كنت خارج ارض الوطن خلال الايام الماضية اثناء وفاة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته,, وعندما عدت صدمت بالنبأ العظيم,, الذي زلزل كياني وأذهل وجداني,
ان فقد مثل هذا الداعية هو بمثابة فقد أمة, هذا الرجل الفقيه الزاهد الذي ارضى جميع الاطراف بصدق دعوته وعظيم شأنه واخلاصه في الدعوة الى الله وحين اتحدث عن فضيلة الشيخ عبدالعزيز رحمه الله رحمة واسعة فإنني اتحدث عن شخصيته عن قرب فلقد تشرفت بجواره في حي العزيزية بأم القرى لسنوات عديدة حيث تلمست فيه القدوة والمثل والصورة المشرفة لانسان نذر نفسه لهذا العمل الجليل وكرس كل اوقاته من اجل العلم ومن اجل طلابه يلوذ به المحتاج وينشده كل مظلوم او مقهور لتفريج كربته ويحتمي به من قست عليه الايام وأرهقته الظروف فيده دائما ممدودة للخير فهو احد جسور الخير والاحسان والرأفة.
لقد قمت بزيارته وتشرفت بالسلام عليه ووجهت له الدعوة كعادتي في كل عام, قبل سفري بأيام, فاعتذر لظروفه وقال لي بالحرف الواحد: إن شاء الله إذا عدنا من الطائف يصير خير,,! .
فلم يعد إلا محمولا على الاعناق الى مثواه الاخير,, لقد كان جاراً عزيزاً تتجسد فيه الصور الاسلامية الحقة في كل صفاته وانسانيته الرقيقة وطلاقة وجهه ورهافة احساسه وطيب معشره,, بيته مفتوح وصدره مشروح لا تعنيه أبهة وليست الدنيا من ضمن اهتماماته او احدى مشاغله او تصرفه عن رسالته كعالم.
لقد أدى الامانة وبلغ الرسالة, لقد كان انموذجا في هذا العصر الذي شهد الكثير من المتغيرات والتحولات لكن ايمانه العميق ظل راسخا لم تجرفه التيارات او تجذبه مغريات الحياة,, بل ظل ناسكا قوي العزيمة لا يتزعزع ولا يتزحزح لأن الدنيا لا تساوي عنده شيئا,
لقد كان قدوة حسنة وأسوة صالحة, متمسكا بما كان عليه السلف من التقوى والورع والصلاح.
حتى وهو يمارس عمله الرسمي لم يتهاون او ينشغل او يتشاغل بل كرس كل جهده وطاقته في سبيل اداء العمل بما يرضي الله والرسول ويرضي ضميره لأن احساسه بالامانة الملقاة على عاتقه هو الدافع الحقيقي.
ففي هذه العجالة التي اكتب فيها عن مشاعري الخاصة عن جاري العزيز سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز فإنني لن اوفيه حقه مهما اوتيت من البلاغة او الفصاحة او البيان لانه فوق الكلمات بتواضعه الجم وخلقه الكريم وسعة علمه واجتهاده واخلاصه رغبة في مرضاة الله, أحسن الله خاتمته وتغمده الله برحمته وأدخله فسيح جناته,.
وإنا لله وإنا إليه راجعون وألهم ذويه الصبر والسلوان ولهم منا عظيم العزاء.
عبدالحميد قطان
مكة المكرمة