Saturday 8th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 22 محرم


شاعرة في الظل

** مرت علينا ذكرى جميلة عطرة تظل عالقة بالاذهان,, ذكرى عزيزة علينا جميعا هي الذكرى المئوية لفتح الرياض,, بثبات وإيمان راسخ انطلق المغفور له الملك عبدالعزيز لاستعادة ملك آبائه وأجداده لا طمعا ولا جشعا ولا من أجل المال او الجاه, بل من نابع ديني محض ليرسي قواعد الأمن والأمان والراحة والاطمئنان لتكون كلمة الله هي العيا, جاء من الكويت فاتحا لا غازيا بنية صادقة لا يشوبها شائبه وعلى يديه تحقق ما يصبو إليه فأسس دولة دينها الإسلام ودستورها القرآن لينشل مجتمعه من براثن الجهل والفقر والسلب والنهب فهذه هي الصورة القائمة الحقيقية لمجتمع البلاد في تلك الحقبة, ومع بداية التأسيس كانت ولادة شاعرتنا لتعيش تلك الحياة التي مرت عليها ومع من كانت في سنها, لا أحب الإطالة فانسج في مشاعر تلك الشاعرة التي لم تنل من الشهرة أي شيء يذكر وأصبحت حبيبة مجتمعها العائلي يتناقلون شعرها سواء الفكاهي او الوجداني او العاطفي,, إلخ.
عمرها جاوز الثمانين ولا زالت تتغنى بالشعر, عاشت طفولتها في كد وكدح وضنك عيش، شأنا بذلك شأن مجتمعها في ذلك الزمان، استطاعت عن طريق الشعر ان تتصور وتبرز كوامنها لانه المتنفس الوحيد لها ولزميلاتها وعند بلوغها العامين سافر ابوها من نجد وشد الرحال الى جازان مع رجالات الملك عبدالعزيز لفتح تلك المنطقة رحلة لم تره بعدها، بلغت سن العاشرة وتساءلت بكل ألم وحسرة، أين والدها؟ هل هو حي يرزق ام قضى نحبه؟ وتأتي الأجوبة متباينة، فقالت في أبيات لا تنقصها صدق العاطفة، وان كان لي رأي في التركيبة الشعرية لتلك الأبيات إلا ان أهم ما في القصيدة صدق عاطفتها, يقول الأديب والشاعر عبدالوهاب البياتي ذات مرة.
إن الشعر الذي يكتب في محب لم تره أقوى من شعر في محب تراه ماذا قالت تلك الشاعرة عن أبيها وماذا تمنت؟ وكان هذا قبل سبعين عاما.
ياراكب اللي سبق عجه
لا روحت والمساء داني
ما تصبح إلا وراء جده
والعصر بضلوع جازاني
أبوي بالبعد وش حده
وراه يذكر ولا جاني
الله على من قرا خطه
قبل اللحد مظلم الجاني
لكل زمان برده فهي لم تتمن طائرة تنقلها الى أبيها! بل كل ما تمنت سيارة وتلك السيارة تنخر عباب الصحراء لتحدث وراءها الغبار الذي تسبقه، وقد وصفت الطريق الذي تسلكه السيارة وتحدد الزمن رغم عدم معرفتها بالطريق او الزمن فهو مجرد خيال شاعرة ينطبق على الواقع في ذلك الزمن فعندما تغادر من بلدتها مساء ستطلع شمس نهار الغد وقد وصلت الى جدة لتواصل مسيرها الى آخر النهار حددت العصر وقد بلغت منتهى الرحلة وهو جازان، لقد تساءلت مالذي جعل أباها يكون بعيدا عنها كل البعد طيلة السنوات ولم تطمع في رؤيته بل تنازلت الى أمنية وهي أن تقرأ رسالة منه قبل ان يداهمها هادم اللذات وتوضع في القبر وقد حددت اللحد لأنه أفضل من الشنق وقد وصفته بالظلام الدامس أنه مات,, ولم تتحقق أمنيتها لا في رؤيته او رسالة منه وقد يكون معذورا لصعوبة ووعورة الطريق في ذاك الزمن ولم يشأ البريد ولم يكتشف البرق او الهاتف او الفاكس أو الانترنت, لتطوي هذه الصفحة من حياتها بصفة جديدة فها هي تبلغ سن الحلم ويتقدم لخطبتها زوج صالح عرف بالورع والتقوى عليه شآبيب الرحمة ولكن قريناتها وبالأخص صديقتها فاطمة تصيبها الغيرة التي تأججت في صدرها لأنها أكبر منها سنا ولم يتقدم احد لخطبتها فتقول لصاحبتها الأخرى.
وإياك أعني واسمعي ياجارة قائلة
يابنت شدي على ثنتين
تولمي يالسنافيه
نبي نسير نشوف دحيم
ونشوف خطيب بشريه
والله ما دري عن المجحود
لكن يذكر ,,,.
ولكن الشاعرة ترد الصاع بصاعين فتهجوها وتقول لها
لا عاد زمعا ولا لك راس
سمينة ياللهطيلية
مأحلى خصوم تقل مهراس
دقل طاقية
ولكن صاحبتها تحتج بانها لا زالت صبة حسناء وبكل كبرياء تذكر حسبها ونسبها لتقول:
اسمي وجسمي من القرناس
عنقي كما عنق ريمية
ما نيب مثلك علي قشاش
وشبكة من التبن مدحية
انها الطفولة وريعان الشباب وصدق الشاعر الذي قال
زهو الطفولة هزني أشجاني
قد شد كل مشاعري وكياني
وتزوجت شاعرتنا لتبدأ حياة جديدة كلها نصب وتعب فتقوم بجلب الماء بواسطة الدابة من البئر وتسقي الزرع وتصف حالتها قائلة
يوم إني أرقى على العدة
وأصبر ولو صرت أنا الساني
أدور الستر والعلقة
عن جية ال خال عرياني
لقد وصفت وصورت مأساتها بانها ستكون صابرة كونها تبحث عن الستر والا تمتد يدها حتى لأقرب قريب ويأتي زوجها ويراها قد تقاعست في عملها فيقول لها:
عزي من سانية مزنة وحماد
مثل البلح ياقف بعرض الوريد
هديت أنا صقري فلا شك ما صاد
,,,,,.
ولكنها ترد إن هذا العمل المنوط ها قد اثقل كاهلها وأصابها الكلل والملل والنصب والتعب وبإمكانه ان يردها الى أهلها ولكن اشارت بطريقة لبقة ومن مبدا التلميح لا التصريح انها مستعدة أن تسافر معه ولو كان الى بغداد فقالت
إن كان ما ارضاك مزنه وحماد
صدر مرابيع لخضر الجريد
وان كان نوك تنحدر يم بغداد
فأنا خويلك بجنب البريد
وتتغير الأحوال من حال الى حال وتغادر مع زوجها الى حفر الباطن بعد ان عم الأمن والأمان والراحة والاطمئنان والعيش الرغيد في سائر مملكتنا الحبيبة ليطوف بها الخيال في قصيدة أخرى بعد سنوات طويلة تتمنى ان ترى مسقط الرأس مدينة الرس وصدق الشاعر العربي الذي قال:
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه أبدا لأول موطن
لقد تمنت ان تكون طائرا يحوم حول مدينتها لترى التراب فقط ولا تحط الرحال فلقد طلبت أن تكون محطتها بمحافظة العارضة إحدى محافظات جازان لانها بلد الأحباب والخلان حيث يتولى اخوها سدة الإمارة فيها لتراه وقد بينت أنها تعيش في بحبوحة من العيش فقد قالت:
ياليت من صف له جنحان
وأشرف عل الرس وأترابه
ومنه تعدى الى جازان
والعارضة ديرة أحبابه
مانيب عاري ولا جوعان
رب السماء فاتح بابه
من لامني بفقد الخلان
ويصبح بعيدا عن أحبابه
وقدمت اليها ابنتها من جازان جاءت لرؤيتها وتجود قريحتها بهذه الأبيات التي لا تحتاج الى شرح او تعليق لانها بالكلمة الدارجة فماذا قالت لابنتها
يامرحبا باللي له البال يرتاح
اللي اذا شفته تزيل الهموم
يامرحبابه عد لباب الأفراح
وأعداد ما تظهر عليه النجوم
اقولها صدق مانيب مزاح
من لامني جعلة يرمي الهدوم
ويتزوج الأبناء والبنات وتبقى تواقة لرؤية الأبناء والأحفاد فهي تود أن تراهم كل صبح ومساء ويتأخر أحد ابنائها ثلاثة ايام فتعاتبه قائلة
ذالي ثلاث أيام والباب مفتوح
ما جاء منهم من يرد السلام
يالله يالمطلوب ياراحم الميت
يالمالك المعبود تلطف بحالي
أشره عل مروان هو سيد البيت
والا ترى غيره طوينا الحبالي
ومروان هذا هو حفيدها لم يتجاوز عمره الخامسة عشرة ولكن إبن الوز عوام فلديه موهبة الشعر التي تحتاج الى صقل ليرد عليها قائلا:
جاني ملامك يابعد كل ممدوح
وأمرك ونهيك كله مطاعي
ترى العتب بين الأحباب مسموح
والا الزعل بحكم الشريعة حرامي
وختاما آمل أن أكون قد وفقت بإبراز الشاعرة مزنة بنت عبدالله البشري والى لقاء مع شاعرة أخرى إن شاء الله.
عبدالله بن محمد العطني
حفر الباطن

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved