Thursday 29th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 16 ربيع الثاني


جماليات لغة التشكيل في بناء الشعرية
قراءة في ديوان أسماء وحرقة الأسئلة للشاعر صالح الحربي

غالبا ما يكون التشكيل بعداً مفردا في بناء الشعرية خاصة عندما يمور التشكيل في التكوين الصوري والتجسمي للروح الشعرية مما يجعلهما - اي الشعرية والتشكيل - متجاورين وقابلين للتحرك معا نحو شرفة جمالية صورية متحدة في الكون الشكلاني غير انا نظفر في حالات ابداعية كثيرة بلقى تشظي البعد المفرد ليصير التشكيل خلقا جماليا شاملا لشتى ابعاد الشعرية ذلك عندما تنبني الشعرية على بساتين لغة التشكيل بمعنى إثمارها جماليا عبر جدلية مشتبكة في الجذور بين روحي التشكيل والشعرية وهكذا تصبح لغة التشكيل ماء البنية التي تعجن بحساسية فنية ناصعة لا هيكلة صورية لشعرية او تجسيما مثيرا للحواس وحسب, وثمة حالات شعرية كثيرة تنبض بيناعة إثمار التشكيل للشعرية انما سنقف عند ديوان اسماء وحرقة الاسئلة للشاعر صالح الحربي كانموذج يتملك امتاعا يقوى على جذبنا لتملي تجليات لغة التشكيل في بناء الشعرية التي تتصل بمعنى بلاغي للجمالية:
(أيها الزمن العنيد
تباغتني
خطى القصيدة.
***
تجري في جسدي
في رحم
الشمس العذراء
والكلمات
والقمر
أتكىء
على زمن
يلهو
بالبيضة والحجر)
ان لغة التشكيل في بناء قصيدة الحربي تناغم لغة ذاته الجمالية حيث تتمازج اللغتان في توقيعة شعرية يتجانس نسيجها الجمالي عبر اتحاد روحها فتحضر الذات في القصيدة ليصير فضاؤها مجالا حيويا (للاثر الاصل) الذي يعني جدل الانا والاخر حيث الانا يمتلك هويته عندما تتحد هوية الآخر مما يجعل التشكيل في عمق بناء الشعرية دراما انوجادية للكائن والشعرية معا في تشكيل أمّ تومىء صورته في حركتها الداخلية بذات الشاعر عبر مقابل طبيعي:
(ينبت
في القلب
غصن أخضر
يتفرع
حتى يصل
الى راحتيك
ثم يذبل)
***
(على شفتي
تدلت
عناقيد الكلمات
ياترى
من يحصد الثمار)
هكذا تغدو الذات بجهات كونها لغة استعارية من بلاغة كينونة الطبيعة الصورة المضاعفة الحياة حيث الشكل ينبض بحياته ولاروح تنجلي عن حيوات اخرى تمدها الى فضاءات تمس معنى ميتافيزيقيا,, ويضاعف صالح الحربي ذاته عبر اسئلتها الكونية والمصيرية في عالم القصيدة التي تتحول الى عوالم شفافية تتجلى بقيامتها عبر السؤال الذي يشكلها سياقا تأويليا جماليا:
(أي حلم
هذا
الذي يعانق
كف السماء
فيداعب
الغيوم
ويناجي المطر)
هكذا يصبح الحلم سرا تكوينيا لوجود الشاعر الذي ينبضه جسد القصيدة فتتنفس هواءها الحر من كونه المنوجد عبر مخيلة السؤال وغالبا ما تتجول لغة التشكيل الى خلاص جمالي لدراما ادهاشية تفور بتجلياتها الجمالية:
(الظلمة
تبلعني
تجرجرني الى رحمها
بعد
تسعة شهور
يباغتها
المخاض
فتنجبني
بولادة قيصرية)
ان القصيدة التي تنرسم عبر لغة من توتر الرؤيا وتصاعدها نحو ذراها التي تتراها ظلال لحلم كأنها تكشف خلاص شعريتها الجمالية عبر سكب الشاعر لوهجه من خلال حلولية وجدانية في مسام القصيدة التي تتلبس في هذه الحالة قميصا فريد اللون، والنسيج الذي يمنحها فرصة لفتح ضفافها على بهاء خاص ينضحه الخطاب الشعري الذي يتخضب في بوتقة تشكيلية للحلم والواقع في شتى شرايينه الثقافية وأوردة حساسية الفن الناضج النافذة الى عمق طيات التدليس المعاش واقنعة الهزيمة الوجودية التي تتولد قرنيا بشكل ذاتي:
(بقلب خانته
الغيوم السوداء
وبأنامل
تداعبها الريح
وبخيوط
بالية مهترئة
وبإبرة
عاشرها الصدأ
أخيط
خارطة العالم العربي الممزقة).
ان الشاعر صالح الحربي وهو يغوي قصيدته للانبثاق من روح التشكيلة كلغة مائية معهودة بحسن عجنها لمخيلة جمالية فريدة حريص على تأكيد جذوة الانسان الجمالية التي لا تخمدها هيولى الغوايات الفنتازية التي تسوق الشعرية الى مدافن زجاجية انه بلغة التشكيل التي تبني كون الشعرية يسعى الى ايقاظ الكامن السحري عبر الخلاص الجمالي للقصيدة وتلك رحلة في احدى شعاب فردوس الحلم الذي نصله فينا هواء عندما نحاول القبض عليه.
خالد زغريت

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
شعر
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved