Friday 4th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 20 صفر


أسباب وطرق علاج ظاهرة التقليد لشباب الأمة الإسلامية
الانبهار الأعمى بحضارات زائفة

الحمد لله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد:
فان نعم الله سبحانه وتعالى على عباده كثيرة وآلاءه على خلقه وفيرة (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الانسان لظلوم كفار).
واكبر نعمة انعم الله بها علينا نحن امة الاسلام هي هدايته سبحانه وتعالى لنا الى هذا الدين الحنيف وهو دين الاسلام الذي لا يقبل الله دينا سواه قال تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى - في سياق الامتنان -: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
وقد ضمن الله لامة الاسلام - إن تمسكت به - كل اسباب العزة والكرامة والمجد والسؤدد والصلاح والفلاح في امور دينها ودنياها.
ومن اوجب الواجبات على كل مسلم ان يعلم ان عزته وكرامته تكمن في تمسكه بدينه الاسلامي والالتزام بأحكامه والتأدب بآدابه والوقوف عند حدوده وانه مهما ابتغى العزة بغير ذلك فلن يزيده الله الا ذلة وخسارا.
وفي الاثر: (نحن قوم اعزنا الله بالاسلام ومهما ابتغينا العزة في غيره اذلنا الله).
ومن المعلوم ان لدين الاسلام خصائص عديدة لا يشاركه فيها غيره، ومن اهم هذه الخصائص خاصيتا الشمولية والصلاح لكل زمان ومكان حيث جاء هذا الدين شاملا لكل جوانب حياة المسلمين وما يحتاجونه في دينهم ودنياهم وعباداتهم ومعاملاتهم فهو منهج للحياة البشرية بمل مقوماتها، وما من خلق فاضل الا امر به ولا خلق سيىء الا نهى عنه ولهذا كانت من اهم قواعده الكبرى رعاية المصالح ودفع المفاسد.
ومن هنا: فان من الغلط الفاحش بعد كل هذا ان يعرض المسلمون عن تحكيم هذا الدين وان يبتعدوا عن اخلاقه، ويرغبوا عن التمسك بآدابه، ثم ينخدعون بنظم قاصرة وينبهرون بحضارات زائفة ويقبلون على تقليد اعدائهم دون تبصر او نظر.
ومن امثلة ذلك: ما يلاحظ على بعض شبابنا - هدانا الله واياهم- من اغترار بما يرونه من العادات ويسمعونه من الافكار عن طريق وسائل البث الوافد عبر القنوات الفضائية فانساقوا طائعين خلف ذلك الهراء السخيف وظهر اثر ذلك واضحا في تقليدهم لاعدائهم في سلوكهم واخلاقهم ولباسهم وقصات شعورهم وحركات سيرهم مع تكسر وتمايل، وقلة في الحياء وتقصير في الواجبات الىغير ذلك مما لا يخفى على كل ذي لب.
وفي الحقيقة اننا لو بحثنا عن اسباب هذه المظاهر المخزية والعادات السيئة والتصرفات المشينة التي تلاحظ على بعض شبابنا لوجدنا ان اسباب ذلك عديدة ومتنوعة لعل اهمها:
1- البث الاعلامي المباشر الذي تفرغه كثير من القنوات الفضائية في عقول شباب المسلمين والمغلف بشعارات براقة وعناوين خداعة.
2- ما يصاحب ذلك البث الفكري الآثم من صور فاضحة ومشاهد مخزية تحرك الغرائز الكامنة وتقود الى التحلل من الفضائل والانغماس في مستنقعات الرذيلة.
3- عجز وسائل الاعلام الاسلامي عن مواجهة هذا الغزو السافر، بل وصل الامر الى الاستسلام والرضا بالواقع.
4- غياب الدور المهم والفاعل للاسرة وتخليها او عجزها عن القيام بمسؤوليتها في التوجيه والمتابعة وتلمس مشاكل ابنائها والعمل على ايجاد الحلول لها وذلك نتيجة انشغال رب الاسرة بتجارته ومواعيد عمله وجلسات رفقائه وتخلي ربة البيت ومدرسة الاجيال عن واجباتها في رعاية ابنائها وحفظ بيتها وبهذا ينشأ الولد يتيما مع بقاء ابويه على قيد الحياة.
وقد قال الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى ابواه من
هم الحياة وخلَّفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
امَّا تخلت او ابا مشغولا
وفي اثناء هذا الغياب الاسري يبحث الشاب عن اناس آخرين يلتمس عندهم ما فقده داخل بيته واسرته.
5- الرفقة السيئة وكما اشرت في السبب السابق ان الشباب عند غياب اسرته عنه سيبدأ بالبحث عن اناس يخالطهم ويسمع منهم وهنا قد يقع في رفقة سيئة واخلاء فاسدين وغير خاف تأثير الرفقة والمصاحبة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل).
ويقول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
6- الفراغ الكبير الذي يعيشه كثير من الشباب وخصوصا اولئك الذين فشلوا في دراستهم وبالتالي لم يكونوا اهلا للالتحاق بأي عمل يحفظهم ويملأ وقت فراغهم.
ولذا يضطر اولئك الشباب لملء ذلك الفراغ بأي شيء دون تفكير في العواقب او تأمل في النتائج ودون تمييز بين الضار والنافع والحسن والقبيح.
7- جريان المادة في ايدي غالب الشباب الامر الذي يسهل عليهم الانسياق وراء شهواتهم والسعي لتلبية رغباتهم ويستتبع ذلك حب البحث عن الجديد في عالم الموضات سواء ما يتعلق باللباس او قصات الشعور او غير ذلك.
وعن هذين السببين الاخيرين قال الشاعر
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء اي مفسدة
وكم اثبتت الايام انحراف كثير من الشباب الى مهاوي الردى وظلمات الفواحش وغياهب المنكرات بسبب ما يغدقه عليهم اولياء امورهم من العطاء دون مساءلة او محاسبة.
8- غياب القدوة الحسنة في بعض مجتمعات الشباب حيث ينشأ الطفل في اسرة تخلق ربها بأخلاق غير المسلمين ومشى ذلك الطفل على اثر خطى ابيه حتى اذا وصل الى سن المدرسة رأى بعض اساتذته يتزيون بأزياء اعدائهم فظن ذلك الناشىء ان الحق ما رآه من افعال ابيه وأستاذه فذهب محاكيا لهما مقلدا لصنيعهما.
هذه في نظري اهم الاسباب التي ادت الى وقوع بعض شبابنا فريسة للتقليد الاعمى والتهافت على بريق الحضارة الزائفة وسرابها الخادع.
ولذا: أرى انه لابد من ايجاد حلول ناجعة وادوية نافعة تحمي شبابنا من كيد اعدائهم وتسد عنهم ابواب الانحراف والطيش وتأخذ بأيديهم الى حياة كريمة في ظل تعاليم الاسلام.
ومن طرق ذلك العلاج:
1- غرس المبادىء الاسلامية والقيم المحمودة في نفوس شبابنا منذ نعومة اظفارهم والعمل على تقوية الوازع الديني لهم.
2- أن تطلع وسائل الاعلام العربي والمسلم بدورها كما ينبغي وذلك بالتركيز على ابراز محاسن هذا الدين وجوانب تفوقه مع ايراد نماذج للشباب المسلم في صدر الاسلام وما بذلوه من التضحية في سبيل دينهم وسلامة معتقدهم.
3- قيام الاسرة المسلمة بدورها في احتواء ابنائها ووضعهم تحت جناحها الدافىء الذي يصونهم ويحميهم مع التعهد الدائم والمتابعة المستمرة لكل ناشىء فيها حتى ولو كان ممن يؤنس منهم الرشد والصلاح.
4- الاعتناء باختيار الرفيق الصالح وانتقاء الصحبة الذين يكونون عونا لأبنائنا على فعل الخير ودعاة لهم الى الالتزام والبعد عن سفاسف الامور.
5- التوسط في العطاء وذلك بأن نعطي ابناءنا ما تدعو اليه الحاجة دون تبذير او تقتير عملا بقوله تعالى في صفات عباده المؤمنين: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
6- ان يقوم المجتمع بدوره المهم في رعاية ابنائه وتوجيههم ومتابعتهم وهذا الدور مهم جدا ذلك لاننا نذكر انه فيما مضى كان كل واحد في الحي يعتبر وليا لأمر كل شاب فيه ينهاه عن المنكر ويأمره بالخير ويزجره ان خالف، بل ويضربه في بعض الاحيان وكان كل اب يحمد لصديقه وجاره مراقبته لولده ومن هنا: كان ابناء الحي يعتبرون كل كبير من رجال الحي ابا لهم ووليا لامرهم يخشونه ويخافون عقابه كما يخافون من آبائهم فكان لذلك اثره الطيب في سلامة الشباب وحمايتهم وصونهم على الوقوع في حبائل الاعداء ونزوات السفهاء.
اللهم فاحفظ شبابنا من كل سوء وردهم اليك ردا جميلا وخذ بأيديهم الى كل خير واعصمهم من كل شر وفتنة واجعلهم هداة مهتدين صالحين مصلحين غير ضالين ولا مضلين يارب العالمين,,وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
* رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة الباحة
د, إبراهيم بن يحيى عطيف*

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved