شهدت أسعار الذهب انخفاضاً كبيراً في الآونة الأخيرة وما زال الانخفاض مستمرا وان كان يأخذ شكل كسر الحواجز فما ان يصل سعر أوقية الذهب الى مستوى معين في الاتجاه الهبوطي حتى يتعداه الى مستوى آخر أقل منه حتى وصل سعر الذهب مؤخراً الى ادنى مستوى له منذ اكثر من عشرين سنة والسؤال الآن هل بدأ الذهب يفقد مكانته في الاقتصاد ولدى الناس والتي اكتسبها عبر آلاف السنين وهل سيصبح تدريجياً معدناً عادياً؟ تحتاج الاجابة عن هذا السؤال الى التعرف على دور الذهب في حياة المجتمعات وتطور هذا الدور عبر الزمن, فمن المعروف ان الذهب في الماضي كان يستخدم في سك العملات فكانت العملات تصنع من الذهب فالدينار مثلاً كان عبارة عن وزن معين من الذهب يأخذ شكلاً معيناً, وكان الذهب مطلوباً ايضاً لصياغة وصناعة الحلي نظراً لارتفاع ثمنه ولما يمنحه من نظرة مميزة لمن تقتنيه, واستخدم الذهب ايضا كمستودع للثروة فكان الناس يحتفظون بثرواتهم في شكل كميات من الذهب نظراً لاستقرار ثمنه وسهولة تخزينه مقارنة بما سواه وسيولته العالية وقد شاركت الفضة الذهب في وظائفه هذه الا ان استخدامها كعملة بدأ في الانحسار بشكل كبير في القرن التاسع عشر حتى ازاحها الذهب من التعامل لهذا الغرض في نهاية القرن تقريباً.
استمر النظام النقدي العالمي على هذا المنوال الذي كان الذهب فيه هو الأساس للعملات ولاتمام المبادلات وللوفاء بالالتزامات المالية وربما استخدمت بعض المعادن الأرخص ثمناً مثل الفضة والنحاس في سك الفئات النقدية الاقل قيمة حتى منتصف القرن التاسع عشر تقريبا حينما بدأت النقود الورقية في الظهور الى الوجود وكانت آنذاك مغطاة بالكامل بالذهب وقابلة ايضا للتحويل الى الذهب على الفور وشاع استخدام النقود الجديدة واصبح النظام النقدي العالمي يقوم على ما يعرف بقاعدة الذهب التي تبلورت بشكل واضح في عام 1870م وبناء على هذه القاعدة تثبت الدولة سعر عملتها المحلية بمعرفة الذهب ويكون المصرف المركزي مستعداً لتحويل اي كمية ترد اليه من العملة المحلية الى الذهب بالسعر الرسمي المحدد كما يكون ملزماً ايضا بتحويل اي كمية من العملات الورقية الى ذهب وبالسعر المحدد فمثلاً لو حددت بريطانيا سعر اوقية الذهب آنذاك بعشرين جنيهاً اي ان سعر الجنيه يساوي (1/20) اوقية ذهب فان المصرف المركزي البريطاني يكون ملزماً بتحويل اي كمية من الجنيهات الى ذهب بناء على هذا السعر عند الطلب وقد ساعد هذا النظام على استقرار اسعار الصرف بين العملات لأن جميع الدول تقريباً استخدمت الذهب اساساً لتحديد اسعار عملاتها المحلية وقامت بالمحافظة على هذه الاسعار ثابتة, فلو كان سعر اوقية الذهب 40 دولاراً مثلاً فان سعر صرف الجنيه في مقابل الدولار هو دولار وسيكون هذا السعر ثابتاً طالما ان كل دولة حافظت على سعر عملتها ثابتا في مقابل الذهب وكانت قادرة على تحويل عملتها الورقية الى الذهب, ولكون الذهب هو العمود الفقري لهذا النظام فانه لم يفقد اهميته ومكانته وكل ما حصل ان النقود الورقية حلت محل الذهب في الاستخدام فقط لسهولة حملها ولأنها اكثر اماناً من الذهب فهي كانت تشبه الشيكات في وقتنا الحاضر.
وقد استمر الطلب على الذهب عالياً ولم تنخفض اسعاره نتيجة لهذا التحول في النظام النقدي لانه كان الاحتياطي الرسمي الذي تعطى به النقود الورقية المتداولة آنذاك بالكامل فكل ورقة نقدية تطبع لا بد ان يكون لدى المصرف المركزي ما يوازي قيمتها من الذهب, استمر العمل بقاعدة الذهب هذه الى العام 1914م عندما انهارت في بداية الحرب العالمية الاولى واوقفت الدول المتحاربة العمل بالالتزام بتحويل عملاتها الى الذهب ومنع استيراد او تصدير الذهب واصبحت العملات الورقية غير القابلة للتحويل الى ذهب هي النقود السائدة واستمر هذا النظام النقدي معمولا به حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى وبعد انتهاء الحرب بدأت العودة تدريجياً الى قاعدة الذهب ولكن هذه العودة لم تعمر طويلا بل انهارت مرة اخرى.
قسم الاقتصاد الإسلامي - جامعة الإمام محمد بن سعود