Thursday 8th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 24 ربيع الاول


ضحى الغد
البشر لا يُشبهون الأشجار!
عبدالكريم بن صالح الطويان

الملل حالة نفسية تصيب الانسان وتؤدي به إلى السأم واللامبالاة والارهاق!
وهو هنا شبيه بتلك الحالة المرضية التي يكون عليها الانسان حين تعتاده (الانفلونزا)، وإذا كان الاطباء يقولون ان (الانفلونزا) سببها (فيروس) يصعب تحديده لكثرته وتنوعه، مما يجعل توصيف دواء معين مقاوم له عسيراً أيضا! فإن الملل ايضا يصعب وصف دواء واحد له، لأن مسبباته كثيرة متنوعة وخفية!
واذا كان الناس ليسوا على درجة واحدة من المناعة امام الانفلونزا، فإنهم كذلك امام الملل، فلبعض الناس مناعة قوية ضده، فهم على استعداد كامل ان يعيشوا مائة عام على نمط حياة واحدة رتيبة لا تتغير ابداً! ولكن الاكثرية من الناس يرون ان النمطية والثبات والرتابة جمود وتحجر للروح والنفس والعقل والجسم، وان (السوس) و(العثة) و(الارضة) لا تهاجم وتأكل إلا كل ثابت لا يتحرك ولا يتغير!
ولقد قاوم الانسان (الملل) بأساليب كثيرة، وللناس طرق فطرية ومكتسبة وتجارب عميقة جديدة وقديمة في مقاومة شبح الملل واخراجه من المنزل والعمل والحياة عموما، ولعل من افضل اساليب مقاومته، ذلك الذي يسمونه (السفر) انه ابرع اداة للفتك بفيروس الملل! لكأن الروح السجينة في قمقم الروتين اليومي المكرر تخرج حرة طليقة إلى حيث هواء جديد، ومناخ طريف، ومشاهد اخرى وطعام آخر، وحياة جديدة مُغيرة متغيرة السفر ينقلك من واقع يومي مللت ثباته إلى آفاق أخرى تجدد فيك اشياء كثيرة!
وقال لي صديق لا يألف السفر: هذا منزلي كلفني مليون ريال، ويطالبني اولادي في عطلة الصيف ان اذهب اياما بهم إلى خارج المنطقة للنزهة والسياحة، ولن تتخيل التعب الذي نلقاه في الطريق، وفي البحث عن شقة، وفي تأمين حاجاتهم المتنوعة، إنني افضل حياتي اليومية هنا، ولا أحب مطلقا ان انام خارج بيتي!
هذا الصديق من اولئك النوع الذي لديه مناعة قوية تقاوم الملل، لكن ليس من حقه ان ينتقد اولئك الذين يحبون كسر الروتين! ولقد قلت له: يكفي ان السفر يجعلك تشعر بقيمة وفضل حياتك الجميلة والمستقرة في منزلك، إنك داخل الظاهرة والسفر يجعلك خارجها ويريكها اكثر جمالا وإشراقاً كما هي قدرتك على رؤية كوكب الارض من سطح القمر!
إن البشر لا يشبهون الاشجار ذلك مثل قديم في تاريخ الانسان، وهوحقيقة من حقائقه، فلقد خلقه الله كائنا من ثلاثمائة وستين مفصلا، فالحركة طبيعته، والتنقل والسفر من اهم ميزاته التي اعطته مفاخر الانتشار والسيطرة على الارض والفضاء بإذن الله.
والاعلام على اختلاف وسائله المقروءة والمسموعة والمرئية أحد نشاطات الانسان، وهو احوج ما يكون إلى مقاومة الملل ومكافحته ذلك لان فيروسه إن تمكن منه اضعف شهية جمهوره، واحالهم إلى السأم والخمول والاعراض!
الاعلام صناعة التغير والتغيير، وواجهة متجددة متشكلة لها كل يوم طريف وجديد! والاعلام إذا لم يكسر الرتابة ويخرج عن القوالب، ويبتعد عن اللون الواحد والطعم الواحد والوجه الواحد، فإنه سيصاب بفيروس الملل، وعندها سيجد ان الجمهور الذي يعرفه قد استحال إلى جمود وذوبان!
الاعلام مِلحه التغيير، وماؤه الخبر الجديد، ومادته تتشكل بألوان لا تثبت على حال واحدة، إن أهدافه اشبه ما تكون بأهداف السفر: مكافحة الملل وطرده من الحياة!!
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved