Saturday 5th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,السبت 21 صفر


الدراسات الاقتصادية
الحاضر الغائب في مشاريعنا الاستثمارية

عزيزتي الجزيرة:
أذكر زمنا كان المستثمرون فيه في حيرة شديدة حول قنوات وسبل استثمار أموالهم, كان ذلك زمن الطفرة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات الميلادية, ومن طرائف ذلك الزمن المأساوية ان الاستثمار كان موضة تبدأ بنجاح فكرة أو مشروع وتنتهي بفشل الجميع, فعندما كانت علب البيبسي وقوارير المياه المعدنية ظاهرة جديدة ومرغوبة وفق في ترويجها بعض الرواد الذي استوردوها قبل بدء تصنيعها في المملكة من الدول المجاورة وخصوصا لبنان، تسابق في استيرادها كل من فتح مؤسسة تجارية بمجرد فتح حساب بنكي بقيمة أرض باعها أو بيت عوضته البلدية عن دخوله في شارع جديد, وبعد ان نجحت فكرة البروست في جدة في محل واحد، انتشرت محلات البروست في كل شارع حتى زادت على عدد الزبائن, ولما بدا ان محطات البنزين مربحة لمن بدأ بتطويرها شكلا وخدمات وفتحها في مواقع مميزة، رأينا محطات لا يبعد بعضها عن بعض أكثر من مئات الأمتار, واستمرت مسألة الموضات الاستثمارية حتى بعد ان ثبتت اضرارها على الجميع الى ما بعد مرحلة الطفرة، لتمتد لمحلات تأجير أفلام الفيديو وللصيدليات والمستوصفات والمستشفيات والمدارس الخاصة ومكاتب الليموزين والأسواق المركزية وبيوت الأفراح ومحلات الأكل السريع ومشاغل الخياطة والشقق المفروشة.
والقاسم المشترك في كل هذه المشاريع هو الغياب العجيب لمبدأ دراسة الجدوى الاقتصادية, فالمستثمر يلحظ نجاح مشروع ما وربحيته، ويكتفي بذلك عن دراسة جادة لأسباب النجاح وظروفه المتصلة بالموقع أو الخدمة المميزة، وعن عوامل أخرى كمحدودية السوق أو كون النجاح قائما على مزاجية المستهلك المتغيرة والقصيرة العمر.
وبدون الرجوع الى مكاتب استشارية متخصصة، أو البحث في المعلومات التي قد تتوفر في البلديات والغرف التجارية عن ظروف السوق واتجاهاته، وبدون استشارة أهل الاختصاص في المجال المستهدف والاستعانة بالمتخصصين في ادارة وترويج هذه المشاريع، يضع صاحبنا رأس مال قد يصل الى الملايين لبناء هذا السوق أو اقامة ذلك المستشفى أو فتح ذاك المطعم أو المشغل ثم يستقدم لتشغيله من تدّعي جوازاتهم أو مكاتب الاستقدام خبرتهم في هذا المجال، ويضع قدما على قدم بانتظار الغلّة التي ربح مثلها من يقلدهم، ويصدم عندما يطول الانتظار أو يفشل المشروع كلية ويتهم في الفشل الحظ والنصيب والسوق النائم .
لقد مرّ زمن في تاريخنا كان الناس يعرفون فيه بتخصصاتهم, فهذا تاجر وذاك مزارع وثالث من أسرة صناعة أو نجارة أو علم, ثم جاءت الطفرة واختلط الحابل بالنابل، وظن الكثير منا ان رأس المال هو العنصر الأهم للاستثمار في أي مجال، فالخبرة تشترى والادارة تستأجر وكل ما على صاحب المال ان يدفع عند التأسيس ويستلم الأرباح بعده, ورغم الدروس القاسية التي مرت علينا، إلا ان المنطق لايزال قائما، والأخطاء تتكرر كل يوم, ففي جدة مثلا، كانت الموضة الاستثمارية قبل سنوات هي اقامة مشاريع الشقق المفروشة, وفي البداية كانت الأرباح كبيرة والخبرة المطلوبة محدودة، فتحول كثير من العمائر ما بين ليلة وضحاها من مراكز سكنية الى تقديم هذه الخدمة الجديدة المربحة لزوار العروس في مواسم الربيع والاصطياف, وتكاثرت هذه المشاريع الى ان تحولت اليوم الى عبء ثقيل يقصم ظهور مستثمريها الذين تنافسوا في خصم الأسعار بعد ان غالوا في رفعها الى درجة ان السبب الوحيد الذي يمنع البعض من اقفال عمائرهم هو الخسارة المترتبة على تكاليف الصيانة والايجار وفوائد البنوك.
ورغم المسؤولية التي يتحملها المستثمرون في الدخول في مشاريع لا يفقهون في أبجديات صناعتها شيئا إلا ان هناك مسؤولية لا يجب اغفالها على الأجهزة المختصة في توفير المعلومات التي يمكن ان يبني عليها المستثمرون ومستشاروهم دراساتهم للجدوى الاقتصادية, فأين مراكز المعلومات في البلديات وأمانات المدن التي توفر الاحصائيات والمعلومات العامة للراغبين، وأين هذه المراكز الهامة في الوزارات والدوائر العامة؟ وأين الدراسات الميدانية للجامعات بعيدا عن مجرد التحقيق في الكتب القديمة والدراسات الأكاديمية التي لا تخدم النظرية ولا الواقع؟ وما هو دور مراكز البحوث والدراسات في الغرف التجارية والصناعية، إن لم يكن القيام بمثل هذه الدراسات على الأسواق والمستهلكين والخدمات القائمة والمفقودة؟ أليس من حق المستثمر ان يجد في أي جهة من هذه الجهات حسب اختصاصها وبسهولة وتكلفة رمزية كل المعلومات التي يحتاجها كمعرفة عدد المنافسين وسعة السوق والنظم التي تحكمه واحصائيات الاستهلاك مقابل المعروض لتحديد الفرص المتاحة له من عدمها في أي مشروع يرغب في تنفيذه؟ إن الشكوى من غياب مثل هذه المعلومات الحيوية تقع على رأس قائمة الأسباب التي تحول بين رأس المال الأجنبي والاستثمار في بلادنا كما تشير كثير من اللقاءات المنشورة وحصيلة اتصالاتي من خلال الانترنت ببعض هؤلاء المستثمرين.
ان المطلوب اليوم هو العمل على تحقيق أربعة عناصر هامة لنجاح الاستثمار في بلادنا:
1- توفير المعلومات الحيوية الاحصائية والسوقية وتسهيل الحصول عليها فورا من خلال الانترنت مثلا.
2- تشجيع، أو حتى فرض القيام بالدراسات الميدانية للسوق وتياراته ومؤثراته على مراكز البحوث والدراسات في الدوائر العامة والخاصة والمؤسسات العلمية.
3- تشجيع قيام مراكز الدراسات الاقتصادية المتخصصة التي توفر للمستثمرين بأجور معقولة خدمات الاستشارات ودراسات الجدوى الاقتصادية.
4- الزام المستثمرين بتقديم هذه الدراسات قبل الحصول على رخص التنفيذ من أجهزة الاختصاص، كما يحدث حاليا بالنسبة للمشاريع الصناعية, وحتى تتحقق هذه العناصر الرئيسية ستبقى عملية الاستثمار في بلادنا مخاطرة حقيقية حتى لو كتب لها النجاح فإن التقليد الأعمى الذي يلحق بها يمكن ان يؤدي الى فشلها في النهاية.
خالد محمد باطرفي
طالب دكتوراه في الصحافة
أوريقن - الولايات المتحدة

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
ملحق الدعوة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
ملحق المفروشات
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved