Friday 11th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 27 صفر


دولنة الاقتصاد

ان المعلومات والمعرفة لا تعترفان بحدود سياسية سيادية للدولة، فالسمة الاساسية للاقتصاد الدولي المعاصر هي دولنة الاقتصاد Internat ionalization of Economies اي انه اصبح من الصعب ترسيم حدود الاقتصاد الوطني فهناك تشابك هائل بين الاقتصادات، خاصة ومعظم السلع المركبة تنتج مجزأة في مناطق شتى,, ويتوازى مع هذه ما اطلق عليه عولمة الاسواق Globalization of MarKtes التي اصبحت متشابكة الى حد كبير.
لقد كان آدم سميث يؤمن بان العادات التي انشأتها الرأسمالية سوف تنتشر الى بقاع الارض بسبب تفوقها في ايجاد ثروة الامم.
وكان كارل ماركس يؤمن بان الرأسمالية سوف توحد العالم في سوق واحد كبير بعد ان تدك السلع المتداولة في التجارة الدولية.
وقد تبعهما في هذا الايمان واليقين مئات بل آلاف من اساتذة الاقتصاد وانصار وتلاميذ الفكر السياسي والاجتماعي طوال القرن التاسع عشر والنصف الاول من القرن العشرين.
وصار هؤلاء يمثلون تيارا عريضا في فكر العلوم الاجتماعية والسياسية وذلك بغض النظر عن موقفهم من الرأسمالية.
فقد صارت فكرة ان الرأسمالية قادرة على التوحيد الاقتصادي للعالم كله ليست مجرد نظرة علمية وانما اصبحت نوعا من الاعتقاد التنبئي بما يجعلها لدى الكثيرين في صف واحد مع اليقين.
بيد انه حتى انصار مدرسة سوق واحد حتمي في كوكب الارض بتأثير وضغط الرأسمالية لم يدر بخيالهم المدى المذهل الذي تتحقق به تنبؤاتهم ونحن في اوائل القرن الواحد والعشرين فالسلعة صار لها قوة عجيبة وقدرة فريدة على النفاذ عبر الحدود واختراق الاسوار، والانتشار حتى في الثقوب الصغيرة.
ومن الناحية العلمية لا نستطيع ان نتحدث عن كوكب اقتصادي ارضي واحد - بَعدُ -، فلايزال هناك تعدد في النظم الاقتصادية، حتى بعد انهيار الاشتراكية كنظام منافس ومناقض للرأسمالية.
فهناك تكتلات تتصارع حول الامتيازات داخل وخارج نطاقاتها السياسية والاقتصادية بوسائل لا يرضى عنها اساتذة الاقتصاد الرأسمالي.
وهناك حدود كثيرة بين الامم والاقاليم والثقافات تجزىء الاقتصاد العالمي وتشوش كثيرا صورة توحّده.
فعلى المستوى الاقتصادي هناك عولمة او كوكبة للسلع، ولكن هناك عملية موازية لاعادة انتاج الفقر والثروة وهو ما يترتب عليه تضاعف الحرمان في مناطق كثيرة من العالم.
وعلى المستوى الاتصالي ادت ثورة التقنية المعاصرة الى جعل العالم قرية اتصالية صغيرة.
وعلى المستوى السياسي يتحدث بعض السياسيين عن نظام عالمي جديد.
في ظل هذا كله، لا يمكن ان تكون الكوكبة الاقتصادية عملية ايجابية بل هي بتأثير الرأسمالية عملية حافلة بالتوترات والتناقضات.
من هذا المنطلق يمكننا ان نرى عملية توسع مجال الحركة للموارد الاقتصادية المادية والتي تؤدي الى تنميط متزايد لشروط المبادلات الدولية اي حركة السلع، التجارة السلعية وحركة التقنية وحركة رأس المال اي تجارة الائتمان الدولي.
يقول د, محيي مسعد في كتابه (ظاهرة العولمة),, لقد خلط الاقتصاديون بين الوطنية الاقتصادية وفكرة إفول النزعات الوطنية مما ادى بهم الى التنبؤ بنهاية عصر المدرسة الوطنية عموما، وفي مجال الاقتصاد وبصفة خاصة, وبدت لهم الكوكبة الاقتصادية نقيضا للوطنية الاقتصادية على كافة المستويات وبالنسبة لكل الامم والحضارات.
والواقع ان نبوءة اضمحلال الوطنية قد ظهرت منذ بداية الخمسينات ومع ذلك فالظاهرة الواضحة على نحو متزايد هي التأكيد المضاعف على الوطنية وعلى سلطة الدولة الوطنية وسيادتها.
لقد ارتبطت الوطنية الاقتصادية في الماضي باستخدام الادوات الادارية والسياسية لتحقيق المصالح الاقتصادية الوطنية واهم هذه الادوات هي سياسة الحماية التجارية وضمان السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية والاجراءات التقليدية الخاص، بالاستثمارات الاجنبية ونقل التقنية.
انه من غير الممكن توظيف هذه الادوات والاجراءات التي مثلت الشكل الاساسي للوطنية الاقتصادية في عقدي الستينات والسبعينات الا اذا رغبت الدولة في عزل نفسها عن الاقتصاد العالمي وهو امر ثبت انه يضر اكثر مما ينفع.
ان الوطنية الاقتصادية يمكن ان تضمحل في الظروف الجديدة للنظام العالمي وخصوصا جانبه الاقتصادي، الا اذا استطاعت الامم والدول الوطنية ان توجد اشكالا جديدة لتعظيم مصالحها الاقتصادية, وهذا هو التحدي الذي يواجه العالم الثالث عموما، والوطن العربي خاصة.
فجوهر الوطنية الاقتصادية يمكن ان يستمر حتى في الطور الجديد لتطور الاقتصاد الكوكبي المعولم.
ولكن: كيف تنجح الامم وخصوصا عالمنا العربي والاسلامي في تحسين مواقعها التوزيعية في اطار عملية العولمة الاقتصادية؟!
ان جوهر المنافسة التوزيعية هو التسابق حول الحصول على فرص افضل للنمو الاقتصادي، والقلب المحرك لفرص النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني هو البشر من ناحية والتقنية من ناحية اخرى.
ومن ثم فينبغي وضع استراتيجيات نمو وتطور جدية في العالم العربي ترتكز اساسا على مفهوم التنمية البشرية فالفوارق بين تنافسية وانتاجية الامم ومعدلات تطورها تتفق مع الفوارق في المستويات المتحققة للتعليم والصحة وتدريب وتنظيم القوى العاملة.
إن الوطن العربي يحتاج بصورة حاسمة من اجل تأمين مستقبله الاقتصادي والسياسي الى التركيز على التنمية البشرية.
حيث صارت معظم الدول العربية وخصوصا الاقل غنى من بين اقل دول العالم انجازا في مؤشرات التعليم والصحة والحقوق الانسانية للسكان كما ظهر بوضوح من خلال تقارير التنمية البشرية الدولية السنوية.
ختاما اقول: ان من اللازم في الدول العربية ان تتم عملية كبيرة لاعادة صياغة دور الدولة بحيث تركز على التنمية البشرية.
وقد آن أوان ذلك,,!!
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved