Monday 21st June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الأثنين 7 ربيع الاول


طباق وجناس
ولا يُستأذنون وهم شهود
محمد أحمد الحساني

في المخططات الحكومية والتجارية وهي قطع أراض ذات مساحات كبيرة، مساحة بعضها تصل إلى ملايين الامتار المربعة، لأن كيلومتراً في كيلومتر هو مليون متر مربع، تخطط وتوزع على هيئة قطع صغيرة وتعتمد من الامانات أو البلديات ويكون من ضمن شروط اعتماد المخطط ان تخصص ما نسبته ثلاثين في المائة من مساحته على الاقل لتكون للخدمات العامة من طرق رئيسية وفرعية ومساجد وحدائق ومواقع لمدارس للبنين والبنات ومستوصف وملاعب للاطفال وغيرها من الخدمات العامة، ثم يخرج المخطط الحكومي فيوزع على المتقدمين للحصول على المنح، والتجاري لبيعه على المشترين، وتبقى في الحالتين المساحات المخصصة للخدمات ردحا من الزمن خالية من النواصب والجوازم ، ولكن الذي يحدث بعد ذلك في كثير من الاحيان ان المواطنين الذين منحوا أراضي في المخطط الحكومي أو اشتروا في المخطط التجاري، يفاجؤون ان الحديقة التي وعدوا بأن تكون ملعباً لأطفالهم ومتنفسا لهم ولمنازلهم وجمالا لمخططهم يمنحه الخضرة والبهجة قد منحت لمواطن ما من المواطنين او تحولت إلى مستودع تجاري لتاجر اسمنت أو أخشاب أو أن موقع المستوصف قد اصبح سوقا تجارية وقد لا يسلم من ذلك كله إلا مواقع المساجد وإلى حد ما المدارس اما الحدائق فإنها اول ما يستولى عليها عن طريق تطبيق المنح ثم بيعها تجاريا وتداولها من شخص الى آخر لتصبح فيما بعد مجمعا تجاريا ضخما اوبيتا منيفا على عدة شوارع او مشروعا استثماريا تجاريا خاصا، ولعل الذي جعل الحدائق اول ما يستولى عليه من اراضي الخدمات ان الجهة التي تشرف على عملية المنح وتطبيقها هي الجهة نفسها التي يفترض ان تحمي الارض المخصصة لاقامة حديقة عليها، وهي الامانة او البلدية، ولذلك لا توجد جهة ثانية تعارض المسألة فتتم عملية المنح بعد حصول صاحبها على امر بذلك دون ضجة تذكر، إذا كان المخطط حكوميا اما إذا كان المخطط تجاريا فإن صاحبه يدبر أمره بعد سنين من بيع أراضي المخطط وتجميد اراضي الخدمات ثم يبيع ما يستطيع منها على المشترين وفي مقدمة ذلك مواقع الحدائق العامة داخل المخطط! ويقال ان أوامر عديدة قد صدرت بعدم جواز منح الاراضي المخصصة للخدمات في المخططات التجارية والحكومية ولكن واقع الحال يؤكد ان عشرات الحدائق على مستوى المدن والمحافظات قد بيعت ومنحت وأصبحت مملوكة وتم تداولها من مشتر إلى آخر قبل ان تتحول إلى عمائر او مستودعات او اسواق تجارية.
وفي مكة المكرمة على سبيل المثال يتحدث الناس عن قيام امانة العاصمة المقدسة بتطبيق امر منحة على ارض مخصصة في مخطط تجاري لتكون حديقة عامة، تطبيقها للغرفة التجارية بأم القرى لاقامة مقر عليها بدل مقرها الحالي المستأجر وان صاحب المخطط تقدم للشرع بدعوى استرداد أرض الحديقة من الغرفة التي رفعت عَلَمَها عليها، وكأنه يؤكد في دعواه ان جحا أولى بلحم ثوره وانه قد خصص هذه الارض لتكون حديقة عامة للمخطط الذي باع اراضيه على المواطنين، فإن كانت الامانة ترى ان في المخطط ما يكفي من الحدائق الزاهرة التي تنشر الخضرة والجمال في كل ارجاء المخطط، وهي مستغنية عن تلك المساحة فإن صاحبها يرى انه أولى بها لاسيما انها تقع على الخط الدائري من مكة المكرمة إلى جدة ومساحتها عشرات الآلاف من الامتار البديعة، ولم يقبل المدعي حجة المدعى عليه من ان الغرفة تقدم خدمة عامة للتجار المكيين مؤكداً أن الغرفة تقاضي رسوما واشتراكات سنوية، وعلى كل معاملة تصدقها وانها جهة استثمارية ,, الخ، وكانت النتيجة ان المدعي قد حصل على حكم شرعي ببطلان تطبيق المنحة لصالح الغرفة التجارية وربما ينتج عن الحكم ان صاحب المخطط يصبح بامكانه التصرف في القطعة وبيعها بعشرات الملايين من الريالات بعد ان انتصر في معركته المظفرة ضد الغرفة، وبذلك تكون الامانة - بارك الله فيها - قد ضيعت على سكان المخطط الارض المخصصة لهم كحديقة ولم تستفد الغرفة من المنحة واعطت لصاحب المخطط حق ضم مساحة الحديقة إلى املاكه الخاصة، والخاسر الأكبر في كل ذلك هو المواطن وصحة البيئة التي لا يهتم بصحتها أحد!!
وقد نشرت الاقتصادية مؤخراً بعض تفاصيل هذه القضية المكية وأوردت بشرى للغرفة مضمونها ان صاحب المخطط المنتصر عليها قد يتلطف ويمنحها مساحة خمسة آلاف متر من مساحة الحديقة السابقة لاقامة بناء اقل تواضعا من البناء الذي كانت الغرفة تنوي اقامته على المساحة كلها وإذا حدث ذلك فإن هذا تلطف سوف يثبت ملكية الحديقة لصاحب المخطط فالذي يمنح الجزء من الشيء يكون مالكا للكل أما الامانة فإنها قد تكتفي من الغنيمة بالاياب مع انه كان بامكانها ان تراجع الجهة التي اصدرت امر التطبيق للغرفة مراجعة مسؤولة وتضع ثقلها في الموضوع معتمدة على ما سبق صدوره من تعليمات وأوامر بشأن عدم جواز منح اراضي الخدمات، ولكنها لم تفعل او فعلت على استحياء فلم يسمع صوتها أحد أو أنها فسرت دور الغرفة على انه خدمة عامة أهم من حديقة تحتاج إلى ري وتشذيب ومصاعب وأموال ونظافة، فرأت أن أمر التطبيق يحقق مصلحة عامة فنفذته، حيث لم ينل تفسيرها القبول لدى صاحب المخطط فشكا للشرع وحصل على حكم لصالحه كما نشر وقيل.
وما ذكرناه إنما هو مثال بسيط على الطريقة التي تم التعامل بها مع الاراضي المخصصة للخدمات في بعض الاحوال سواء ما كان في مخططات تجارية او حكومية مع ان المواطن الذي يشتري قطعة ارض ويرى في المخطط ان ارضه المشتراة تقع بجوار حديقة او مستوصف او مدرسة، يدفع قيمة اكبر لشرائها املا في ان يحظى ويتمتع بتلك الخدمة المجاورة، ولذلك فإن تحويل تلك الاراضي من الاهداف التي انشئت من اجلها الى اهداف اخرى معظمها لا علاقة له بالمصلحة العامة، يعد ظلما للمواطن المشتري او الممنوح سواء أكان مجاوراً لأرض الخدمة السابقة او من اهل المخطط، ولكن هذا المواطن من القوم الذين تقضى الامور في غيابهم ولا يُستأذنون وهم شهود !!، وحتى ان شكا بعضهم من مثل هذه الامور فإن شكواهم تذهب غالبا أدراج الرياح!!
مع غربال الخوجة
أهداني الأديب الصحفي المربي القدير الاستاذ حسين الغريبي نسخة من مؤلفه الجديد الذي يحمل عنوان الغربال وهو قراءة في حياة وآثار الاديب السعودي الراحل محمد سعيد عبدالمقصود خوجة والد الاديب الثري الوجيه عبدالمقصود خوجة صاحب صالون الاثنينية الشهير.
والغريبي يعد من اوائل من كتبوا شعر التفعيلة من الجيل الثالث بعد الرائد العواد الذي يعتبر من الجيل الاول والقرشي والبواردي من الجيل الثاني والخطراوي والحميدين من الجيل الثالث ولكن حظه في الذيوع قليل وانتاجه غير مستمر وقد شغلته حياته التربوية كمدير مدرسة مدة تزيد عن ثلاثين عاما عن الشعر والادب ولكنه اخذ مؤخراً يتواصل مع الفكر والثقافة والشعر وكان من نتاج هذا التواصل كتابه الغربال .
أما الكتاب فيقع في نحو أربعمائة صفحة من القطع المتوسط وناشره هو عبدالمقصود خوجة نفسه وقد استطاع الغريبي من خلال دراسة الاثار الفكرية والادبية والصحفية للاديب الرائد محمد سعيد عبدالمقصود ان يؤرخ لحقبة زاهية من تاريخنا الادبي المعاصر وان يعرج على الحياة السياسية والثقافية بمنطقة الحجاز في بداية هذا القرن الهجري، وتميز المؤلف بملاحق مفيدة لتراجم بعض رجال الفكر والادارة في عصر الغربال وصاحبه، وبصور فريدة لمواقع مكية ولاصدارات صحفية قديمة وسلط الضوء اكثر على فكر وثقافة الخوجة الأب وطريقة معالجته الرائعة للقضايا الاجتماعية والادبية والسياسية في عصره وما نشأ بينه وبين معاصريه من خلافات ومعارك ادبية كان فيها رابط الجأش عفيف القلم واللسان مع قوة في المنطق وبيان للحجة وقدرة على الاقناع.
شكراً للغريبي على هديته وجهده الفكري المتميز الذي يعد اضافة طيبة للمكتبة المحلية.
سخافات !
من سخافات بعض حملة الاقلام لاسيما المشهورين منهم، ان الواحد من هؤلاء ربما يفوته الاطلاع على كتاب ادبي او ثقافي صدر قبل عشرات السنوات لكاتب مشهور، او على كتاب اشهر من كتب التراث، ثم يطلع عليه صدفة ويعجبه ما فيه ويرى ان يكتب عنه وعن محتواه الجميل او الجيد، وبدل ان يعترف ان قلة اطلاعه وعدم متابعته لما ينشر جعله بعيدا عما يصدر من كتب قيمة، فإنه يدعي انه سبق له ان قرأ ذلك الكتاب قبل عشرين او ثلاثين عاما، عندما كان شاباً يافعاً,, قرأه عدة مرات! وأنه وجده هذه الايام خلال تقليبه لمكتبته المنزلية فأحب ان يقرأه للمرة الخامسة عشرة، وهو بهذا الادعاء يظن انه يحفظ لنفسه قيمتها ويعتقد انه لو اعترف بعدم اطلاعه من قبل على هذا الكتاب او حتى سماعه به فإن ذلك يُعد منقصة وعيبا في حقه، ولذا لابد من استدعاء أبو لمعة والاستفادة من خبراته في هذا المجال، مع ان اي كاتب او قارئ متابع ليس مطلوبا منه قطعا معرفة جميع الاصدارات الخارجة من المطابع ولكن ماذا نقول لأبي لمعة؟!.
ولعل ما تقدم يذكرنا بذلك الكاتب الذي تعجبه مادة تلفازية معينة، ويحب ان يكتب عنها ولكنه بدل ان يفعل ذلك دون مقدمات او مبررات فإننا نجده يزعم عدم متابعته لبرامج التلفاز وانه اطلع على تلك المادة المتلفزة عن طريق الصدفة عندما كان يتناول طعام العشاء,, الخ وكأن مشاهدة برامج التلفاز على اطلاقها تحط من قدره الرفيع، ومثل هذا الكاتب النحرير لو كان لديك كاميرا خفية وراقبته لوجدته مبطوحا على بطنه يتابع أفلام الكرتون؟!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved