Thursday 5th August, 1999 G No. 9807جريدة الجزيرة الخميس 23 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9807


ضحى الغد
تخليص اللبن من الماء!

لماذا نسبة النساء اللاتي يتوهمن انهن اصبن بالعين او بالسحر او مس الجان اكثر من نسبة الرجال الذين يدعون ذلك؟! ولماذا هن اكثر مراجعة لطلبة العلم الذين يفتحون مجالسهم لرقية الناس؟ وماهي النسبة الحقيقية للمصابين بالعين او بالسحر او مس الجن بين من يدعون ذلك من النساء والرجال؟ وكم هي نسبة المؤهلين واصحاب التجربة الحقيقية واهل الزهد والقبول بين من يجلسون للرقية ويعتبرون انفسهم اهلاً لها؟ لقد وضح بعد سماع تجارب الآخرين ان نسبة كبرى لمن يعتقدون اصابتهم بهذه الامراض انهم واهمون، وان لديهم مشاكل اجتماعية ونفسية مزمنة متكيسة عجزوا عن حلها وانه لاعلاقة لامراضهم النفسية بالسحر والجن والعائينين! وانه حين قدر لهم مراجعة بعض المقرئين تأثروا ايحائيا بقولهم وبمن حولهم من المرضى، فوجدوا ان توهم ذلك هو اسهل المبررات والاسقاطات لحل مشاكلهم المكبوتة داخل النفس!
وقد تلاحظ ان بعض النساء اللاتي يتوهمن ان الجان يتكلم على السنتهن، انهن اسيرات التأثر والايحاء وانهن يجدن في هذا الادعاء حرية لكي ينطلق العقل الباطني من اساره فتقول احداهن مالا تستطيع ان تقوله في حال واقعها لاعتبارات وطأة الكبت الذي تعيشه، كما ان بعض النساء ترى في احالة مرضها الى الجان مبرراً اسقاطيا يجنبها دعوى انها مصابة بمرض نفسي، نظراً لان مجتمعنا يربط بين المرض النفسي والمرض العقلي، فمسألة ان بها مسا اوعينا اوسحراً اهون عليها من ان توصف بانها قد (جنت)!
وكثير اليوم من القراء الذين تجمهر عليهم الناس اكتشفوا بعد سنين ان النسبة العظمى من المراجعين هم واهمون، وان نسبة المصابين بالعين او السحر او مس الجان، نسبة نادرة، وقال لي احد القراء: انك لاتجد في المئة من المراجعين مريضاً واحداً، وهذا القارىء الصادق مع نفسه ومراجعيه انفض الواهمون عنه، لانه لم يستدرجهم لمصلحته الخاصة، ومضوا يبحثون عمن يُصدق وهمهم ويؤكد ظنونهم! وقال لي هذا القارىء: إنه يأتيه بعض المرضى، فيخرج بتشخيص آخر غير الذي يتوقعه! وقال لامرأة تظن انها مسحورة: ليس واقعك كذلك، إن لديك تنفيسا في الرأس سببه مرورك بحالة ولادة، او بحالة تفكير وزعل شديدين! وقال: إن كثيراً من مشاكل النساء النفسية سببها هذا التنفيس في الرأس (الوشره) واعالجه بصبخة عشبية على الرأس وقد احتاج الى تكرارها مرة اخرى وربما استدعى الامر كي الرأس، وقد شُفي بحمد الله كثير من المرضى بعد تطبيقهم للعلاج!
وقالت لي احدى النساء التي راجعت امرأة تفتح منزلها لعلاج النساء بالرقية الشرعية، ان بيتها يزدحم بالنساء اللاتي يصرعن عند قراءة القرآن، ويتكلم الجان على لسانهن، وان بعض النساء يتركن القارئة ويسألن المصروعة عن اسباب امراضهن؟! على اساس ان الجان المتكلم على لسانها يعرف من الذي سحرهن او عانهن! وهذه مخالفة شرعية واضحة! ثم من يصدق ان كل هذا الجمع من النساء كلهن بهن مس من الجن او العين او السحر! فأين اذن نصيب الامراض النفسية والعضوية وهو واقع مدرك بالتجربة والبرهان والدليل! لقد ادرك كثير من القراء اهل الفراسة والتجربة بعد طول خبرة في القراءة، ان كثيراً مما يتوهم الاخرون انه كلام الجان على لسان المرأة ليس سوى وهم،وانه مجرد حالة هيستيرية نفسية ايحائية تلبست المرأة! ولايعني هذا استحالة وقوع المس، بل هو حقيقة واقعه، وكتب التراث تشهد عليها، والواقع يشهد على حالات كثيرة شفيت -بإذن الله- حين قرأ عليها قراء اخلصوا دينهم لله واطابوا مطعمهم، ووهبهم الله هذا الفضل،ومنحهم الاجابة والقبول، وآخر حالة قرأتها، مانشرته جريدة الجزيرة يوم الجمعة الماضي 17-4-1420ه ع9801 في آفاق اسلامية تحت عنوان : شفاء اختي من الارواح الشريرة بالقرآن جعلني اسلم والحديث لرجل هندي كان هندوسيا فاسلم بتأثير حادثة وقعت لاخته التي اصيبت بمس الجان ففشل الهندوس في علاجها وعالجها المسلمون بالرقية الشرعية.
فلايشك مسلم بان كتاب الله شفاء، والدعاء شفاء، ورحمة الله شفاء، وان لله خواص في الازمنة والامكنة والاشخاص .
ولكننا نريد تخليص اللبن من الماء، تجريد حقيقة المس والسحر والعين، من الوهم والادعاء، وجعلها هي السبب الوحيد، مع الغاء الاسباب الاخرى المتيقنة! وذكر لي تاجر في السوق، ان احد القراء الذي فتح بابه للقراءة، اشتري ثمانمائة كيلو من العسل، ومعنى هذا انه سيقرأ عليها ويبيعها لمراجعيه على انها عسل قريء فيه، وهذه واحدة من الاخطاء التي يقع فيها بعض المنتسبين لهذه المهمة الجليلة التي لاتزكوا الا بالايمان والصدق والزهد والرغبة بما عند الله لابما عند الناس! وقال رجل من القراء لشاب تجاوز الثلاثين، يدخن ومر بحالة نفسية شديدة بعد وفاة قريب له ادت الى حدوث ازمة قلبية عنده: انه مصاب بالعين، ورقاه الرقية الشرعية لعلاج ذلك! ولست ادري كيف يوهمه بذلك، وبيانات مرضه العضوي المشخص باشعة المستشفى تشهد على وجود النوبة القلبية! واراني هذا المريض ذراعه، وقد رسم القارىء دائرة عليه على انها موقع اصابة العين!! ان كتاب الله شفاء من كل داء متى تم استصحاب النية وصدق الدعاء واطابة المطعم وحسن الاتصال بالله، فإن الله يختص برحمته من يشاء وهو على كل شيء قدير سبحانه، بيده شفاء المرضى باسباب وبدون اسباب، قال تعالى : واذا مرضت فهو يشفين , والواجب على المعالج بالرقية الشرعية ان يخلص النية، ويجرد عمله لله، ويقرأ على المريض ويحاول فهم وتشخيص مشكلته، فان وجدها مسا اوسحراً اوعينا واصل الرقية، وان وجد اسبابها تعود الى اسباب نفسية او عضوية فان الواجب ان ينصح المريض بفعل الاسباب العلاجية المباحة، مع توصيته بتقوى الله،وقراءة القرآن الكريم والدعاء الخالص لله، مع فعل الصدقة وتجنب الذنوب، وهذا الفهم والفرز لاسباب المرض لايصل اليه كل معالج بل من منحه الله الفراسة والتوفيق، وقد قيل:
قاض اذا التبس الامران عنَّ له
امر يخلص بين الماء واللبن !
والرسول صلى الله عليه وسلم، وجه المؤمنين الى التداوي في احاديث منها:(تداوو يا عباد الله ولاتتداوو بحرام).
وتجد في مجتمعنا فهما شائعا خاطئا وهو ان ادوية الطب النفسي تعطي نتائج سلبية وان المريض اذا تناولها لعدة ايام تعود عليها، فإن تركها تدهورت حالته النفسية! وهذا تصور شائع مستوطن في عقول الناس لن يغيره الرد عليه، ولكن عرض الحالات الناجحة في الطب النفسي هي من افضل الاجابات عليه! لقد تنامى في العقدين الاخيرين بمجتمعنا كم هائل من المعلومات عن ثلاثي (السحر، العين، المس) غذته روافد كثيرة منها بعض النساء اللاتي لم ينلن حظاً كافيا من التعليم، ومنها هذا السيل المنهمر من المؤلفات المتعلقة بهذه الموضوعات التي وراءها دور نشر خارج بلادنا همها الربح فقط بعد ان حللت ودرست نفسية المتسوق الذي يشتري الكتاب في بلادنا! ومن هذه الروافد ايضا بعض الجالسين للرقية الذين لايأتيهم مراجع الا قالوا له ان لديك (سببا اوعملاً اوعينا)! ومنها ان هذا الثلاثي لايخضع للرؤية ولا للسماع ولا للتطبيق المعملي، فالتحميل عليها والظنون فيها ورد كل اصابة اليها لاتكلف متأولها دليلاً يطالب به!
والحق اننا محتاجون الى لجنة من العلماء ذوي البصر والبصيرة في امر الرقية الشرعية، يرجع اليهم الاذن لمن يريد ان يعالج بالرقية الشرعية حتى لايكون الميدان عرضة لمن ينتسب الى هذا الامر وهولا يجيده فيسيء اكثر مما يحسن ويخطىء اكثر مما يصيب!
ومشكلتنا في عالم الطب عموماً ان كل اهل مجال فيه يلغون الاخر، فالطبيب المتخصص في طب العقاقير لايقبل اجتهادات طب الاعشاب، وطبيب الاعشاب يحذر من العقاقير والادوية ويصفها بالكيميائية! وبعض المعالجين بالرقية الشرعية لايوصون بمراجعة الطبيب النفسي، وطبيب الصحة النفسية مثل ذلك! وكل اهل مجال يلغون الاخر، بينما المجتمع يحتاجهم جميعا، ولكل واحد وسائله واساليبه، وجميعهم يفعلون الاسباب، لكن الارادة العليا في الشفاء بيد الخالق سبحانه، والواجب ان يتقن الانسان تخصصه، وان لايفتي بغير علم في تخصصات الاخرين التي لم يطلع عليها ولم يُطبق فيها !
عبد الكريم بن صالح الطويان

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved