Saturday 7th August, 1999 G No. 9809جريدة الجزيرة السبت 25 ,ربيع الثاني 1420 العدد 9809


العولمة بين التنبُّؤ والإنباء
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

قال أبو عبدالرحمن: من أخصب المواد في كتابي الفحل العقل التاريخي الذي لم تكتمل أسفاره بعد مسألة النبوءة والإنباء,, والنبوآت تكون من أديان صحيحة,, إلى أديان محرفة,, إلى أديان وضعية كالتلمود,, إلى كهانات,, واليهود حُذاق في الكهانة وفي العلم المادي معاً,, إلى سلوك للتخطيط لحدث مستقبلي يكون الإيذان به قبل وقوعه إنباء لا نبوءة كقصيصة بنات آوى وعرب لكافكا.
والتكهنات تكون ذات مدلولات رمزية، والإمامة في الكهانة لليهود، ولمن وقع في سحر توجيههم.
وقد اسلفت الحديث عن المنجم الفرنسي نوستراد أموس، وقد حُمِلت رموزه على أحداث جسام وقعت بالوصف لا بالتعيين كموت هنري الثاني، واندلاع ثورة فرنسا,, ولا يبعد أن يكون ذانك إنباء عن نتائج يخطط لها ويراد حدوثها في الأجل المقارب,, ومن تتبع تاريخ الجمعيات السرية قديماً انتهاء بالماسونية وعولمة المال والقانون والإعلام بتوجيه من البشر ونفوذ الصهيونية في العالم الأقوى: استحى من القول: بأن اليهود أُعطوا اكبر من حجمهم.
قال أبو عبدالرحمن: وفي إعدادي لهذه الحلقة اطلعت على خبر بعنوان كذب المنجمون وإن صدقوا ونصه: أوهمنا المنجم الفرنسي نوستراد اموس الذي عاش في القرن السادس عشر: أن يوم الرابع من يوليو تموز الحالي هو الموعد المقرر للانفجار الكبير للكون,, ويجد المرء تكهنات المنجم بحدوث الكارثة - أو الحرب الكونية إن شئنا الدقة -في المقطع 72 من المجلد العاشر لكتاب نوستراداموس قرون والذي 1 نشره أول مرة عام 1555ه,, وهناك ترجمة مقبولة لهذا المقطع تقول: في الشهر السابع من العام 1999 ينزل من السماء ملك الرعب الأعظم!
ويشير المنجم في موضع آخر إلى نزول نسر.
وهكذا اختار البعض يوم الرابع من يوليو باعتباره نهاية العالم نسر أميركا يوم بداية الاستقلال في الرابع من يوليو ,, ثم يقول الخبر: وعدا عن لحظة الانتقال من العام 1999 إلى العام 2000م يعتقد البعض أن شهر أغسطس آب هو أحد الألغام الموجبة للحذر,, وبالذات الحادي عشر منه، وهو بالمناسبة يوم كسوف كلي للشمس في أنحاء معينة من العالم 2 .
قال ابو عبدالرحمن: لم يرد نوستراد اموس نهاية العالم، وإنما اراد الملك الداوودي الذي يحكم العالم فلا يبقى على وجه الارض غير الديانة اليهودية، وقد رمز له بملك الرعب الاعظم، وبالنسر.
وهرتزل- أبو الصهيونية السياسية العلمانية- توقع هذا الموعد النوستراداموسي بناء على دين صحيح عن دجال للهيود آخر الزمان لم يحدد الله أمده بالسنين، وبناء على حسابات تلمودية كاذبة جعلت الدجال ملكاً داوودياً يحكم باليهودية العالم أجمع ، ولهذا أسرع بإعلان الصهيونية- واستحثاث نشاطها السري المعادي للبشر المدمر لهم، لأن مجيء أو نزول هذا المسيا مشروط بفساد العالم، فلابد من الإسراع بفساده!!,, والشيوعية وجه قبيح للعولمة، ولكن عولمة الإكراه لا تكون بالقطبين المتكافئين، لهذا كان الإسراع بإسقاط الشيوعية، وتدليل القطب الواحد ذي الدين اليهودي الوضعي من لدن لوثر وكالفن مع الحذر من عودة الكاثولوكية والأرثوذكسية، والعمل الجماعي الأممي على تعويم المسلمين وتهميشهم.
قال أبو عبدالرحمن: وثمة إنباآت ليس مصدرها الميتافيزيقا، بل مصدرها بواعث وإمكانات ملحوظة مسبور امتدادها في المستقبل من إنتاج وافر، وتراكم معرفي تملكه الدولة القطبية,, وهذه البواعث كانت أمام فوكوياما عند إعداده كتابه نهاية التاريخ ، وهو من أساطين السياسة في أمريكا وإن كان ياباني الأصل,, إن الفرانسيس فوكوياما لا يتنبأ لليبرالية الغربية، ولكنه ينبىء عن نتائج يلمس أسبابها المتينة,, وإنباؤه لا يُقبل على إطلاقه: بأن القطبية الأمريكية هي نهاية التاريخ,, بل ذلك مرحلة تأزم في التاريخ ولابد من اشراط الساعة ثم الساعة- والخبر بذلك باجماع من الأديان- وفق قضاء الله الذي أخبر عن وصف بعض أحداثه في ديننا الصحيح.
والدين العالمي المهيمن حق، ولكنه آخر الأحداث التي يعقبها موت المؤمنين، وخلو الأرض ممن يقول: الله الله، ثم فساد الكون الدنيوي,, وقبل ذلك أحداث كبرى كثيرة نعرف بعضها بالوصف والكيف، ونعرف بعضها بالوصف دون الكيف، وليس هناك أي دلالة على أمد زمني، لأن الله غيَّب علم ذلك عن أهل الأرض,, والنبوءة بمسيا اليهود في ديننا بيانها على وجه الصحة وبخلاف زعم اليهود، وأن ترقُّب ذلك لم يحن بعد، لأن العلامات التي قبله لم ترد بعد، فهو دجال وليس ملكاً داودياً يحكم العالم بدين رباني، وهو يخرج من خراسان,, بذلك صح الخبر، ويتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة.
وأما المسيح الرباني هو عيسى بن مريم عليه السلام، ودينه العالمي الإسلام، ففي الخبر الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عيسى عليه السلام: ليس بيني وبينه نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع,, إلى الحمرة والبياض,, ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله في زمنه الملل كلها إلا الإسلام، ويُهلك المسيح الدجال، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يُتوفى ويُصلي عليه المسلمون,, رواه أبو داوود، وصححه الحاكم وابن خزيمة، وله شواهد من الصحاح.
قال أبو عبدالرحمن: هذه قصة الدين الرباني العالمي الذي لا يبقى معه دين، وذلك آخر ما ينتظر قبل فساد الكون وبعد أحداث جسام منتظرة منها المؤلم للمسلمين، ومنها السار,, إلا أنه على كل تقدير لن تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم.
والرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عن النصارى بالروم، ويخبر بأنهم أكثر الناس عدداً آخر الزمان,, وقد مدحهم عمرو بن العاص رضي الله عنه بقوله: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، واسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرّة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف,, وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم عن ظلم الملوك.
واثنى الله عليهم- بعد الإخبار بضلالهم عقيدة وشريعة منذ أفسد اليهود دينهم- بقابليتهم للدعوة وتخلقهم بالخشية، واستجابة كثير منهم .
,قال تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ,, الآيات سورة المائدة 82 - 85 ,, وهذا الوصف متخلف اليوم عن جمهورهم لأنهم أُبعدوا عن دينهم بدين وضعي تدينوا به اسمياً، وأبعدوا عن الكاثولوكية والأرثوذكسية بالقانون الوضعي والإلحاد والإباحية، ورباهم اليهود على القسوة والمادية وقطع أواصر القربى والرحمة التي كانت تهز الأريحية في مثل روايات ديكنز,, والمؤشرات تدل على أن العولمة ضد الأديان لن تستمر على هذا الوضع الراهن البغيض في ظل القطبية الأمريكية البغيضة لأمور:
أولها: أن مفكري النصارى على وعي بالكيد اليهودي الماسوني، ولكنهم مخنوقون بالأمبراطورية اليهودية في المال والإعلام والقانون والمافيا.
وثانيها: أن المواجهة الدامية بين النصارى وأعداء البشرية آتية لا محالة، ولن تكون المواجهة سلبية بفرار الشباب إلى الرهبنة، لأن أمة ذات علم مادي هائل وقوة ستجد نفسها في أوحال العولمة تحت نير امبراطورية المال اليهودية الخانقة,, وقدر اليهود -عدداً ورقعة- أعجز من أن يحكم العالم عسكرياً.
وثالثها: سيراجعون حسابهم مع أمة الإسلام، فيجدون لهم تاريخاً كريماً مشوهاً، ويجدون لهم حاضراً مظلوماً في الرقعة والموارد الطبيعية، ويجدون ديناً نقياً في موارده الصحيحة ثبوتاً ودلالة، فيتعاملون معه بعقلانية ووجدان.
ورابعها: أن في ديننا الصحيح تحالفهم مع المسلمين على عدو من ورائهم.
وخامسها: أن في ديننا الصحيح الإشارة إلى إسلام كثير منهم,, قال الإمام مسلم: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا عبدالعزيز- يعني ابن محمد- عن ثور وهو ابن زيد الديلي : عن أبي الغيث: عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟,, قالوا: نعم يا رسول الله,, قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بِسَهمٍ قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر,, الحديث 3 .
قال القاضي عياض: كذا هو في جميع أصول صحيح مسلم: من بني إسحاق,, قال بعضهم: المعروف المحفوظ: من بني اسماعيل,, وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه، لأنه إنما أراد العرب 4 .
قال أبو عبدالرحمن: لا دلالة في سياق هذا الحديث على أن المراد العرب,, وأما رواية مسلم عن زهير بن حرب 5 فلا تمنع من كون بني إسحاق هؤلاء من جملة المسلمين,, وسياق الحديث عن عموم المسلمين لا خصوص العرب.
وسادسها: أن تطهير فلسطين من اليهود ليست غايته إلى نزول المسيح عيسى عليه السلام، بل سينزل عليه السلام والبلاد بلاد إسلام، ولن يكون لليهودية عالمية ألبتة، وإنما العالمية التي يدَّعونها تكون مع فتنة الدجال، إذ هم أتباعه، وسيعصم الله منه المؤمنين وأهل الحرمين الشريفين، وسيقتله عيسى بن مريم عليه السلام ومعه جند الله من المسلمين,, هذا هو مدلول الدين الصحيح الخالد غير المبدل,, وهذا قُبيل قيام الساعة مباشرة,, وقبل ذلك بآماد لا يعلمها إلا الله سيكون للمسلمين دولة وسلطان، وسيسلم كثير من النصارى وسيكون بقيتهم حلفاً للمسلمين ضد أعداء البشرية حينما تنتهي العولمة بسيادة المال الذي يقامر به قلة من اليهود، وسيادة القانون الوضعي الذي أرسوا فلسفته، وتجميد القوة العسكرية التي تحمي ذاتيات الأمم إلا قوة أمثال المافيا,, ويومها يكون قاموس الجمعيات السرية والماسونية وأحابيل التضليل للبشرية والتردي بها إلى الهاوية,, يكون ذلك من أبجديات المعارف الشعبية المؤلمة بعكس ماهو موجود الآن من ترفع بعض كبار المثقفين عن التصديق بما يسمونه أسطورة الماسونية، والمجمعات السرية، والقصد البشري العابث في توجيه الفلسفات والمعارف والأفكار والتربية والإعلام وسلوك المجتمعات,, وكيد الأخطبوط الصهيوني الناشب في العالم الذي تبوَّأ ذروة الطغيان في ظل العولمة: إنما هو قضاء قدري لابتلاء البشر، وتمحيص للمؤمنين، وليس قضاء شرعاً ووعداً ربانياً تدعي يهود لعنهم الله، لأن الله لا يحب الفساد في الأرض، ولا يأمر به,, وإلى لقاء عن العولمة وإمبراطورية المال.
الهوامش
1 قال أبو عبدالرحمن: ذكرت في أكثر من مناسبة أن الواو في مثل هذا السياق لحن، لأنه لا عطف بين الصفة والموصوف والصواب حذفها، أو ذكر ضمير منفصل كأن يقول: وهو الذي.
2 انظر جريدة الشرق الأوسط عدد 7541 ص4 يوم الخميس الموافق 22/7/1999م عن مجلة تايم الأمريكية.
3 صحيح مسلم/ بشرح النووي 18/258.
4 المصدر السابق 18/257-258.
5 انظر المصدر السابق 18/238.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved