منذ نشأة مجلس التعاون الخليجي قبل ثماني عشرة سنة مضت، لم يقل زعيم واحد من زعماء دوله أو مسؤول في مرتبة أدنى إن علاقات دول المجلس قادة ومسؤولين محصنة ضد اختلاف وجهات النظر حول هذه القضية أو تلك من القضايا التي تتعلق بتلك العلاقات.
وخلال سنوات المسيرة التعاونية لم تؤد تلك الاختلافات في وجهات النظر إلى سوء فهم يمنع التفاهم، أو سوء ظن يوقف التواصل، ذلك لأن العلاقات التي حتمت على قادة وحكومات وشعوب دول مجلس التعاون الست التنادي إلى إنشاء هذا الكيان الإقليمي كإطار للتعاون الاستراتيجي لتحقيق مصالحهم المشتركة، لم تقم - العلاقات الجماعية - على مجرد حسن النيات وإنما قامت على أساس وثيق القوة من الرصيد الحي لوشائج القربى بالدم، والعقيدة، واللغة، والأرض والوجود الذي ربط بينهم ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً، ومصيراً.
وهي روابط جعلت من شعوب دول المجلس وقياداتها، أسرة عربية خليجية واحدة لا تختلف في أمزجتها وعاداتها وتقاليدها وأعرافها في الحياة اليومية المتشابهة في كل جزئية منها.
ودول وقادة وشعوب هذه هي روابطهم المصيرية لا يمكن أن تهز الاختلافات الهامشية حول وجهات النظر شعرة في رؤوسهم، أو تترك أثرا سلبياً على علاقاتهم الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية او الخماسية أو السداسية.
ودائما يتمكن القادة الأبرار بحكمة تفكيرهم وصفاء قلوبهم ونقاء سرائرهم، ووضوح رؤياتهم يتمكنون من احتواء كل اختلاف بين اثنين أو اكثر في وجهات النظر حتى لا يصل إلى حد الخلاف.
وحتى إذا حدث ووصل إلى حد الخلاف فإنه لن يتخذ أي سمة من سمات الخصومة والعداء، فالقلوب الطيبة والنيات الخالصة لتكريس العلاقات والتعاون إلى جانب الوشائج الأصيلة والشعور العميق بالمسؤولية الخاصة، والمسؤولية التضامنية, كل هذه الحقائق تجعل من السهل إعادة المياه إلى مجاريها.
ولعل أقرب مثال، بل أحدث مثال هو سحابة الصيف التي لم تجد الوقت الكافي لتغطي سماء العلاقات السعودية/ الإماراتية حتى انقشعت بمبادرة من سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر الشقيقة الذي وجد الأرضية الممهدة والأجواء الملائمة في كل من الرياض وأبوظبي، فتم له ما أراد وكسبت العواصم الثلاث الدوحة والرياض وأبوظبي رهان التحدي الذي قبلته ثلاثتها فأثبتت وحدة الفكر والشعور والرغبات والآمال واستمرار المسيرة التعاونية على نفس الطريق الذي رسم لها والمنهج الذي حدد الطريق.
الجزيرة