بمشاهدتي لإحدى حلقات مسلسل طاش ما طاش الرمضانية اثارتني قضية براميل الزبالة التي كانت مشكلة أهالي الحي حتى وصل بها أي البراميل إلى الانتحار من أعلى قمة الجبل,, هذا المشهد ذكرني بالفن الحديث ومابه من شطحات وأعني به الفن التشكيلي حيث يقوم بعض الفنانين في العالم بعرض المخلفات التي تمتلىء بها تلك البراميل - أو بعرض براميل الزبالة كماهي وبما فيها- ما دفع الجمهور الزائر لاستهجان هذا الاسلوب واعتباره جرحاً لمشاعر المتذوقين, وقد وجدت بين تلك الحلقة وكيفية سيطرة المخرج على وجدان المشاهد ودفعه للتعاطف مع تلك البراميل المسكينة والتي كانت تتحمل كل ما يقذف بجوفها من أجل الحفاظ على الشارع وعلى صحة أصحاب الحي ورغم ذلك لم يكن لها أي قيمة, وإذا عدنا للهدف البعيد المدى وجدانياً وعقلياً ووصول المبدعين من مخرجين أو مؤلفين أو فنانين تشكيليين لايجاد لحظة التحريض والشعور بالصدمة كوسيلة لإعادة صياغة الأشياء وترتيبها من جديد فلن يكون ذلك سهلاً.
وإذا اعتبرنا أن رسم شكل لوردة جميلة أو وجه طفل باسم أو ملامح عذراء في مقتبل العمر- أصبح أمراً هامشياً في عصر طمست فيه أقل درجات المشاعر والأحاسيس وأصبح الإنسان فيه يتعامل مع عناصر التدمير والارهاب فإن عرض الزبالة أكثر تأثيراً وايجاد صدمة مرتدة من الواقع المفعول به إلى الفاعل وهو الإنسان ستكون أكثر أثراً وتأثيراً في النفس للعودة وطرح السؤال لماذا؟ وكيف؟ ثم يأتي السؤال إلى متى؟, هذا الاسلوب من المعارض والاستفادة من المؤثرات وكيفية التعامل معها لا يجيدها إلا نوعية تمتلك الشجاعة, ويقابل من مجتمع يمتلك بقايا من الشعور بالمسؤولية فتوقظ في النفس الاحساس مرة اخرى بمعنى الجمال الذي لم يعد واضحاً في ظل الطفرة الكاذبة من المكياج والصبغات الحاملة لكل ذرات التلوث في عالمنا الصناعي.
لهذا لم تعد تلك الأشياء التي تستوقفنا في المعارض العالمية بذلك الاسلوب الكاشف لأعماق الحقيقة ما يثير علامات الاستغراب بقدر ما تجعلنا نحمل علامات الاعجاب.
هذه ليست دعوة لابتذال الإبداع ولا للتقليل من العمل الحقيقي الواعي بقدر ماهي مقارنة ووقوف مع القدرات الغريبة والهامة في معترك الحياة الإبداعية والتي أصبحت متغيرة بسرعة تغير نمط الحياة المعاصرة.
محمد المنيف