Friday 11th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الجمعة 27 صفر


الدعوة والدعاة
د, علي بن مرشد المرشد *

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه وسار على نهجه واتبع هداه الى يوم الدين, أما بعد:
فإنه من فضل الله - عز وجل - على هذه البلاد انها توحدت واجتمعت بعد الفرقة على يد الامام المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل - يرحمه الله - تحت راية التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وجعلت دستورها كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن ابرز اهدافها حمل راية الدعوة الى الله - عز وجل- بين ابنائها في المملكة وفي دول العالم الاسلامي وغيره ايضا، وتبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم.
وهي بذلك تحيي سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم، فقد امره الله بالدعوة اليه بقوله - سبحانه وتعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً* وداعيا الى الله بإذنه وسراجا منيراً).
وأكد القرآن الكريم ذلك في اكثر من موضع، فقال - عز وجل - مخاطباً رسوله الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - :(وادع الى ربك انك لعلى هدىً مستقيم)، وقال ايضا: (وادع الى ربك ولا تكونن من المشركين).
بل جعل الله - عز وجل - الدعوة وظيفة الانبياء والرسل - عليهم السلام - وجعلها واجبة عليهم، فقال سبحانه وتعالى: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) فرسل الله -عليهم السلام - هم الدعاة الى عبادة الله - عز وجل - وتوحيده وهداية الناس الى الحق والطريق المستقيم.
وكذلك خاطب الله - سبحانه وتعالى - نبيه محمداً- صلى الله عليه وسلم - ان يقوم بأمر الدعوة هو واتباعه من المسلمين فقال: (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).
والمسلم مطلوب منه ان يدعو الى الله - عز وجل - بالحكمة والموعظة الحسنة، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: (يقول الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم- ان يخبر الناس ان هذه سبيله، اي طريقته ومسلكه وسنته، وهي الدعوة الى شهادة ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، يدعو الى الله بها على بصيرة من ذلك ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو الى ما دعا اليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بصيرة ويقين وبرهان عقلي وشرعي)، والدعوة الى الله واجبة على كل مسلم لقوله سبحانه وتعالى: (قل هذه سبيلي أدعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني)ولقوله: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ، اي لتكن هذه الامة امة تدعو الى الخير,,، ولقوله - عز وجل -: (كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
ولقوله عز وجل: (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً).
ومادام المسلم شهيداً على غيره، فهو داعية لهذا الدين الذي تبلغه عن طريق نبيه - صلى الله عليه وسلم-.
وان قيام المسلم بالدعوة الى الله - عز وجل- يؤدي اعظم نفع وعون لعباد الله، لأنه يبصرهم بدين الله، ويدلهم على صراط الله المستقيم، فيؤدون حق ربهم عليهم، ويحققون الغاية التي من اجلها خلقهم الله سبحانه: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون).
وقيام المسلم بالدعوة الى الله، فيه خير كثير، فهي سبيله الىاقامة العدل والتعاون، وإزالة الظلم، والحقد، والبغضاء، والشحناء بين الناس.
ولذا فإن اجتماع المؤمنين وتعاونهم على الخير فيه نفع كبير لهم، يقول الله سبحانه وتعالى -: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان).
والمسلم الذي يدعو الى الله، ويدل الناس على الخير، لا بد له من ان يتصف بالعديد من الصفات التي تمكنه من النجاح في الدعوة والتأثير في الناس، ومن هذه الصفات: الحكمة، والعلم، والإيمان، والصدق، والتقوى، والصبر، وان يكون قدوة للناس فيما يدعوهم إليه، وان يعرف كيف يدعو الناس بحسب ظروفهم واحوالهم وطبائعهم، واختيار ما يناسبهم، وألا يبتغي في دعوته إلا وجه الله - عز وجل - متأسيا في ذلك برسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة).
ويبين الله - عز وجل- لنا سبيل الدعوة ومشاقها، وضرورة الصبر على الابتلاء والأذى في سبيل ذلك: (لتبلون في اموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الامور).
ويبين كذلك ان الناس لن يتركوا المسلمين يدعون الى الله بلا عناء، فيقول سبحانه: (ألم*أحَسِبَ الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين) .
ومع هذه الفتن والمعاناة، فإن الله عز وجل امر رسوله - صلى الله عليه وسلم- والمسلمين ان يلتزموا طريق الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن)، وقال لموسى واخيه هارون: (اذهبا الى فرعون انه طغى* فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى)، لأن هذا الطريق هو الانجع والانجح في اختراق القلوب المقفلة والنفوس الصعبة.
والمسلم مكلف بأن يدعو الاقرب فالاقرب، يدعو اسرته وابناءه واقاربه وعشيرته، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وأنذر عشيرتك الاقربين) لأن في دعوتهم انقاذا لهم من النار: (يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة).
ان الدعوة الى الله - عز وجل- من الامور المهمة في المجتمع الاسلامي، وهي من الواجبات التي يكلف بها المسلمون ليكونوا صادقي الايمان، يتقون الله ويخافونه، واننا في هذه البلاد، بفضل من الله - عز وجل- نرى ان ولاة الامر- وفقهم الله- منذ تأسيس المملكة على يد موحدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل- يرحمه الله- يقومون بواجب الدعوة الى الله داخل البلاد وخارجها.
ففي بلادنا العزيزة نجد الهيئات المختصة التي تقوم بواجب الدعوة، كهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعلماء، وأئمة المساجد والخطباء، ووسائل الإعلام المختلفة من خلال البرامج التي تعد خصيصا لذلك، والندوات، والمحاضرات، والنشرات، والكتب التي تطبع وتوزع لهذه الغاية النبيلة، وفي خارج البلاد تنهض المملكة بعبء كبير لحمل الدعوة الى اقاصي الدنيا، فترسل الدعاة، وتشيد المساجد، والمراكز الدعوية، والمعاهد والمدارس، وتمدها بما تحتاجه من العلماء، والدعاة، والمعلمين، والنفقات، والمصاحف، لكي تبلغهم دعوة الاسلام.
وهذا خير كثير - ان شاء الله- يعم نفعه هذه البلاد وغيرها، وثوابه العظيم لولاة الامر الذين يوجهون ويرعون الدعوة ويبادرون بإيصال الخير الى الآخرين، ويعملون على مناصرة المسلمين وتوعيتهم، ودفع الشرور والاذى والسوء عنهم.
فجزى الله خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، وسمو ولى عهده الامين، وسمو النائب الثاني، وحكومتهم الرشيدة خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم، ونفع الله بالجهود التي يبذلونها في سبيل الدعوة الى الله عز وجل.
وجزى الله جميع العاملين في ميدان الدعوة، والقائمين عليها في الداخل والخارج، خير الجزاء، ووفقهم لمرضاته، وجعل عملهم خالصاً لوجهه الكريم.
وهذه البلاد - ولله الحمد- قد حملت اعباء الدعوة منذ تأسيسها، وجعلت ذلك ضمن اهدافها كما جاء في نظام الحكم في المادة الثالثة والعشرين، التي تنص على مايلي: (تحمي الدولة عقيدة الاسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة الى الله).
وان الاعمال الدعوية الكثيرة التي نراها في كل يوم في الكثير من اقطار الدنيا، تنطلق من المملكة العربية السعودية، تعد ترجمة لما ورد في هذه المادة، وهي تعكس الدور المشرف الذي تقوم به وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والارشاد، وما تنفذه من برامج وخطط خيرة داخل البلاد وخارجها، فجزى الله القائمين عليها - وعلى رأسهم فضيلة معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، واخوانه العاملين معه في هذه الوزارة -، جزاهم الله على ذلك خير الجزاء، وجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
وفي الختام، أدعو الله - عز وجل- ان يحفظ هذه البلاد من كل سوء وان يوفق اهلها الى كل خير، وان يديم امنها واستقرارها ورخاءها بقيادة خادم الحرمين الشرفين الملك فهد بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الامين، وسمو النائب الثاني والحكومة الرشيدة، والحمد لله رب العالمين.
* الرئيس العام لتعليم البنات

رجوعأعلى الصفحة
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الثقافية
المتابعة
أفاق اسلامية
لقاء
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
شرفات
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved