Thursday 29th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 16 ربيع الثاني


يكفي ما خسرناه,,!!
د, فهد حمد المغلوث

بشكل او بآخر نتصرف أحيانا تصرفات لا تتناسب مع شخصيتنا الحقيقية، ولا تنم عن طبيعتنا التي تعودنا عليها وعرفنا الناس من خلالها, والانسان منا حينما يمارس هذه التصرفات ربما يتضايق منها لدرجة قد يكره نفسه خصوصا اذا كانت مثل هذه التصرفات تضر بالآخرين وتسيء الى اقرب الناس الى قلبه,, ولكن عزاءه انها رغما عنه او مفروضة عليه او انه وجد نفسه فجأة يمارس دورا لا يليق به نتيجة الضغوط المفروضة عليه والظروف القاهرة من حوله والمواقف المهينة المحرجة التي يتعرض لها.
ولكن مهما كانت الظروف صعبة من حولنا، ومهما كانت المبررات، فهذا لا يعطينا الحق - على الاقل تجاه انفسنا - في ان نخسر أعز اصدقائنا الذين كلفتنا صداقتهم الكثير من عمرنا.
مهما كانت الضغوط قوية علينا، فهذا لا يعني الا نعترف بالخطأ تجاههم، ولا يعني ان نكرر الخطأ ونتمادى فيه ولو بصور واشكال مختلفة بل ولا يعني هذا الا نصحح الخطأ معهم ونعتذر اليهم.
صحيح ان الاعتراف بالخطأ قد يكون صعبا على النفس ومهينا للبعض ممن يجدون فيه انتقاصا لشخصيتهم وكرامتهم او رجولتهم - ان كانوا رجالا - واذا كان الامر كذلك، فينبغي ان ندرك ان هناك بدائل اخرى لتصحيح الخطأ تجاه الغير غير الاعتراف المباشر والصريح بالخطأ وجها لوجه مع من اخطأنا في حقه,هناك بدائل اخرى وعملية ايضا، منها ان نخفف من قسوتنا وتحاملنا عليهم، ان نعرف ماذا يضايقهم منا وماذا يودون ان يرونه فينا، ان نقلل من مقاطعتنا لهم، ان نستغل المناسبات الجميلة النادرة لتكون بداية جديدة لطي صفحات الماضي المؤلمة وذلك من خلال حضورها كي نراهم فيها ونبتسم اليهم ونسلم عليهم ولو من بعيد والا نقاطع تلك المناسبة فقط لأن فلان سوف يحضرها او ان له علاقة بها من قريب او بعيد.
اعرف انك قد تقول - والآن بالذات - وكيف يكون ذلك وقد اهانني؟
كيف يكون ذلك وهو لا يريدني ولا يتقبلني,؟ بل كيف يكون ذلك وانا لا اريد رؤيته لانه تسبب لي في ألم كبير لا يعلم عمقه سوى الله,؟
وانا لا انكر هذا ولا استغربه,, ولكن كيف اريد ان اتغير واتخلص من هذا الالم وانا واقف مكاني لا اتحرك؟ لا ابادر, ولا اتخذ خطوة ايجابية لأريح نفسي عناء التفكير فيما يجلب الهم والحزن لي، كيف اطلب من غيري ان يساعدني وانا لم اساعد نفسي؟ بل لماذا لا اكون انا الافضل والمبادر على الاقل ليصفو قلبي من ناحيته؟
يا سبحان الله, القلب حينما يكون متحاملا على احد او مشغولا بأمر ما محزن لا يستطيع صاحبه ان يستمتع بشئ مهما كان لكنه حينما يتخلص مما يثقل كاهله من هموم، فإنه يبدأ في اتخاذ الخطوة الصحيحة، وما علي انت وانا وغيرنا هو ان نهزم تلك الشخصية المتحاملة الحاقدة بداخلنا وان نجبرها على الخنوع والخضوع والركوع امام رغبات التسامح الحقيقية والتضحية التي هي جزء منا وموجودة بداخلنا اصلا.
نحن بحكم انتسابنا لهذه الحياة التي نعتبر جزءا منها، وبحكم تعاملنا مع غيرنا في كل الجوانب، بل وبحكم طيبتنا الزائدة احيانا التي تعودنا عليها واصبحت جزءا اساسيا من تكويننا، فإننا نخسر الكثير والكثير جدا,,! وليس المال هو ما نقصده - وان كان مهما - ولكننا نخسر اشياء اخرى,, نخسر انفسنا اولا وقبل كل شيء وهنا الطامة الكبرى!
نخسر اشياء لا تعوض بسهولة، اشياء مؤلمة نفتح بداخلنا جراحا غائرة لا تفتأ تنزف في كل مرة لمجرد تذكر خسارتنا,, تلك الخسارة هي فقدان الاصدقاء واعز الاقرباء - او من نعتقد انهم كذلك.
فقدان اناس كنا نعتقد انهم لا يسيئون الظن بنا في يوم من الايام ونحن من نحن بالنسبة لبعضنا, اناس كنا نعتقد انهم سوف لن يبيعونا بأقل الاثمان ويفرطوا بنا بسهولة ومن اول موقف بيننا وقد لا نكون نحن سببا فيه لأن ما بيننا من صداقة طويلة هي عمرنا الذي نعيشه الآن لا تسمح لنا حتى مجرد التفكير في الاساءة,, وفي من؟ في اقرب الناس إلينا ومكمن اسرارنا؟
ولكن هكذا هي الحياة لا تصفو لأحد، ولا تستقر على حال,! تعطيك من السعادة طرف خيط لتغريك وتجذبك اليها,, تجذب اليك طرف الخيط او حينما تتوسط في السعادة تقطع بك الحبل من المنتصف لتتركك في منتصف الطريق او في طريق مسدود تجعلك في حيرة من امرك أو انها تغتال تلك السعادة منك وتئدها وهي في مهدها، وللله في خلقه شؤون.
شيء مؤلم بالفعل ان يقاطعك صديقك وتلتمس له الاعذار، وتطول مقاطعته لك فيزداد شوقك اليه لأنك تحبه بصدق، وتمر الأيام وانت تريد ان تراه او تسمع صوته وحينما تراه او تسمع صوته عبر الهاتف مثلا او اي وسيلة اخرى وفي الوقت الذي تنتظر منه ان يعتذر ولو بابتسامة - عن غيبته او عن سوء ظنه بك - ان كان هذا حدث فعلا - واذا بك تصدم لأنه بدأ بإرسال سيل من الاتهامات وانك السبب في كل شيء وانك وانك، هنا ومن هول الصدمة لن تسكت فقط بل ومن دون ان تشعر تحس بالدموع الحارقة تذرف من عينيك لتبلل وجنتيك، وربما امضيت يومك على هذا الحال المؤلم.
نعم هذا هو رد الفعل الطبيعي لموقف كهذا لدى البعض منا حينما يصدمون في اصدقائهم وحينما يكتشفون انهم ودعوا أعز الناس الى قلبهم رغما عنهم لأن هؤلاء الغير هكذا يريدون,.
اتمنى بالفعل ألا يصل احد منا لهذا الموقف وتلك المرحلة، ولكن الحياة ليست اماني فقط، هناك اشخاص مروا بهذه التجربة المؤلمة والموقف الذي لا يحسدون عليه وما زالوا يعانون آثاره ويتمنون الخروج منه لأنه يسبب لهم التعب النفسي, ولكن يكفي ان تعلم انه ليس كل الاصدقاء هكذا ويكفي ان تلتمس له العذر ولنفسك ايضا لأنك لست انت سبب هذه القطيعة ولست ممن سعوا إليها وحرصوا عليها بل يكفي ان تعلم ان حزنك هو دليل على انك ما زلت تحب هذا الانسان وما زلت متمسكا به وحريصا على ان تعود المياه لمجاريها الطبيعية .
اما هو فإن كان باقيا على بقية من حب ومودة وصداقة فسوف يكون محظوظا بك، بل يكفيه انك ما زلت مصرا على الاحتفاط به لا تحمل له في قلبك سوى المحبة والمودة والوفاء، وتذكر ان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.
همسة
أنظر الينا كيف اصبحنا كالغرباء!
ونحن أكثر من اقرباء واصدقاء,!
كيف اصبحنا متخاصمين كالأعداء!
متناثرين كالأشلاء!
كبيرة بيننا المسافة!
كمساحة صحراء جرداء!
بحاجة لعشبٍ وماء
***
انظر لعلاقتنا كيف اضحت جوفاء!
كيف تبخرت في الهواء,!
كيف تطايرت في الفضاء!
لا خبر عنها ولا أنباء!
ترى أكان ما بيننا هراء؟!
أم محض افتراء,؟!
***
انظر كيف أصبحنا كالفرقاء,!
نتحاشى اللقاء,!
نعيش اجزاء اجزاء!
ضعفاء بحاجة لوسطاء!
يعيدون الينا بعضا من الاجزاء!
هي ما تبقى من حرمة الاصدقاء!
من خسارة الاقرباء!
فيا له من عزاء!
أهذا فعلا ما تريد؟
حتى المناسبة التي تجمعنا,.
من يفترض ان تقربنا من بعضنا,.
اضحت تباعدنا وتفرقنا!
تضايقنا وتكدرنا!
وكأن شيئا لم يكن بيننا !
أ إلى هذا الحد وصلنا ؟
يا الله !
***
أين تلك الصداقة المزعومة,.
التي كانت تربطنا,؟
اين ايام الطفولة البريئة
التي جمعت بيننا,.
نُسيت؟ هكذا بسهولة,؟
ذهبت غير مأسوف عليها؟
يا لها من دنيا !
***
ولم كل هذا ؟
لم هذا التجافي والصدود,.
لم هذه الاسوار والحدود,.
ولصالح من كل هذا ؟
ألا تذكر ؟
لم نكن يوما سوى لبعضنا,.
فمن لنا غير بعضنا
من غيرنا يهمه أمرنا؟
***
ارجوك,.
يكفي ما ضاع من عمرنا ,.
نريد ان نعود لسابق عهدنا,.
أن نعيش ما تبقى من عمرنا,.
كما كنا,, كما تعودنا,.
يجمعنا الحب والوفاء,.
يربطنا الود والصفاء,.
عنواننا الصدق والولاء,.
***
لا يهم ,, من اخطأ في حق الآخر,.
لا يهم,, اينا يمد يد المصافحة اولا,.
لا يهم ,, كيف وأين,.
المهم ,, ألا يطول انتظار العودة.
ان نعوض ما فات,.
فيكفي ما خسرناه,.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
شعر
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved