Thursday 3rd June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 19 صفر


حروف شفقية
حديث قلبي إلى عبدالعزيز مشري

وقفت هنيهة في محراب الإبداع، أستدعي شيئا من مسيرة الأديب الإنسان والصديق البهي عبدالعزيز مشري، وفي فيض هذه البرهة التي لم تطل، قفزت إلى حنجرتي كلمات للشاعر بابلونيرودا وجدتني أرددها إنشادا اتمثل فيه عطاء نحو ربع قرن وأكثر من شموخ الكلمة ونضاليتها:
فأنت ككل الذين أرادوا
لوجه الحياة رداء جميلا
تمنيت أن يطلع الصبح من قبضتيك
فعلت الذي كان حتما عليك
وما كان حتما على الناس
جيلا فجيلا,
جميل أن باغتني هذا الانبجاس الشعري ليكون نقطة البداية في هذا الهجس القلبي بين شطحات الحياة وتعرجات المعنى، كيف لا وأنت الذي بدأ شاعرا وفنانا يبلل جسده بأفراح المطر، فإذا بالطبيعية تهديه موتا على الماء قلنا لا بأس بهذا الموت المائي طالما أنه كان يؤرخ لبداية انهمار ابداعي لفتى يخرج من قرى الجنوب الغالي ليرتطم بحرائق المكان بما يحتويه من سحيق الألم المهاجر بين أنهار التاريخ والزمن.
هكذا كنا معك منذ أسفار السردي وبوح السنابل ندق على أبواب الليل نبحث عن آنية تليق بزهورك التي هي في كينونة ابجديتها شذرات زهورنا متمثلة في كلمات الوطن المغروسة في طينة القلب، والمتخلفة في رحم الحلم.
وهكذا كنت أيهذا المبدع تغمس كفيك في نسغ الغيوم ومنابت الشجر لتصوغ من اشتعالهما بعض حكايا عن أحوال الديار , إنها الحكايا التي تأمرنا في حميمية بوحها، بأن نتسقط أخبار الديار وننصت لصرخة أهلها عبر تموجات الأنين المحتدم في ريح الكادي , وهي الحكايا التي تأخذنا إلى طقوس الوسمية الباحثة عن الزمن المفقود والعلاقة الضائعة بين الإنسان والإنسان والإنسان والأرض.
مع شخوص قصصك ورواياتك، نشعر بهذا الارتداد الجميل إلى الجذور ونتلمس هويتنا بخصوصية سماتها، يماثل ذلك، شعور أقوى، يوقظ في دواخلنا الحس الانتمائي إلى الهوية الإنسانية الكبرى بمداها الأكثر رحابة، وكمن يستعذب الإبحار في عتمة البراري، لا مناص من أن نبحر مع ذاكرتك التراثية التي تفيض علينا بثراء التفاصيل والعتمات وتأخذنا ببعديها الزماني والمكاني لنستشعر من خلالها بعدا آخر يجعلنا نتوحد مع عوالمك بتلقائية شخوصها وبساطة أحلامها.
أيهذا الكاتب المتواصل معنا بحرائق حروفه، دع الصرخة تطلع مع شقوق الروح وصهد الجسد لنقرأ مدادها صرخة تدك الحصون التي لا يعرفها إلا من اشتد الهجير فوق سمائهم, فلتواصل الكتابة بصوتك وقلمك بعناد اعتدناه في بوحك قصة ورواية أو مقالة تداهمنا بمكاشفات السيف والوردة وبتلويحة عمرو وزيد,أية كلمة تكفي للأفق يا رفيق الكلمة، وأية صرخة تتسع لشواظ الفكرة حين يغمرك عشق حتى ويصعد بك الصهيل وجها لوجه مع صالحة ؟
لقد علمني صوتك الإنساني، أن للروح أجنحتها الآمرة بالتحليق خارج قيود الجسد وبعيدا عن حواجز البيئة الفيزيائية المحيطة.
هكذا تطرز بعطاءاتك المستديمة قوافي الألم المنحوتة على صراط الجراح، من تلك القوافي ها نحن نتشكل معك ومع صرختك، نبضا مشغوفا بالبوح، وفكرا مشقيا بالوعي, لكنك تظل في إنسانيتك المتفردة: احتواء أشمل لوعثاء الحياة وعثراتها، واشتعالا يتخطى جفاف الحاضر وعلقمه يدفعه يقين راسخ في مستقبل وضيء مضيء يحتفي بالإنسان وبالكلمة وطنا وشموخا وانعتاقا.
بديعة داود كشغري

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved