Tuesday 11th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 25 محرم


أثر المكتبات الوقفية في نشر العلم وحفظه

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد
فقد بدأت صلة الأمة بالكتابة والكتاب في أول نص قرآني تنزل على محمد صلى الله وسلم: }إقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم{ فجمعت هذه الآيات بين القراءة والكتابة وثمرتها وهو العلم، وكل ذلك في مقام الامتنان من رب العالمين.
لقد توجهت هذه الأمة الأمية من أول أيامها إلى القلم والكتابة، فسطرت الآيات في المصاحف، ودونت السنن في الصحائف، ووجد في عصر النبوة صحائف ذات شأن دون فيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كصحيفة علي وعبدالله بن عمرو بن العاص وغيرهما، رضي الله عنهم، ثم استمر هذا الأمر في ازدياد متسارع بقية عصر الصحابة ومن بعدهم إلى أن جاء الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز، - رحمه الله - فأصدر أمراً رسمياً بتدوين كل السنة النبوية الموجودة في صدور الرجال.
وكانت السنة النبوية من أهم ما توجه قصد الأمة إلى تدوينه وتأليفه، ثم فشا العلم، وتنوعت المعارف، واختلفت الفنون، وصار لكل فن رجاله، ولكل علم كتبه، ولكل عالم خزانته ومكتبته.
فكانت تلك الكتب والخزائن أساس نهضة المسلمين العلمية ومستودع حضارتهم، بها حفظ العلم والدين، وعم النفع، وتناقلت الأمة هذا الخير جيلاً إثر جيل، تتصل من خلاله بأوائلها وروادها، وتنهل به من معين علومهم ومعارفهم، فتطلع على ماضٍ عريقٍ وتستشرف مستقبلاً مشرقاً، وتسلك سبيلاً آمناً، اقتداء واهتداء وصلاحاً واستقراراً.
ولهذا فقد كانت عناية العلماء بالكتاب عظيمة، وحرصهم عليه كبيراً بيد أن تحصيل الكتب ونسخها كان جهداً يكابدونه، فالوقت عزيز، والنفقة قاصرة، فتوجهت همة العلماء والأمراء إلى تيسير العلم لطلابه، بتيسير الحصول على كتبه، وذلك بتحبيس أصلها وتسبيل منفعتها، ورأوا أن وقفها من الصدقة الجارية والعلم الذي ينتفع به، وأنه داخل في قوله النبي صلى الله عليه وسلم لعمر، رضي الله عنه، عن أرضه بخيبر (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته، علماً علمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً ورثه,,,) الحديث أخرجه ابن ماجه.
ومن هنا فقد وقف عدد من الأئمة كتبهم التي جمعوها عمرهم كله، وكان من هؤلاء الإمام ابن حبان صاحب الصحيح، والخطيب البغدادي، والضياء المقدسي، والحميدي، وابن الجوزي، وابن قدامة وعبدالغني المقدسيان، وغيرهم كثير.
كما اقتفى هذا السبيل الأمراء والسلاطين والوزراء والتجار، فوقفوا الكتب والمكتبات، وأقاموا لها الدور، وأوقفوا عليها أوقافاً تغل عليها وتعمرها، ومن هؤلاء: الوزير نظام الملك، والسلطان نور الدين محمود بن زنكي، والخليفة المستنصر بالله، والسلطان قلاوون، وغيرهم كثير.
ولذا فقد انتشرت دور الكتب الوقفية في الجوامع والمدارس والمكتبات في معظم مدن الإسلام وحواضره، وكان لها الأثر العظيم في انتفاع الناس وانتشار العلم والمعرفة، وارتباط الآخرين بالأولين.
ولما أسعد الله هذه البلاد بالإمام عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - كان من مآثره الكثيرة إحياء هذه السنة المحمودة - طبع الكتب الكثيرة ووقفها على طلبة العلم - بعد أن كادت تنقطع، فانتخب من الكتب أهمها مما كان له أثره البارز في نهضة هذه البلاد الحالية، وريادتها العلمية، وكان ذلك من علائم نجابته وبعد نظره وسبقه لزمنه، حيث أقدم، رحمه الله، على هذا الأمر - الذي قد يعده البعض ثانوياً - في وقت مبكر جداً قبل اكتمال توحيد المملكة، فالموارد ضيقة والإمكانات محدودة، والصوارف لأمور جسيمة قائمة، ومع ذلك فقد بادر إليه وسارع فيه، فكان عملاً مفخرة، ومأثرة كبرى لهذا الإمام العظيم، وكل أعماله مفاخر، ومآثره أكابر، أسبغ الله عليه شآبيب رحمته وأسكنه فسيح جناته، ورفع منزلته في المهديين مع الأنبياء والصديقين.
ثم سار أبناؤه الأخيار على سنته من بعده، فتعاقبوا على هذا الخير العظيم والفضل الكبير، وأخرج الله على أيديهم كنوزاً ما كانت لتخرج على هذا النحو؛ لولا قيامهم بها، ودعمهم لها، تحقيقاً وطبعاً وتوزيعاً.
وقد نال هذا الأمر غاية العناية والاهتمام من خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، - حفظهم الله - فطبع على أيديهم وبعونهم ودعمهم عشرات الآلاف من الكتب، وتم توزيعها مجاناً وبكميات كبيرة جداً في مختلف أنحاء العالم، كما وزعت ملايين النسخ من المصحف الشريف، وترجمات معانية، المطبوعة في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فجزاهم الله أعظم ما يجازي عباده الصالحين، ورفع درجاتهم في المهديين مع الأنبياء والصديقين.
كما تسارع الأمراء وأهل الخير في هذه البلاد على هذا العمل المبارك، وكانت لهم جهود معروفة مشكورة يقدمون فيها لأنفسهم خيراً يدوم ويستمر ينمو ويكثر، ويجدونه أحوج ما يكونون إليه؛ على خير ما يكون وأعظمه وأوفاه, فنسأل الله أن يتقبل من كل عمله ويكاثر له أجره، وأن يوفقنا جميعاً لمرضاته، ويستعملنا في طاعاته، ويهدينا سواء السبيل والحمدلله رب العالمين.
* المشرف على مكتب معالي الوزير للدراسات والبرامج

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
القمة التشاورية
منوعــات
ندوة المكتبات الوقفية
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
استطلاع
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved