Tuesday 11th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 25 محرم


بدون ضجيج
كآبة الحيتان!
جارالله الحميد

لا احد يدري (على وجه الدقة) ما الذي يدفع سمكة (الحوت) الضخمة للانتحار! كل ما في الامر ان السكان (الاقليميين) يجدون اعدادا منها في الصباح الباكر ميتة على الشاطىء تنعم بالراحة الابدية التي نهرب منها نحن البشر ما وسعنا الهرب, مع اننا نعرف مسبقا ان الفرار من لحظة اللقاء مع (ملك) الموت هو رهان خاسر! وبلاثمن.
هل نعزو (انتحار) سمكة(الحوت) الى الكآبة؟! او هل نبرر القضية بانها مجرد ضجر من (غابة) الماء التي تغمر الحياة حتى لا تجد الاسماك مجالا للتنفس؟!, من غابة الالوان والشجر المضيء والمرجان المتلألئ كقناديل الصحراء البعيدة, ولو وجدنا السبب في الانتحار الجماعي لل(حيتان) لبدأنا صفحة جديدة من تاريخ علاقتنا مع المخلوقات التي تشاركنا العيش على هذا الكوكب المليء بنشرات الاخبار، لكتبنا بدموع الندم سيرة حياة ارنب طورد في صحراء الله حتى دخل لحمه وشحمه الى قفصه الصدري فغدا كالقط المرقط الكبير الذي يدعى ب(ملك الغابة) فقط لانه قاتل وذو يد كالفولاذ المغلي.
تتفاءل الطيور بالموسيقى، وكلام الناس، بالصبح الذي شقشق للتو! ونحن لانعرف إلا ان نخرسها بالبنادق الصغيرة!، ونذبحها باعواد الكبريت المعدة لهذا الغرض, مبرية من مقدمها حتى غدت كالرمح الصغير الذي يحتفل بالدم البريء, الدم المغرد في صباحات الاشراق والتجلي والحب الذي ينضح من قدح امراة تشبه الوطن الدافىء, نعرف فيما بعد ان الغزلان لم تهرب الى البراري الا خوفا من عباد الله الجائرين الذين يملكون العتاد البدائي الذي يستطيعون به ان يرغموا هذا الحيوان الجميل الشاعري على البقاء في قفص متنقل لكي يلمس الصغار فروه الذي بنعومة لايمكن وصفها, لكي يقطع البعض منا للبعض الآخر التذاكر في الحدائق التي تشتكي من ال(وطأ) وتكدس الموتى كما يقول ابو العلاء في (نواحه) المشهور، العالق بالذهن من ايام الدراسة المتوسطة!
ولو افترضنا ان (الحوت) الذي يوزن بالطن!! قد فضل الموت على هذا التكدس والبرود في العلاقات الاسرية، والصداقات العابرة تحت مدى عشرات الاف الامتار عمقا! فهل من علاج ارحم من هذا الذي تمارسه جمعيات الرفق بالحيوان وحركات (السلام) الاخضر التي ماهي الا واجهة للنفاق, وحانوت لبيع العواطف الفائضة عن الاستهلاك الادمي؟!, اولئك الذين يعيدون الحوت الى الماء متخيلين بذلك انهم انقذوه من الموت بينما هو في الحقيقة يرى موته في الماء الذي هو المعادل الموضوعي للحروب والمجاعات والزلازل والاشتباكات مع الجنود، وتزوير الانتخابات واجهاض احزاب كبرى بسبب حجاب امراة في البرلمان, وعودة الارض الى البكاء الغزير في عصر النور والتفتح كالزهور!!
العصر الذي يستطيع فيه الطفل ان يحفظ ملايين المعادلات الحسابية مثل آلة, فيصبح شكله قريبا من اشكال الخدع السينمائية.
لن نقول على (حيتاننا ) السلام فقط!لا, نحن سنشكرها ان اثارت قضية (الدفء) في العلاقات الاسرية من حيث لم يتوقع احد من (بني آدام)!!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
القمة التشاورية
منوعــات
ندوة المكتبات الوقفية
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
استطلاع
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved