Thursday 5th August, 1999 G No. 9807جريدة الجزيرة الخميس 23 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9807


العرس الذي أضحى مأتماً!!
د, فهد حمد المغلوث

من أقسى الآلام التي يتعرض لها الانسان ومن أحلك المواقف التي يواجهها في حياته فقدانه وخسارته لأعز الناس وأقربهم الى نفسه وبالذات فلذات كبده وحشاشة جوفه، في وقت يحتفل معهم بأحلى لحظات عمرهم, ثم فجأة يفتقدهم دون مقدمات! ومن أعز إلى نفسك من انسان تُحبه وترى فيه الحياة بكل جمالها ومستقبلها وطموحها واقبالها؟! من؟
نعم من أقسى تلك اللحظات على الانسان ان يصله خبر وفاة من يحب ورحيله عن الحياة فجأة وبصورة درامية متسارعة لا تدع له مجالاً حتى في التفكير في صحة الخبر او التأكد منه وفي يوم عرسه! وهذا بالفعل ما حدث من اسبوع حينما نُكبت القديح بمحافظة القطيف بكارثة الحريق المفاجئة التي اودت بحياة ارواح بريئة كثيرة اتت لتشارك غيرها الفرحة، ولكن هكذا هي الحياة تفاجئنا على حين غرة بما نكره وتسلبنا اعز ما نملك وتدمي قلوبنا ولا نملك سوى الصبر والاحتساب إلى الله لانه خير عزاء ولاننا لا ندري ماذا يخبئ لنا القدر.
تزول عن الدنيا فإنك لا تدري
إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من صحيح مات من دون علة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى امسى وأصبح ضاحكا
وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
وكم من عروس زينوها لزوجها
وقد نُسجت أكفانها ليلة البدر
إنها بالفعل كارثة بكافة المقاييس، كارثة تجعلك تحزن بشدة وتتألم من كل قلبك وتعيد النظر في هذه الحياة الفانية غير مأمونة الجانب!
لقد كنت هناك في قلب الحدث وسط مسرح الاحداث بعد حدوث الكارثة، زرت تلك القرية المنكوبة لأرى بنفسي عمق الكارثة، ولأشعر بعمق المأساة، ولأعيش حالات الألم التي عاشها ويعيشها حتى الآن اسر الضحايا والمنكوبين عن قرب وهذا ما كان بالفعل، دخلت القرية فرأيتها متشحة بالسواد ليس على النساء فحسب ولكن على المباني والجدران، كان الحزن مخيما على القرية بكل ما فيها ومن فيها، كانت رغم الفاجعة التي ألمت بها كان يلفها الصمت المطبق وتعلوها وجوه حزينة هدّها سماع الخبر وأعياها ترددها لمكان دفن موتاها لتودعهم الى مثواهم الاخير بشكل جماعي مؤثر ولما لا؟!
نعم لم لا يكون هذا هو حالها وشعورها والخطب جلل؟ تخيل انت نفسك في نفس الموقف ما هو حالك؟ ما هو شعورك عندما تواري الثرى اقرب قريب وأعز عزيز وأحب حبيب ثم تتقبل التعازي فيه ثم تعود بعد يوم او يومين أو أكثر من وفاته لتتلقى التعازي في قريب آخر أو أكثر ثم تنتظر توديع آخر لانه في حالة صحية حرجةجداً الله وحده أعلم بها وهكذا تظل تتردد على المستشفيات بقلب يعتصره الالم لمعرفة آخر الاخبار الصحية لفلذات الاكباد.
إنه الموت حق علينا ولا راد لقضاء الله ومشيئته ولكن تظل الطريقة البشعة التي يموت بها اقرباؤنا مصدر ألم وحزن بل مصدر كوابيس ليلية مزعجة تجثم على قلوبنا، بل مصدر ذكرى حزينة لن يمحي من الذاكرة بسهولة وكيف يمحى بسرعة وسهولة وانت معهم حتى آخر لحظة تشاركهم فرحتهم وسعادتهم؟ كيف؟
تخيل ذلك الشعور المؤلم وانت تبحث بين جثث الموتى لتتعرف على اي منهم قريبك كي تأخذه بنفسك لمثواه الاخير.
وتخيل الشعور الاكثر ايلاما حينما لا تجد امامك سوى جثث متفحمة سوداء طمست معالمها وتشوهت ولم يعد يعرف هويتها بعد، تخيل هذا المنظر امامك الآن فماذا تفعل بالله عليك؟ انه لشعور مؤلم بحق.
والاكثر من ذلك، حتى لو اتصلوا بك بعد ذلك بأيام من التحري والبحث وأخبروك بأن تستلم جثة قريبك او ابنك او ابنتك او زوجتك أو أمك المتفحمة، فهل ستصدقهم، هل ستسلم بما يقولون؟ هل سيرتاح بالك وانت بنفسك يا من عشت مع هذه الضحية سنين طويلة عن قرب لم تعرف هويتها وتحترق من داخلك ولسان حالك يقول: أين أنت يا فلذة قلبي من هؤلاء؟ وكيف أعرف انك أنت؟ شعور حزين ويصعب وصفه او تخيله وانت تبحث عن قريبك في المستشفيات لتعرف مصيره، أهو حي يرزق وبخير ام في حالة حرجة ام انه اصبح في عداد الموتى؟ وهذا ما كان.
فحينما تذهب للمجمع الصحي في القرية ترى اسماء الضحايا معلقة على جدرانه وبجانب كل اسم عمر الضحية والمستشفى الذي يرقد أو يعالج فيه قوائم لا توضع بهذه الصورة وبتلك الطريقة إلا في حالات الكوارث الطبيعية والحروب.
يا لها من لحظات مخيفة تلك التي تبحث فيها عن قريبك لمعرفة مصيره، تطالع تلك القوائم المعلقة ويدك على قلبك ودموعك على خديك والذعر يبدو على ملامح وجهك، وبينما انت تتلفت هنا وهناك إذا بصرخة مدوية من شخص آخر اكتشف لتوه خبر وفاة قريب له او طفل لم يتجاوز عمره السنة بعد، تلك الصيحة المدوية تربكك ولا تعد تملك قواك بل قد يجعلك تعيد قراءة القوائم من جديد ليس لانك بمفردك وتقرؤها على مهلك ابدا بل لأن تعالي الصياح والبكاء من حولك لا يجعلك تتذكر هل شاهدت الاسم أو لا أم إلى اي القوائم وصلت لان الكل من حولك يحاول الوصول لتلك القوائم من اقرب مكان وكأن الانسان من هؤلاء يبحث عن خبر نجاحه في الثانوية العامة او خبر قبوله في الجامعات من خلال تلك القوائم المعلقة ذات الطابع السوداي الحزين! أليست تلك مفارقة عجيبة ومحزنة؟
وان شئت ان تتلمس وقع الفاجعة اكثر وأكثر، فليتك كنت حاضراً وقت تشييع جثمان الضحايا الابرياء لمثواهم الاخير، ليتك شاهدت اولئك الآلاف المؤلفة من المشيعيين لجثمان الضحايا وسمعت تعالي الصيحات والبكاء والدعوات والتكبيرات.
بل ليتك انتظرت قليلا حتى دفنهم في قبور جماعية لا تقام إلى في مثل هذه المناسبات من الكوارث، وليتك شاهدت بنفسك حالات الاغماء التي تجاوزت المائة حالة من فجيعة الموقف نفسه ومن مشاهدتهم للجنائز وهي توارى الثرى لمثواها الاخير.
وهذا فقط في المقابر اما في البيوت فالحال اعظم ولا شك لان الفجيعة اصابت كل بيت وكان الله في عونهم.
يا الله! لقد مرت هذه اللحظات العصيبة بسرعة في حين ان ما خلفته من ضحايا وما أحدثته من جراح غائرة وحرقة في القلوب شيء لا ينسى بسهولة ربما على مر السنين وهذا ما ردده بعضهم لما لا والقرية صغيرة وكل منزل فيه قد نكب بتلك الفاجعة بشكل أو بآخر.
الآن وقد حصل ما حصل وقدر الله وما شاء فعل ولا نملك سوى ان ندعو لاهالي اولئك الضحايا الابرياء بأن يؤجرهم الله في مصابهم ويعوضهم خيراً بل وندعو لكل مسؤول انسان خفف من معانات اسر الضحايا وساعدهم ووقف معهم في محنتهم بداية بالدولة التي سارعت منذ اللحظة الاولى للحريق في افراغ مكان الحريق وتوزيع المصابين على المستشفيات والتكلف بعلاج من لا تستوعبه المستشفيات الاخرى او تقدر عليه,, فإلى هؤلاء كل الدعوة بالخير والمثوبة والأجر.
الآن وبعد هذه الحادثة المفجعة فما بعد؟ نحن حتى هذه اللحظة لم نعرف السبب الحقيقي والرئيسي لحدوث هذه الكارثة ولكن الا تدعونا هذه الكارثة ان نتساءل عن جدوى الامن والسلامة في المخيمات التي يقيمها الاهالي للاحتفال بمناسباتهم وأفراحهم؟ الا يجعلنا نزيد من وعي المجتمع باجراءات الامن والسلامة في كل الامور الحياتية بدءاً من المنزل بشكل فردي ومروراً بالمجتمع على شكل جماعي.
لا نشك ان المقدر مكتوب، ولكن هذا لا يمنع من وجود ضوابط معينة قبل اتخاذ اي عمل جماعي منعا لحدوث كوارث مشابهة في المستقبل يذهب ضحيتها المئات من ابناء هذا الوطن الغالي على الجميع.
ألا تستدعي الحادثة للافراح الجماعية اقامتها في مكان آمن، وإذا لم تتوفر تلك الصالات الآمنة في الاماكن غير القادرة على انشائها، ألا يحق لمثل تلك الاماكن وجود مثل تلك الصالات او القاعات الآمنة والمنظمة بشكل يحفظ الامن ولا تترك عرضة للعشوائية والارتجال والحوادث العرضية البسيطة؟
اننا يا أخوة لا نتحدث عن اشخاص قادرين على التعامل مع الازمات المفاجئة، وإذا كان الرجال انفسهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع الحدث المفاجئ بشكل سليم وسريع كإخراج المصابين بسرعة والتحكم في مصدر الخطر فما هو الحال مع النساء والاطفال ممن لا حول لهم ولا قوة وغير مدربين او مهيئين لمواجهة مثل هذه المخاطر المفاجئة ومعهم اطفالهم الرضع احيانا وفي مكان مغلق ليس فيه سوى مخرج واحد.
انها دعوة جادة من القلب لاعادة النظر في الكيفية التي نقيم فيها مناسباتنا الاجتماعية والاماكن التي نستأجرها او ننشئها للاقامة المؤقتة فيها، دعوة لان يكون لنا دور في التفاعل مع الحدث الطارئ بهدوء ورباطة جأش وعن علم ودراية وهذا لن يتأتى طالما ليست هناك ضوابط من الجهات المعنية وطالما ليست هناك دورات عملية لتدريبنا على مواجهة مثل هذه المواقف العصيبة المفاجئة التي تلجمنا حتى عن التفكير وتشل حركتنا, انها دعوة ارجو ان تلقى اذانا وصدى طيباً لكل من يعنيه الأمر.
همسة
من عمق الحزن بفقد الاحبة,.
تتولد المعاناة,.
ومع استمرار المعاناة,.
تتشح الحياة بالسواد,.
تنطفي جذور الامل,.
تذبل شموع الفرح
تختفي لحظات السعادة
***
لتعلن,.
ان الحياة من دون الاحبة,.
ليست حياة,.
بل معاناة وألم,.
حسرة وندم,.
مجرد مكان,.
نقضي فيه ما تبقى من عمر,.
والله نسأل حسن الختام,.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved