Tuesday 25th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الثلاثاء 10 صفر


تعميم شبكات الصرف الصحي,, مطلب الكل
هكذا نحمي البيئة من مخاطر التلوث

عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اذكر في بداية عملي الصحفي بجريدة البلاد قبل عشرين عاما انني اكتشفت منجما للاخبار في مصلحة الارصاد وحماية البيئة في وزارة الدفاع والطيران بمدينة جدة, لقد وجدت في القائمين على المصلحة في ذلك الحين نموذجا للوعي الحضاري والعمل المدفوع بالرغبة والحماس والقناعة الذاتية، وهو امر ليس معتادا او متوقعا من كثير من العقليات الادارية التي تعمل في خدمة الروتين والمصالح الذاتية اكثر مما تعنى بخدمة الوطن والمواطن, ولا شك ان المملكة تعتبر من الدول التي صحت مبكرا لمشكلة التلوث البيئي قبل فوات الاوان, وقد لحظنا كيف قامت الدولة بتنظيم مواسم الصيد، واقامة المناطق المحمية للحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض، وتوسيع نطاق المتنزهات الوطنية التي لا يجوز فيها البناء والاستثمار كالشواطىء العامة والغابات والمتنزهات الطبيعية في سراة الطائف والباحة وعسير, كما لاحظنا اهتمام الدولة بالحرص على تطبيق القوانين الدولية للبحار على استخدام المياه الاقليمية وحركة البواخر وناقلات النفط فيها بما يحد من تلوثها بالوقود والزيوت والمخلفات, واخيرا وجدنا هذا الاهتمام واضحا عندما افتتح ولي العهد الامين مشروع مصفاة النفط في الشرقية والتي تنتج لاول مرة البنزين الخالي من الرصاص - هذه المادة الخطيرة التي يسبب احتراقها اليومي في شوارعنا من عوادم ملايين السيارات غازات خانقة مضرة بالصحة العامة كأمراض الرئة والعيون وحتى السرطان والعياذ بالله, واضيف الى كل هذا الذي تعرفون ما اطلعت عليه من خلال مادة دراسية عن سياسات البيئة الدولية في الجامعة التي ادرس بها هنا, فقد اتضح لي من خلال مناقشة مواقف الدول، خصوصا في العالم الثالث، ان المملكة تعتبر دوليا من اكثر الدول مشاركة في المؤتمرات والاتفاقيات والانظمة والانشطة الدولية المختلفة الهادفة الى التعاون على مستوى العالم في محاربة التلوث والحد من اخطاره البيئية المتعددة.
ولكن، ورغم كل هذه الخطوات المهمة والمنجزات الممتازة، ورغم الطبيعة الصحراوية للبلاد والتي تطهر شمسها وبرورها وعذرية معظم بحارها وشواطئها الاجواء والمياه من التلوث، الا اننا امة حباها الله بنمو صحي وتكاثر سريع ومدنية متسارعة, ولذا فان من الطبيعي ان يمر علينا ما مر على من سبقنا من الامم والمدنيات الحديثة.
وهكذا فاننا نشهد اليوم مدننا وشواطئنا وبحارنا وهي تتعرض كمثيلاتها في بلاد العالم لمخلفات التطور الصناعي والمدني من غازات سامة تصدرها المصانع والمولدات الكهربائية والسيارات والطائرات، وزيوت تتسرب من السفن واليخوت الى البحار والسواحل، ومخلفات مدن كبيرة تحرق وتدفن في مراميها، ومجار تتسرب الى البحار والآبار، وشواطىء ومتنزهات جبلية وبرية طبيعية تتراكم فيها مخلفات الزوار والمتنزهين.
الخطوات المطلوبة منا لمواجهة كل هذه الاخطار والتحديات كثيرة ويجب ان نشترك في القيام بها جميعا, فهي ليست مطلوبة من الدولة وحدها، ولكن ايضا من القطاع الخاص ووسائل الاعلام وكل مواطن يهمه ان يعيش ومن يحب في بيئة نظيفة، خالية من التلوث القاتل، وبالاستفادة من تجارب الآخرين اسمحوا لي بتعداد بعض اهم الخطوات التي يمكننا القيام بها على الفور.
من الملاحظ ان اكثر مياه الصرف الصحي التي تنتجها مدننا تلقى في الصحاري والبحار وبعضها يتسرب من خلال التمديدات المتهالكة او بسبب عدم وجود تمديدات الى المياه الجوفية وشبكات وخزانات مياه الشرب خاصة القديمة منها, ولو اخذنا ما يحدث في مدينة جدة كمثال، نجد ان مياه الصرف الصحي التي تحملها الشبكة المحدودة والمتآكلة تحول اما الى البحر او الصحراء في جنوب جدة، عدا المتسرب منها في الطريق, ونلمس هذا بوضوح في بحيرة الاربعين بوسط جدة التي ارتفعت فيها المخلفات القذرة الى امتار، وماتت فيها كل الكائنات الحية الا الديدان والبعوض، وتنطلق منها روائح العفن، خصوصا في الصيف، الى عدد كبير من الاحياء والمناطق حتى التي لا تحيط بها مباشرة, فخلال عشرات السنين كانت الاحياء والاسواق التجارية والفنادق المحيطة بالبحيرة تلقي بمخالفاتها مباشرة فيها، وزاد الطين بلة واتساخاً ان القناة الوحيدة التي تربط البحيرة بالبحر ضيقت اكثر واصبح الماء بذلك راكدا وكأنما هو مياه البحر الميت, ورغم المشاريع المتعددة التي سمعنا عنها لتعميق وتنظيف قاعها وتحويل مياه الصرف الصحي فيها الى محطات التنقية في جنوب جدة وتجديد مياهها من خلال توسيع صلتها بالبحر الا انني اصدم في كل زيارة للوطن بأن الحال يزداد سوءاً عن الزيارة التي سبقتها, ان المطلوب ليس لجدة وحدها ولكن لكل المدن والمناطق هو تعميم شبكات الصرف الصحي وتجديدها وبناء المزيد من محطات تنقية المياه التي تقوم بفصل المواد القذرة وتحويلها الى سماد نباتي وتوزع المياه المنقاة على محطات الاطفاء والمزارع والحدائق وما شابه من الاستخدامات التي تستهلك اليوم مياه الآبار وتحلية البحر الثمينة.
ومن الخطوات المطلوبة ايضا تشجيع انشاء المصانع التي تعيد استخدام المخلفات مثل الحديد والالمنيوم والبلاستيك والورق في منتجات جديدة، وتشجيع استخدام الطاقة الشمسية لتخفيف الضغط على مولدات الطاقة الكهربائية التقليدية التي تعتمد على حرق الوقود، واستخدام محارق متطورة للتخلص من النفايات تحول دخان الحريق الى مواد اخرى يتم التخلص منها قبل ان تصل الى الجو، وتوفير سلال وبراميل المهملات في جميع المتنزهات، بما في ذلك المتنزهات الطبيعية في البرور والجبال والشطآن، ومراقبة ومعاقبة من لا يقوم باستخدامها من المنتزهين بغرامات مادية، والتوعية بأهمية وكيفية الحفاظ على البيئة من خلال حملات مركزة عبر وسائل الاعلام وتدريس ذلك في مدارسنا الابتدائية وتدريب الطلاب على فرز المخلفات ووضع الذي يمكن اعادة تصنيعه كالورق والمعلبات في سلال خاصة يتم ارسالها الى المصانع المتخصصة، والزام المصانع والمعامل والمستودعات والاسواق والورش ومحطات خدمة السيارات ووسائل النقل وغيرها بأنظمة صارمة تمنع اساءتها للبيئة وتلزمها بالتخلص من نفاياتها بشكل صحي وسليم، والحد من تلوث الضجيج سواء من هذه الجهات او من غيرها كالسائقين وخصوصا من المراهقين وسائقي سيارات الاجرة.
ولعلنا بتنفيذ هذه الخطوات الحضارية نحافظ ليس على صحتنا وبيئتنا اليوم فحسب، ولكن نورثها لأبنائنا والاجيال المقبلة وننمي فيهم الحرص عليها وحسن التعامل معها ورعايتها.
خالد محمد باطرفي
طالب دكتوراه في الصحافة
أوريقن- الولايات المتحدة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
جبل الدعوة الى رحمة الله
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيق
تغطيات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved