تغيير الوزارة وتغيير السياسة د, عبدالله ناصر الفوزان |
 عندما صدر التشكيل الوزاري السابق منذ أربع سنوات ووجد بعض المراقبين والمتابعين خاصة في خارج المملكة انه ضم كثيرا من الوزراء الجدد على نحو غير معهود اعتبروا ذلك مؤشرا لوجود نية قوية للتغيير، وبدأوا يتحدثون عن مسألة تغيير السياسة السعودية, وقد سألت هيئة الاذاعة البريطانية آنذاك رئيس تحرير صحيفة محلية مرموقة عما اذا كان ذلك التغيير الوزاري الموسع يدل في رأيه على وجود نية لتغيير السياسة السعودية، فنفى ذلك نفيا قاطعا مؤكدا على ان للمملكة العربية السعودية سياسة ثابتة كانت ولا زالت تسير عليها، ثم قال ان تغيير الوزارة لا يعني تغيير السياسة,, وبعد ذلك تطوع مسؤول كبير في شركة كبيرة فكتب مقالا عن ذلك دون ان يُسأل اكد فيه هو الآخر على ثوابت المملكة وقال هو ايضا ان تغيير الوزارة لا يعني تغيير السياسة.
طبعا لاشك ان تغيير الوزارة لا يعني بالضرورة تغيير السياسة ولكن الذي قصده الاخوان غير هذا فهما يريدان القول ان الوزارة الجديدة ستسير وفق السياسة التي سارت عليها الوزارة السابقة، وطبعا هما قصدا بالسياسة حسب ما فهمته من حديثهما - آنذاك وانا اتحدث من الذاكرة الآن - تلك المبادىء الثابتة التي سارت ولا زالت تسير عليها المملكة في علاقاتها الدولية كالاحترام المتبادل، وعدم التدخل في شؤون الاخرين، ولا اعتقد ان هذا هو المقصود بالسياسة التي تم التساؤل عن امكانية تغيرها آنذاك، وحجم هذا التغيير، بل المقصود تلك السياسة المتأثرة بالظروف والمتغيرات العالمية والمحلية، اما تلك الثوابت فهي راسخة بالنسبة لجميع الدول بلا استثناء، اذ لا يتصور احد ان هناك دولة في العالم الآن لا تؤكد ولو من باب الادعاء تمسكها بسياسة الاحترام المتبادل بين الدول، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، لكن في المقابل لو تتبعنا التاريخ المعاصر فاننا سنجد ألوانا عديدة من السياسات التي تنسب لزعماء عالميين بعضها في الجانب الاقتصادي، وبعضها في جوانب تعليمية واجتماعية، مثل البرنامج الاقتصادي للرئيس الامريكي روزفلت الذي واجه الكساد العظيم الذي حدث في امريكا في الثلاثينيات، والذي سمي السياسة الجديدة ، ومثل تلك السياسة الاسترالية الاجتماعية المتعلقة بالهجرة التي اطلق عليها سياسة استراليا البيضاء وهكذا فحين نستخدم مصطلح السياسة فاننا قد نعني امورا عديدة قد لا يكون من بينها العلاقات الدولية بالمرة، وبالتالي فإنه حين تطرأ متغيرات اقتصادية واجتماعية جوهرية في أية دولة فان ذلك يقتضي بالضرورة من تلك الدولة تغييرا في سياساتها المختلفة لأن هذا امر ضروري لمواكبة المتغيرات المختلفة وعلى هذا فان ما قصد من حديث عن تغيير السياسة السعودية بعد التغيير الوزاري السابق ليست تلك الثوابت التي لا يتخلى عنها احد في هذا العالم، ولكن تلك السياسات المتغيرة في الاقتصاد والتعليم والصحة والشؤون الاجتماعية بل وحتى في العلاقات الدولية غير المتعلقة بالثوابت، وقد حصل المتوقع فحصلت بعض التغييرات في السياسات السعودية في عهد التشكيل الوزاري السابق ولكن على نطاق محدود قد لا يتفق مع طبيعة المتغيرات الضخمة التي حصلت، والتي تستدعي التغيير على نطاق أشمل وأقوى.
ان الذي يقارن الآن بين واقع سياساتنا الاقتصادية والتعليمية والاعلامية والاجتماعية يجد الفرق الواضح الناتج من سرعة المتغيرات وقوتها وسياسة الخطوة خطوة في التغيير,,, لذلك فان اعظم تحد يواجه الوزارة الجديدة هو الارتفاع بالسياسات العامة لتتواكب مع المتغيرات كخطوة اولى ضرورية لبدء تصحيح عملي للاوضاع الاقتصادية والتعليمية والصحية، وتطوير للاوضاع الاجتماعية، اي ان تغيير السياسة امر ضروري الآن,,, ليس طبعا سياسة الثوابت وانما سياسة المتغيرات.
|
|
|