Friday 11th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 27 صفر


ورود على ضفاف الجرح

عندما أغرس الورد على طريق الحياة فذلك حتى انشغل برؤيته عن وخز الاشواك بالرغم من اختفائها خلف خضرة الاوراق الندية,.
وعندما اغرس الورد في حديقة المحبة فذلك يعني ان ازرع الحب والصفاء وأنثر أزهار السلام حتى يتم الوئام ويسود الخير,.
ولكن إذا زرعت ورودا على ضفاف جرحي فهذا يعني ان ألغي احساسي بالالم وأوهم نفسي ان الجروح تنبت وردا وأزهارا,, ولكن لا بأس إذا استوحيت منها عبير الامل بعد الالم فهي إذاً,, ألم وأمل,.
تعود صبري ان اهديه باقات الورد في كل مناسبة تزيد من رصيد الجحود والنكران,.
أحكي له ويواسيني,, حينما تصير الورود اشواكا بلا اريج,, عندما ينظر الى الام,, وكأنها شجرة فُل انتهى نداها بعد غزو الجفاف لافنان ازهارها فتوضع في اسر زهرية كتحفة مات في داخلها الاحساس لأنها في نظر الجحود غير قادرة على العطاء,, تنهدت بلوعة بعد ان دارت هذه الخواطر في ذهنها وهي تجلس وحيدة برفقة شريط الذكريات العبقة,.
كم كانت تعطي بعدد دقات قلبها ودون ان تنتظر المقابل,.
كم كانت تحوي في حضنها الصغير من الدفء والامان مالا يعادله اي مكان في هذا العالم الغريب,.
كم زرعت من الورد أصنافا وغطت الاشواك بكفيها حتى لا تنزعج برؤيتها الاعين,, رسمت على شفاه الجرح بسمة السماح وزينت ضفافها برياحين التفاؤل,, تلك الام كانت لصغيرها وطنا ثم مدرسة ثم واحة للحنان تحوي بداخلها نهرا صغيرا يتدفق حبا أريحيا لا يعرف طريقا لانانية الذات,.
ولما بدأ هذا النهر يتدنى في خفقانه وقوة جريانه,, وظهرت بعض الوريقات الصفراء في تلك الواحة كمؤشر على ان لكل طاقة حدا ولكل قوة ضعفا وشيبا,, لم يكن من تلك الطيور والعصافير إلا ان غادرت بكل هدوء تلك الواحة الحزينة وكأنها نسيت تماما من كان يظللها بالامس,.
فلعلها تسلي نفسها قائلة: تمنيت عمرا يستدان أو سنوات تشترى,, فكم يا ترى يكفيني لاغزل ايامهم بخيوط السعادة الموشاة,.
صعب ان امسك بيدي ولو لحظة من جزيئات الزمن,, ولكن اوهم نفسي بذلك عندما استعرض شريط الذكريات دون ان اجتر المرارة بل اتنهد عبيرا يملأ صدري فخرا بالماضي المشرف ودون شعور ولو بسيط بالندم,.
أخشى ان يملني صبري,, او يستلسم صمودي,.
آه: صبري وعمري,, يا لهما من رفيقين كم كانا رهينين للتضحية في زمن العطاء.
وبعد ان سئم الابناء من ضعفي فهل تملني ايام عمري عندما يفتقد الوفاء,, هل وصل بنا الحال ان نشحذ الحب ونستجدي العطف,.
والغريب المؤلم في هذه الدار ان احرم رؤيتهم بعد هذا كله؟!.
يا له من عجيب قلب الام ذلك الصغير في حجمه والكبير في عطائه اللامتناهي, فلو جف كل نبع لما نضب نبعها,, ان بذله مستمر حتى ما بعد الممات,.
تماما كالاشجار تموت وهي واقفة بكل شموخ,, هذا لمن يعي جيدا الفرق بين من يموت وهو حي,, او من يحيا وهو ميت,, وفي أثناء ذلك دق الجرس ليوقظها من سبات الذكريات معلنا عن دخول وقت النوم,, استرخت على فراش الحزن وعطاء الانتظار,.
في مساء تلك الليلة اضافت الى رصيد ايامها يوما آخر دون جديد يحمل اليها خبراً يحوي صوتا او صورة لابنائها او حتى حروفا على ورق لا تكلف اي نوع لاي جهد,, ويبقى في ذلك دور الزمان ليلعب لعبته على مسرح الحياة ليرد بكل سخرية الدين لمن ادان ونسي,.
فالزمان سجل لا تخطىء حساباته,, ولا تنسى مواعيده,, حينها لن تستطيع الدموع ان تقنع الضمير كي يصفح ويسامح هذا وفي الآخرة أشد وأبقى,.
دلال عبدالله الدايل
الرياض

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved