وعندما تحل مصيبة بدار قوم من الاقوام او شعب من الشعوب, فإن الذي تربطه علاقة بما استهدفته لابد ان تغمره كآبة,, ويعمه حزن من جراء وقوعها، لأنه سمع ورأى وعايش سوء وقعها,, - كما ان الاخباريين والمؤرخين يقصدونه ليرووا عنه كشاهد عيان لا ترقى لروايته تهمة او شك.
والجار الذي يشهد جريمة تقع في دار جاره,, هو أعدل الشهود واصدق متسخبر عن صفتها وكيفية وقوعها,, ثم هو بالتالي ملزم بالدفاع عن جاره ودفع السوء والاذى عنه.
وقصدي من هذه الاستهلالة التي ربما كان فيها شيء من عدم رقة الاسلوب,, هو الوصول الى تحقيق حتمية المشاركة في دفع الضرر ودفع الظلم ومواساة المنكوب.
واذا ابتعدنا قليلا في تصوير الحالات التي يستدعي وجودها او هجومها بالأصح الوقوف في وجهها لدرء استفحالها, ورد خطرها,, ثم نزلنا, او تحولنا عن عالم الانسان الى ارضية العلم والمعرفة والثقافة والأدب,, وما تقاسيه من هجمات شرسة تستهدف العبث بأصالة الادب وحيوية التراث, فإن واجب الدفاع عنها يقع اول ما يقع على كل من له ارتباط بها,, تماما مثل ما تقع مسؤولية دفاع الجار عن جاره او صاحب الحق عن حقه.
فالبنيويون والحداثيون الذين يدعون الى قطع صلتنا بالتراث يجب التصدي لهم والوقوف في وجوههم من قبل اصحاب الاقلام العريقة الذين يرون ان في قطع صلتنا بتراثنا العربي ما يستهدف ديننا ولغتنا,.
والذين يتبجحون بالشعر الحر ويقيمون حربا على نظام القصيدة العمودية المقفاة التي وقفوا امامها عاجزين عن بناء مثلها وقفة الثعلب الذي وصف العنب بالحموضة عندما اعياه الوصول اليه, هم اولئك الذين يجب الوقوف امامهم ورد شعرهم اليهم مع شيء من التوبيخ على العبث بالتراث واللغة,, ولهذا نبارك لكل شاعر يتصدى لهم كالشاعر القدير يحيى توفيق الذي انشأ قصيدة قوامها 19 بيتا, ومنها قوله:
يا ضيعة الشعر والأقزام تنهشه نهش الكلاب,, إذا استشرى بها الكلب تكاد من صرعة التغريب أنّته تمزق الطرس والأقلام تنتحب في كل يوم نرى شعرا تقيأه قزم,, له جوقة الجهّال تصطخب أكل من رص فوق الطرس في بله حرفا على الحرف,, قالوا شعره عجب فلا المعاني لها في نظمهم اثر ولا البلاغة اورت بعض ما كتبوا خوفي على الشعر يذوي في بيادره والفن يبلى,, ونبض الروح يغترب أليس في دوحة الأفذاذ,, ملتجأ لصرخة الشعر,, إن لم يسعف الأدب قلبي على لغة القرآن,, يا أمماً أزرى بها الجهل والتصحيف والصخب |