Thursday 29th July, 1999جريدة الجزيرة 1420 ,الخميس 16 ربيع الثاني


وراقيات
الأدب الأمريكي وخاصية الهروب
أحمد زين

الكتاب: حوارات في الفلسفة والأدب
المؤلف: جيل دولوز - كليربارني
الترجمة: عبدالحي أزرقان - أحمد العلمي
الناشر: افريقيا الشرق
يطرح هذا الكتاب حوارات في الفلسفة والادب والتحليل النفسي والسياسة، يطرح مسألة الهروب كعلامة أو ميزة يتفوق بها الادب الانجليزي الامريكي على الادب الاوروبي والفرنسي منه تحديدا, والهروب كما هو مطروح هنا ليس كما ألفه عامة الناس، على انه خروج من العالم، سواء كان صوفياً او فنياً.
او انه نوع من التخاذل، لاننا نتجنب الالتزامات والمسؤوليات، بل هو النقيض من ذلك، ليس الهروب بتاتا العزوف عن النشاط، اذ لا وجود لشيء اكثر نشاطا من الهروب, انه نقيض المخيال, كما يمكن اعتباره تهريبا لشيء ما، ليس بالضرورة تهريب الاخرين انه تهريب لنسق ما مثلما نفجر انبوبا, يقول المؤلف: الهروب هو رسم خط او خطوط، اي رسم خرائطية بأتمها ولا تكتشف العوالم الا بواسطة هروب طويل مكسر، لا يتوقف الادب الامريكي الانجليزي عن هاته التكسيرات، وهاته الشخصيات التي تبدع خط هروبها وتبدع بواسطة خط الهروب، امثال طوماس هاردي وميلفيل وستيفنسون وفرجينيا وولف وتوماس وولف ولورانس وفيتزجيرالد,, ويرى ان الادب الامريكي يعمل وفق خطوط جغرافية: الهروب نحو الغرب، واكتشاف كون الشرق الحقيقي موجودا في الغرب، وكون معنى الحدود بمثابة شيء ما ينبغي تخطيه وابعاده وتجاوزه في حين ان الفرنسيين كما يرى اليهم يبالغون في الجانب الانساني والتاريخي، ويبالغون في الاهتمام بالمستقبل والماضي, اذ يقضون وقتهم في تحديد النقاط المشكلة للوضع لايعرفون مزاولة الصيرورة, لا يعرفون رسم خطوط، واتباع قناة, لا يعرفون شق الجدار وبرده, انهم شغوفون بالجذور والاشجار والسجلات ونقاط التشجير والخصائص, ويستشهد على ذلك بالبنيوية اذ يقول عنها: انها نسق من النقط والوضعيات يعمل عبر قطيعات كبيرة تعتبر ذات دلالة، عوض العمل بواسطة دفعات او تصدعات؛ نسق يوقف خطوط الهروب، عوض اتباعها ورسمها وتمديدها داخل حقل اجتماعي.
واستطرادا لتعيين الهروب وجعله واضحا في معناه غير المألوف نقرأ: لا يعني الهروب السفر بالضبط، ولا حتى التحرك اولا لان هناك اسفارا على الطريقة الفرنسية يطغى عليها الطابع التاريخي والثقافي والتنظيمي، حيث نكتفي بحمل آناتنا ثم لان الهروب يمكن ان يتم في المكان الواحد او في سفر ساكن.
وثمة استعانة ب توينبي لتحديد معنى الرحل؛ ان الرحل، بالمعنى الدقيق، وبالمعنى الجغرافي، ليسوا بمهاجرين ولا بمسافرين، وانما هم على العكس من ذلك اولئك الذين لا يتحركون، اولئك الذين يتشبثون بالسهب، اللامتحركون ذوو الخطى الكبيرة السائرون فوق خط هروبي ملازم للمكان الواحد، هم المبتكرون الكبار للاسلحة الجديدة, يحاول المؤلف التمييز بين الهروب والسفر، ومع ذلك يظل الهروب عملية غامضة ما الذي يؤكد لنا عدم الوقوع من جديد فوق خط الهروب، على كل ما نهرب منه؟ ألن نجد من جديد، بهروبنا من الأب والأم الازليين، كل الاشكال الاوديبية فوق خط الهروب؟ فبهروبنا من الفاشية، نعثر من جديد على تصلبات فاشية فوق خط الهروب,
الكتابة الابداعية من حيث هي رسم خطوط هروبية ليست خيالية، من الممكن ان تكون في علاقة اساسية مع خطوط الهروب وعندما ترسم الكتابة خطوطها الهروبية نكون مجبرين، حسب المؤلف، على اتباعها، لان الكتابة تلزمنا بها تقممنا فيها: ان نكتب مفاده ان نصير، ولكن لا يعني لك ابدا ان نصير كاتبا، وانما ان نصير شيئا، آخر,, تكون الصيرورات المتضمنة داخل الكتابة شيئا آخر تماما حينما لا تعتنق الاوامر السائدة، فترسم هي ذاتها خطوطا هروبية وهي بذلك، أي الكتابة، تلتحق من تلقاء ذاتها بالاقليات الهامشية هذه الاقليات التي يقول عنها المؤلف انها لا تكتب بالضرورة لنفسها والتي لا نكتب عنها كذلك، اي لنتناولها كموضوع، ولكنها تجرنا اليها، في مقابل ذلك، عن كرة او عن طواعية، لمجرد اننا نكتب, في مكان آخر يتساءل او نقرأ هذه التساؤلات: ما هو هدف وغاية الكتابة؟ فيقول المؤلف: هناك وراء صيرورة - امرأة، وصيرورة - زنجي، وحيوان، وماوراء صيرورة - هامشية، المشروع النهائي المتمثل في ان يصير المرء غير مُدرَكا, بلى، لا يمكن ان يتمنى كاتب ما ان يكون معروفا ، او معترفا به,, ليس لفعل الكتابة غاية اخرى من غير فقدان الوجه، وتخطي الحائط او ثقبه وبرده بصبر تام, ذلك ما كان فيتزجيرالد يسميه الكسر الحقيقي: اي رسم خط الهروب, ولا يعني السفر في بحار الجنوب، وانما اكتساب سرية,, وان نكون اخيرا مجهولين كما حال قليل من الناس، ذلك هو الخيانة, انه لامر صعب جدا ان لا يُعرف المرء بتاتا ولو من طرف حارسه في العمارة او وسط حيه, ان الهروب او ان معنى الهروب الحقيقي لا يكمن في الهروب من الحياة، اي الهروب عبر المخيال او الفن, لكن الهروب، كما يطرح المؤلف مرة أخرى هو انتاج واقع، وابداع الحياة، وايجاد سلاح, ان اختزال الحياة في شيء ما شخصي وافتراض كون العمل الإبداعي يجد غايته في ذاته - اما كعمل ابداعي كلي، وإما كعمل إبداعي في طور الإنجاز يميل دائما على كتابة الكتابة, من هنا فالمؤلف يرى ان الادب الفرنسي مليء بالبيانات، والايديولوجيات ونظريات الكتابة، ومليء في الوقت نفسه بالنزاعات الشخصية,, غالبا ما يكون الادب الفرنسي المدح الوقح للعصاب.
كان لورانس يأخذ على الادب الفرنسي كونه روحيا، وايديولوجيا ومثاليا بشكل لامجال لمعالجته، ونقديا بشكل كبير، ولكنه كما هو مطروح هنا، نقد يحمل على الحياة عوض ان يبدع الحياة نقد للحياة عوض ايداع الحياة، نعود مرة اخرى لهدف الكتابة الى حيث يناط بالكتابة حمل الحياة الى حالة قوة غير شخصية؛ من هنا تتخلى الكتابة عن كل موطن، وعن كل غاية تكمن في حد ذاتها,, ليس للكتابة وظيفة اخرى غير ان تكون سيولة تقترن بسيولات اخرى، ان السيولة شيء تكثيفي وآني ومتنقل بين الابداع والتعظيم لا تستطيع سيولة ما ان تقترن مع سيولات اخرى الا عندما تصبح مغادرة وطنية.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
شعر
تقارير
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved