Sunday 30th May, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأحد 15 صفر


العمارة

ترتعش,, صوت الخطوات التي تلاحقها تزداد وضوحا,, تقرر ان تغطي وجهها لكن العتمة الشديدة التي يغرق فيها المبنى تمنعها,, تتلثم وبسرعة تصعد الدرجات التي تقابلها,, تشعر بالدوار وسط احساس ضاغط انها تعرف المكان,, تحتضن الدرجات خطواتها بحميمية قديمة، قدم روحها التي ترفرف بانفاس متهدجة انها الآن ,, هنا في نفس المكان القديم,, تلمح من خلال عينيها التي تمتزج فيها صور ايام مرت وصورة حاضر تراه الآن,, الدرجات المتآكلة,, نفس الحديد الصدىء يتلوى في مكر وهو يخرج من اطراف الدرج, تسمع صوت احدى الزائرات تسبه بصدق وضغينة لانه مزق عباءتها,, ترفع عباءتها بحذر وبحركة لا ارادية,, بنفس نظرتها الوالهة تحتضن الجدران زالت بعض الوانه، واصابه الجرب في مواقع كثيرة، لكنه لا يزال يحمل بقايا شعارات فريق الحارة ويعيش عادل البطل وخالد الشجاع مطبوعة في جدار ذاكرة تنسى يوميات حياة مصطنعة وتتذكر صياح اطفال ينزلقون على الدرج فوق كرتونة تجمع اجسادهم الصغيرة فيصير عالم من الف ليلة وليلة فوق بساط ريح يحمل ضحكات قادمة من رئات بلورية تتقافز في حيز ضيق,, لكنه يطير.
تنحني لتخلع حذاءها اللامع,, يذكرها بالعالم الذي قدمت منه فترميه بعيدا,, تحك باطن قدمها بالبلاط المنقط,, يملؤها شعور عنيف بالفرح والطمأنينة,.
ترتاح في ظلام تعرفه، بذاكرة لاتملكها، لكنها تحسها، ذاكرة خلاياها التي امتصت وكبرت وتحركت في حيز تحسه الآن,, تشم رائحة البلاط النظيف وترى لآلىء الماء تملأ حفره الصغيرة بعد ان غسلته امها والجارات وكل الاطفال العنيدين الذين قاوموا صراخ الكبار واوامرهم المتكررة بالابتعاد حتى صارت كصوت الماء الهابط م نفوق ينسكب مع الصابون الابيض فتتكون الرغاوي، تمنحها شعورا بالزلق يداعب رجليها العاريتين فتضحك وتقفز وتضحك وتقفز وتضحك و,,,, حتى يوشوش عينيها نعاس مرهق ولذيذ فتغمض عينيها,, تتحسس حبيبات الطوب القديم بيديها المشتاقتين,, جافة لكن حبيبة,, قريبة من القلب من الذاكرة.
تشعر فجأة بهلع مباغت,, تستيقظ على صوت الخطوات التي تتبعها,, تصعد,, بسرعة,, بسرعة,, تصل الى آخر السلم,,
تلتفت بكل جسدها ويداها متحفزتان.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved