرة على صنع القرار والمنفذة له, وعندما تلتقي كل هذه العوامل والمؤثرات من مصالح سياسية تستدعي عدم اشعال النار في منطقة حساسة تقع في قلب اوروبا قد يمتد شرارها الى دول حليفة، ومعاقبة طاغية طالما اثار الفتن والقلاقل وكلّف هذه الدول الكثير لاطفائها، والدفاع عن سمعة ومصداقية هذه البلدان وهيبة حلفها في منطقة تقع تحت مسئوليتها، الى إرضاء الرأي العام والتجاوب مع رغبات الناخبين والتي تتفق مع المبادىء المعلنة لهذه الدول والمشاعر الشخصية لقادتها، فان قرارات تصدر وتنفذ تتفق مع الحق والعدل كما نفهمه ونطالب به، وتستحق ان نشجع على المزيد منها بالتجارب معها وتأييدها وشكر من قام بها, اما جهود التشكيك والمحاربة لمجرد ان العدالة جاءت من مصادر طالما عانينا من ظلمها فانها لا تخدم مصداقيتنا وعدالتنا امام قومنا وامام الآخرين، ولا تخدم قضية إخواننا المضطهدين في كوسوفا، ولا تشجع هذه البلدان على تغيير سياساتها الظالمة السابقة او الاستمرار في سياساتها الجديدة العادلة.
خالد محمد باطرفي
(طالب دكتوراه في الصحافة)
أوريقن - الولايات المتحدة

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
حوار
منوعــات
القوى العاملة
عزيزتي
الرياضية
تغطيات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved