Wednesday 30th June, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الاربعاء 16 ربيع الاول


دُخانٌ في مرايا الصيف!
إبراهيم عبدالرحمن التركي

(1)
** لم يشأ ألا يهاجر,,!
ضاقت الأرضُ به,.
فارتقى لُجَةَ بحرٍ ,.
وطوى صفحة شِعرٍ ,.
وروى قصة عَصرٍ ,.
يدعُ الناسَ حيارى,,!
** لا تقل ماذا بهم,.
فالحكاياتُ طويلة,.
** لا تسل عن حالهم
فالمسافاتُ ضئيلة
** بك منهم مثلهم,.
في مساءات الدُّجى
فامضِ أنّى شئتَ,.
فالليل سجا,,!
***
(2)
** أسمىأحاديثَه في الصيفِ لغواً، وانتقل بها إلى الجدّ حين حان الشتاء !
** ولم يكن طه حسين - 1889 - 1973م - مبتدعاً، فقد سبقه - كما تبعه - كثيرون رأوا في الصيف موقعاً للخمول، وإيقاعاً للتراخي، وخرجَ من عباءته جمعٌ استسهلوا الصعب فذلّت لهم المراكب ، وكان منهم من تخرجّ بشهادات عليا أطلقوا عليها دكتوراه الصيف !
** لم تُكلِّفهم الشهادة أكثرَ من رحلة استجمامٍ جميلة ، وحقيبة هدايا خفيفة أو ثقيلة ، ثم اقتعدوا أماكن الأساتذة ليحاضروا دون أن يتحضَّرُوا ، ولجّ جدل طال - ذات زمن - بين أولاءِ وأولئك مِمن رأوا في مثل هذه الممارسات رداءةً، وتردياً! ولم يدروا أن سيخلفهم قومٌ لم تحمهم من التسطيح دكتوراه الشتاء والخريف وبقية الفصول الأربعة,,!
** نحن في ايامٍ قائظة لا تحتملُ جهداً كتابياً أو قرائياً يلهبُ الأذهان الغافية ، فلا بأس إن جاءت الأربعاويةُ سهلة التناول، قريبة المدى، فأسلافُه لم يحتملوا الجدّ العلميّ، وإذن فلا تثريب عليه إن استمرأَ الدعة ، ومارس الهدوء ، فالركضُ لا يصلحُ حين يشتدُّ الهجير !
***
(3-1)
** بمناسبة دكتوراه الصيف - ويحسبه مصطلحاً أطلقه الدكتور أحمد الضبيب - فإن اشتعال أعمال القبول والتسجيل - في الجامعات والمعاهد والكليات - تُوحي بحقائق بسيطة تحتاج إلى شيءٍ من الذكر ثم التذكر ,,!
** روى أحد الشباب أنه - وقد اراد التسجيل في إحدى الكليات ذات الطبيعة الخاصة - قد وقفَ ينتظر دوره للحصول على استمارة تسجيل فقط من بعد صلاة المغرب حتى الثامنة من صباح اليوم التالي، وكان ترتيبه خمسين ضمن آلاف المصطفّين الذين جاءوا بفُرُشهم ووجبات عشائهم ، ثم تسامروا أكثر من اثنتي عشرة ساعة لتفتح البوابات وخلفها استمارة التسجيل العجيبة ,,!
** هل خلت التنظيمات الإدارية من أسلوب أكثر تحضراً وذوقاً ورحمة ,,؟!
(3-2)
** هذه واحدة، وأخرى وثالثة ومائة يضطر الشباب معها (ومثلهم البنات) لفتح صفحات الذاكرة والمفكرة للاستنجاد بذوي مروءةٍ لتمرير أوراقهم ، ومنهم من يُوفق ومنهم من يُخفق لأننا - ببساطة - لم نُعِدَّ أماكن كافيةً تستوعبُهم في المجالات المختلفة الأكاديمية والتقنية والعسكرية والتدريبية ، وليس بعد ذلك إلا المنزل أو الشارع ، ثم الانضمام إلى العاطلين في زمن لا يرحمُ الكاديّن المخلصين ,,!
(3-3)
** وحكاية أخرى,, فمعاييرنا لا تزال هي التقدير وحده، مع علمنا بتفاوت مستوى المدارس، وأريحيّة بعضها في منح العلامات، ووجود تجاوزاتٍ- ولو كانت ضئيلة - في مصداقية الاختبارات والأسئلة ، ومع معرفتنا بأن العالم الآخر المتقدم يؤمن بإمكانات التفوق لدى الحاصلين على درجات متوسطة أكثر من نظرائهم ذوي التميز الدراسي، إذ ليس بالشهادة - وحدها - يحيا الإنسان!
(3-4)
** ولعل الوزارات المعنية والجهات والكليات والمعاهد قادرة على إيجاد حلولٍ عمليّة لمعضلة تراكمية لا يمكن أمامها التصريحُ بعدم قبول من تقل نسبتُه عن ,,, ، فالعلمُ - بكل أشكاله - حقٌ للجميع، أما الوظيفة فشأنٌ مختلف، ورسوم الجامعات والكليات الأهلية - رغم أنها غير ربحيةٍ في نظامها الأساسي - لا يحتملها ذوو الدخول المحدودة والمفقودة وهم الأغلبية الساحقة,,!
** الحاجة ملحة لفتح مزيد من الجامعات والكليات ، والإقلال من التخصصات التي لا تستوعبها سوق العمل ، والتوازن بين الأمرين سيمكِّنُ من مواجهة نفقات الفتح بتوفير الإقفال !
***
(3-5)
** الخواطرُ تسرُّ الخاطر ، وربما تسوءُه غير أن الصيف لا يتيح مجالاً للمداورة، وأجمل من أن نجد أبناءنا يبحثون عن مستقبلهم في المؤسسات التعليمية لجيراننا أن نرى هؤلاء وهم يسعون إلينا للحصول على مقاعد لأبنائهم ، وتجاربنا - في معهد الإدارة، وأكاديمية نايف، وبعض الكليات العسكرية شواهد على نجاحنا متى أردنا,,! ولأننا نريد فإننا سوف ننجح,,! أو هكذا نعتقد فلنحاول على الأقل,,!
** ولا بأسَ أن احتمل الطلاب والطالبات - في سبيل ذلك - إيقاف المكافآت الشهرية ، ووضع رسومٍ رمزيّة على الكتب الجامعية ، والمواقف ، واستخدامات المكتبات والحاسوب والعيادات الطبية ونحوها,,!
***
(4)
** لم يأتِ الصيفُ هادئاً ، أو مُهادناً - إلى حين - فالمتابع للطّرح الثقافيّ قادرٌ على ملاحظةِ ارتفاعِ صوتِ العاطفة ، والانفعال في بعض المعالجات الحوارية التي تفتقد أبسط مبادئ الجدل ,,!
** ويبدو أن حرارتنا الفكرية تتأثرُ بحرارة الطقس فلا يعود مكانٌ أو إمكان لشيء من العقلانية ، والموضوعية ,,! ومَن يتابع الصخب المطروح على الفضائيات ، والاستعراض المزعوم على الأرضيّات سيرى كيف كان القصيمي محقاً حين وصف العرب بأنهم ظاهرة صوتية ، وإن جاء هو - رحمه الله - في مقدمتهم!
** داخل هذه المناظرات، جاءت مواجهة مجلة روز اليوسف للدكتور سعد الدين إبراهيم رئيس مركز ابن خلدون في القاهرة مختلفة رغم سخونتها ، وقد سعت إلى إثبات عدد من الدعاوى بحقِّه ومنها التمويل الأجنبي والمتاجرة بمشكلة الأقليات ، وغياب المنهجية وانعدام العمق العلمي ، والفساد المالي والإداري ، وغيرها,,!
** لقد كانت المصارحةُ فرصةً لمن شاء الاطلاع على التعليب الذي يُمارسه مثل هذا الرجل، وهو ينتقل بين محطة وأخرى ليطنّ بما يُصمّ الآذان النقية، ولعل غيره يجد مَن يكشفه، فقد عمّ الزيفُ ، واختلطت الحقائق ، وآن أن يقف هو وأضرابه عند حدودهم الارتزاقية وربما استعير لهم ما قاله الشاعر المغربي محمد الميمونيّ :
* يا إخوتي,.
أتيتُ من جزيرة الدخان
منسوفة رؤايا
صفر اليدين,, لكن
ملء جعبتي حكايا
مرآتي التي حلمت أصبحت مرايا
بألف عين
ألف رأس
ويلتي
ألفي لسان
بأيها أحكي لكم
عن غزوة النفايا
في آخر الزمان,.
***
(5)
* مات علي الطنطاوي ,,!
** ترحّمنا عليه، ثم مضينا، فهذا شأن الحياة ، وهكذا هم الأحياء ,,!
** وتذكر من تذكر كيف انفرط عِقدٌ في نهاية عقد لنودع الغزالي ، والشعراوي ، وأبا غدّه ، وابن باز ، وابن غُصون ، وبنت الشاطئ ، ونزاراً ، والجواهري ، وعزيز ضياء ، والطناحي ، ومحمود شاكر ، وحسن ظاظا ، والقصيمي ، والطريقي ، و,,,, وعشرات سواهم مِمّن مثلوا رقماً مهماً في المعادلة الثقافية والاجتماعية,,!
** لقد رحلوا ليبقوا، وبقينا لنرحل,,، لتؤذن الدنيا بأبعادٍ صعبة في لغةٍ مستحيلة الفهم والإفهام,,!
** رحمهم الله,.
(6/1)
** في ثقافة التخلّف يأتي الشكل ليمثِّل ممارسة مجتمعية لا تقفُ عند الإطار المجرّد المنتهي بلقب أو منصب أو إرث أو طبقية، بل يضحي التصنيف أساساً ينطلقُ منه المشرِّع الإداري لحكم سلوكٍ وظيفي ، أو إنجاز معرفي ، أو وجاهة عشائريّة ، تتجاوز المظهر الخارجي إلى العمق المتوغل فعلاً وتفاعلاً,,!
** هكذا تبدو الصورة العربية حين تجدُ من يتأمل ملامحَها في مقتبل ألفيَّة غير عاديَّة تتمثل إرهاصاتُها في نظام انفتاحيٍّ يلغي الحدود والقيود ويدعو إلى الشّوملة أو العولمة أو القطبيّة الواحدة - كيفما شئتم تصنيفها - في المناحي السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية,,!
(6/2)
** انتهى لغو الصيف في خاتمة هذه الأربعاوية ، وآن لها أن تقول شيئاً يجمعُ هذه الرؤى البسيطة أو التي تبدو كذلك، ليبحث ذوو النُّهى عن قراءاتٍ جديدة للوجوه والأشياء ,,! لتقعيد ما هو أكثر شفافية ، وأعقد دلالة ، وأبعد غوراً,,!
** لم يتمَّ الحديث بعد فانتظروه في جدِّ الشتاء ,, فربما خرجَ ليفِتَّش عن المخرج !
** أو ربما آثر استظهار مقطع من قصيدة صلاح عبد الصبور أحبك
في ديوانه أقول لكم
فكفته مؤونة التكرار,.
***
لا ,, لا تنطق الكلمة
دعها بجوف الصدر منبهمة
دعها مغمغمةً على الحلق
دعها ممزقةً على الشدقِ
دعها مقطعة الأوصال مرمية
لا تجمع الكلمة
دعها رمادية
فاللون في الكلمات ضيعنا
دعها غمامية
فالخصب شردنا وجوعنا
دعها سديمية
فالشكل في الكلمات توهنا
دعها ترابية
لا تلق نبض الروح في الكلمة,.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
المحرر الأمني
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved