Friday 4th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 20 صفر


بنادر
مأساة الحلم الأمريكي
علي الشرقاوي

أمريكا،
هذا الخليط الهلامي الغريب،
قوميات من جميع القارات لم تحصل على إمكانية التعارف من قبل.
أعراق من جهات الدنيا تعاشر أجناسا ما مرت في خيال رواة السير ومدوني التاريخ.
لغات بعضها يأخذ في رقاب ولحوم وعظام البعض الآخر بالضبط كحالة صراع الديكة.
ديانات ومعتقدات ومذاهب وطوائف لا منطق يجمعها سوى وجودها في القارة الكبيرة التي تدعى امريكا.
وما كان باستطاعة هذا الخليط أن يتمازج ويتزاوج ويشكل دولة من أقوى دول العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية لو لم يكن هناك حلم تتشارك فيه كل التناقضات هو ما أطلق عليه الحلم الأمريكي .
الحلم الأمريكي يعني ان الثروة في الأرض والأرض متاحة للجميع وما على الباحثين عن الذهب غير العمل اليومي الجاد في أعماق المناجم أو على خاصرة الأنهار فأنت مادمت موجودا في حدود ارض الذهب المتمددة على سرير المحيطات المربوطة بفضاء سلسلة المناخات المختلفة تستطيع أن تفعل ماتشاء وأن تملك ماتشاء في أي مكان تشاء.
لكن امريكا
هذه التي استطاعت بعد تخلصها من الاستعمار البريطاني والفرنسي ان تصنع لنفسها تاريخها الخاص بها ودستورها الخاص وايدلوجيتها الخاصة كفت عن مواصلة الحلم في السنوات الأخيرة بل إن ماكان حلما جميلا في يوم من الأيام تحول إلى كابوس مرعب أو إلى أحد مسلسلات أفلام الرعب والجريمة التي تنتجها هوليود وليدة البيئة الرأسمالية المنفتحة على الربح الذي يناسل الربح.
العنف الذي نراه بشكل يومي في اغلب المدن الأمريكية، ليس في الأفلام إنما في الواقع، لم يأت من فراغ بقدر ماهو ناتج طبيعي لنهاية أيدلوجية الحلم الأمريكي التي كرست الروح الفردية الميكيافيلية المعتمدة على شعار الغاية تبرر الوسيلة ولو كانت هذه الوسيلة سحق اقرب المقربين اليك.
أيدلوجية الحلم الأمريكي
لم تعد مثلما كانت عليه في العقود الماضية من تماسك وقوة وثقل.
الفرد الأمريكي ذو الأصل الاوروبي الذي كان مدللا على حساب الأعراق الاخرى من هنود حمر أو زنوج اغلقت في وجهه الأبواب.
المؤسسات الأمريكية جاوزت حالة التشبع ودخلت إلى مرحلة التخمة.
المجتمع وصل إلى أعلى درجات الانحلال الخلقي.
الروابط العائلية التي كانت ترمز إلى قمة العلاقات الإنسانية الدافئة تفسخت.
لم تعد فرص العمل متاحة للجميع.
لم يعد هناك مجال للتميز والتفرد والنجاح كما كانت عليه في السابق وليس هناك طرق غير المخدرات التي تبعدهم لحظات عن التفكير في واقعهم التعيس وغير الانتحار هروبا من الحلم الميت أو الاستماتة في إقصاء الآخر بكل الوسائل بداية بالتصفيات الفردية وانتهاء بالإبادة الجماعية.
هل هناك من يعيد الحلم إلى مكانه الطبيعي؟
رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
عزيزتي
الرياضية
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved