* حوار : رضوان حسن بكري
* الفنان التشكيلي عادل يوسف دياب,, لم تكن لغته التي يستعملها عبر لوحاته سوى اللغة التي تستعصي على الآخرين، والتي بدأ بها حياته الفنية ويواصل الوفاء لها,, ولكنها ظلت متباعدة عن الخيال ومبتدعة,, لغة تقتنص الواقع وتحاول اختزال انفاسه,.
للوحاته مغزى اكثر نضجاً,, من خلالها تستطيع ان نستشف الحدود التي يفكر بها وفيها هذا الفنان,, حيث هي لا تحفل بالصنعة والإبهارسعياً لتحقيق الهدف الاسمى في تجسيد القضايا التي تؤرقه ,,,
انه دائما الطائر الذي يحلق في الاجواء,.
وانها الخطوط التي تتحدث وتسافر وتتحرك,, وكأنها تجوب بك الكون,, فتعطيك الاحساس بان كل شيء على وشك الانتهاء,.
اللوحات التي تراها للفنان عادل يوسف تجسد ثقافتنا الحاضرة وتراثنا الموغل في دروب التاريخ,.
اللوحة كتاب ثري,,ممتلىء بالتفاصيل التي تحفظها الذاكرة,, فكل ما تبصره العين استطاع بريشته ان يوظفه ضمن الاطار العام للعمل الفني,,
والفنان عادل دياب حاصل على بكالوريوس الفنون الجميلة - قسم التصوير.
ودبلوم في الجرافيك ,وعضو نقابة الفنانين التشكيليين بمصر ، وشارك في العديد من المعارض ، ايضا شارك في تصميم العديد من الشعارات والملصقات الإعلانية بالمملكة ومصر ، وحاصل على عدد من الجوائز المالية والعينية وشهادات التقدير , وله مقتنيات فنية لدى جهات حكومية وشخصيات عامة.
هذا ما تقوله لوحاته,, فماذا يحدثنا هو:
نماذج مشوهة
** من الملاحظ رؤية اشياء شتى بين جنبات لوحاتك فنحن نرى اطرافاً انسانية متناثرة كما لو انها تشكل اطارا عاما لمأساة دامية مجسدة امامنا مملوءة بالمشاكل التى لا تجد حلا ,,,؟.
- الاطراف ,,
- وأعمدة الهواتف
- وشواهد القبور ,,,
ماهي الصلة بين هذه المتفرقات والتي تصر على وجودها ,,,؟
- هى بالفعل مأساة وتحتاج إلى حل ,,, والفن أياً كان نوعه لايقدم حلولا ، لكنني من خلال اعمالي اعبر عن رأيي ، بالطريقة التي اجيدها وذلك من خلال ادواتي,, الخط,, اللون,, التكوين ,.
وأيضا من خلال رموزي التي استخدمها ,,, فمن خلال أعمالي أركز الضوء على القضايا التي تشغلني في عالمنا العربي، أو العالم الثالث، والتي من اهمها التخبط والتشتت الفكري الذى اطلق عليه مرحلة التيه والذي يتجلى بشكل واضح في جيل الشباب، حيث نراهم في عالمنا العربي بلا هدف يسعون للوصول إليه، وبلا قضية تشغلهم، وبلا هوية فكرية مترسخة داخلهم,,, ومرجع ذلك إلى سببين:
- تعلقنا والنظر بدهشة للغرب,,, فنونه,,, تقليعاته,,, صرعاته,,, وايضا اختراعاته,,, ولهثنا الدائم وراء مايقدمه لنا ومايجربه فينا، والذي أرمز اليه في اعمالي بتلك الوجوه الممسوخة التي تتعلق بأسلاك التليفون المتقطعة والملتوية كالحية,,.
- الأمر الثاني : بعدنا عن أصولنا وتاريخنا الزاخر بعلومه وفنونه ,, فقد نسيناه وقمنا بدفنه تحت اقدامنا وهو ما أرمز اليه بشواهد القبور,, وترمز إلى تراثنا وتاريخنا الماضي بعلومه وفنونه وابداعاته.
وتظل الاطراف المتناثرة في معظم اعمالي وهي بالنسبة لي من أهم مفرداتي ، حيث لها دلالة تعبيرية عالية جداً ولها فلسفة خاصة في رؤيتي التشكيلية ، فتلك اليد تشير باستغراب لما يحدث حولنا والأخرى في حالة تساؤل وغيرها في حالة استغاثة أودهشة أواستسلام .
- العنصر البشري المتمثل في الموديل,, من خلال فتاة بدون ملامح او اطراف فقط وجه ممسوخ وهي ترمز للعالم الثالث والاطراف المتناثرة تدل على طلب الاستعانة وواقع الاستسلام والاستغراب، والتساؤل,,؟
ايضا تجد في اعمالي الحيوان وخاصة الكلب فهو يتساوى في عدم النطق,, والتخاطب مع الانسان التائه المغلوب على أمره,.
مشاكل نفسية!
**إذن أين تكمن القوة والرصانة في الفن التشكيلي ,,, ؟
وكيف يعبر هذا الفن عن الموهبة؟
- العمل التشكيلي الناجح هو تعبير تلقائي ذاتي قد يكون عفويا ولكنه متميز منظم ويكون نتاجا لموهبة خاصة، ولابد لتلك الموهبة ان تقترن بخلفية ثقافية متنوعة مشحونة بالاشارات البيئية، وحافلة بالعناصر الرمزية، والمقصود هنا بالعناصر الرمزية ليست تلك العناصر التي يستخدمها الرسامون الرمزيون لكنها تلك المفردات التشكيلية والرموز التي ينتجها الفنان بشكل تلقائي وتكون نابعة من عقله الباطن كتلك الاشياء التي نراها في احلامنا، وحيث تكون كدلالات تعبيرية في الحياة الواقعية سواء كانت مشاكل نفسية او اجتماعية,, وحيث ان هذه الرموز من صنع العقل الباطن فيصعب على العقل الواعي إدراكها وفهم معانيها ولكننا نستطيع ان نشعر بوقع تلك الرموز المتمثلة في الالوان والخطوط على عقولنا الباطنة مباشرة عند الوقوف امام عمل تشكيلي ناجح ,,, ويتمثل هذا التأثير بأن العمل يحقق هدفه في اثارة او مخاطبة او تركيز الضوء او وضع علامة استفهام تجاه قضية ما تخصنا سواء كانت تتصل بناحية انسانية داخلية او قضية اجتماعية عامة.
وليس شرطا ان يقرأ العمل بنفس المعنى الذي يقصده الفنان، وفي نفس الوقت ليس مطلوبا من الفنان ان يقدم شرحا لاعماله لان لكل متلق رؤيته الخاصة، وقد يتفاعل مع ذلك العمل بصورة مختلفة وقد يتأثر بالعمل بشكل مختلف سواء كان سلبا أو ايجابا ، المهم ان ذلك العمل ادى الغرض الذي صنع من اجله في جذب واثارة المتلقى تجاه قضية ما ,, وهذا ما يعطي للفن التشكيلي القوة والرصانة بين مختلف الفنون.
المسجد والسجادة
** الفن لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة,, كيف يمكن توظيفها في مجالات الحياة اليومية ,,, ؟!
- يعد الفن التشكيلي من ارقى الفنون حيث انه يعد لغة واحدة تجمع العالم حولها فهي لغة لا تحتاج إلى ترجمة، والفن التشكيلي ينمي القدرة على التمييز والتعبير عند الانسان بين الاشياء سواء كانت مادية او معنوية وينمي الرؤية البصرية، ويساعد على الابتكار والاختصار حيث التمييز بين الصواب والخطأ، إذا استخدمت تلك الاشياء بصورة وبشكل صحيح، وتكون وسيلة لدى الطفل لتنمية مواهبه وتعزيز قدراته وتنمية عقائده عن طريق رسم المئذنة والمسجد وسجادة الصلاة,, وتفريغ طاقته بشيء مفيد يضفي على النفس الراحة والسرور.
تفسير علمي
** كثرت في الآونة الاخيرة المصطلحات التي تنسب الى المجال التشكيلي,, فهل هذه المصطلحات ضد الفن ام في صالحه؟
- في الحقيقة معظم الذين يتحدثون عن الفن التشكيلي من النقاد وغيرهم بل الذين يعملون في هذا المجال نفسه يستخدمون ألفاظاً غريبة ومصطلحات شاذة قد لايفهمون معانيها,, تلك المصطلحات والألفاظ الغريبة على عالمنا العربي والتي أنتجها الفنانون والفلاسفة القدامى أمثال أفلاطون في جمهوريته وأرسطو وشعر رامبو وكامو، ناهيك عن مجموعة المستغربين الذين ينتمون للشرق ويقلدون الغرب الذين ليس لهم هوية او ايديولوجية، ونحن لا ننكر ان العلم حل لنا كثيرا من المشاكل.
وأذكر بالتحديد فرويد في تفسيره العلمي عن النواحي النفسية الخاصة بالسلطات الثلاث للآد والسوبر ايجو والعالم الخارجي ولكن لابد ان نكون بسطاء ومنتبهين في نفس الوقت لأن هذه الكلمات وتلك العبارات الفلسفية تبعد الناس عن بساطة الفن التشكيلي وتشعرهم باستعلائه ووضعه داخل بروج عاجية ، وتشعرهم بأنهم جهلاء فنحن في عالمنا العربي نحتاج لكثير من البساطة مع التعقل، وايضا لابد من اعطاء الامور حجمها الطبيعي، فقد قرأت في احد الكتب المتخصصة بالفنون التشكيلية ان الفنان كالعالم,,؟ فهو يبتدع لنا كثيراً من الرموز فان كان ذلك صحيحا فنحن لسنا بحاجة له لان الفن لا يحتاج كل هذا التعظيم, ولان هناك حدوداً، فالفن لا يحتاج كل هذا الجنوح .
إلغاء الألوان
** الألوان على اختلاف بريقها إلى اي منها تميل ,, وماالدور الذي تلعبه الالوان في حياتنا,,؟
- أنا أميل إلى كل الالوان فكل لون في مكانه الصحيح له دلالته وجماله والألوان تؤدي دوراً رئيسياً في الحياة الانسانية، حيث كل ما يحيط بالانسان من ظواهر طبيعية او صناعية لها ألوانها الخاصة التي تميزها، واصبحت الالوان اساسا للتمييز بين العناصر والاشكال المختلفة,, فلا يوجد عنصر في الكون مهما كان حجمه وموقعه إلا وكان اللون صفة حتمية من صفاته حتى في العلم ، وقد اثبتت التجارب العلمية في الوراثة ان اللون احدى الصفات التي تورث من الآباء إلى الابناء كما ثبت علميا بنظريات مندل وحتى لا نطيل فلنضرب مثلا: تخيل ان العالم كله لون واحد وليكن احمر أو أخضر أو رماديا وتكون السماء والسحب والعصافير والاشجار والانهار والبيوت والسيارات رمادية اللون ايضا,, تخيل كيف ستكون الحياة,,,؟!