* القاهرة مكتب الجزيرة ريم الحسيني
تبدو الجهود الراهنة لمنظمة الوحدة الافريقية في النزاع الارتيري الاثيوبي قد أوشكت ان تنجح في احراز تقدم لجهة حل النزاع الحدودي بين البلدين بالطرق السلمية حيث كان لجولة المبعوث الجزائري في القرن الافريقي باعتباره ممثلا للمنظمة الافريقية دور في تفعيل الحل الافريقي لانهاء النزاع والقاضي بانسحاب قوات البلدين قبل خطوط 6 مايو 1998م واعادة انتشار الجيشين وذلك استعدادا لقيام لجنة الامم المتحدة بترسيم الحدود بين البلدين على أسس الخرائط الاستعمارية المعترف بها من قبل الامم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية طبقا لمبدأ السلامة الاقليمية.
اما الاسباب المباشرة لتراجع الدولتين عن الحسم العسكري في انهاء نزاعهما الحدودي فتتقلص بالضغوط الاقتصادية التي تبدو هما ارتيريا مؤثرا في ضوء تطلعات الرئيس الارتيري اساياس افورقي لتحقيق قفزة تنموية لبلاده حيث حقق معدل نمو سنوي يقارب ال7% في فترة ما قبل الحرب، وحقق المواطن الارتيري مستوى اعلى في القوى الشرائية من نظيره الاثيوبي فطبقا لاحصاءات 1995م فإن الاول حقق 570 دولارا فيما حقق الثاني 430 دولارا فقط.
في هذا السياق تبدو طموحات الرئيس الارتيري مهددة حاليا في ضوء تراجع عملة بلاده (النفقة) بسبب الحرب بمعدل 30% امام الدولار.
التأثيرات الاقتصادية اعترفت بها للجزيرة مصادر ارتيرية رفيعة المستوى بالقاهرة مشيرة الى ان اي حرب لديها تأثير على الاقتصاد الا انها نفت ان تكون هذه الاسباب مؤثرة على صانع القرار الارتيري للاتجاه للحل السلمي، واشارت المصادر الى انه رغم هذه الحرب فإن ارتيريا تحتل موقعا متقدما على اثيوبيا في تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية وان تراجع العملة الاثيوبية امام الدولار كانت بمعدلات اعلى من مثيلتها الارتيرية.
الى جانب الضغوط الاقتصادية فإن هناك ضغوطا امريكية على قيادتي الدولتين لانهاء النزاع بينهما بعد ان فقدت الادارة الامريكيةفي هذه الحرب النماذج التي كانت تبشر بها في القرن الافريقي كمنصة انطلاق لمشروع الرئيس الامريكي كلينتون المسمى القرن الذهبي.
وقد انعكس الاهتمام الامريكي بمجريات الامور في القرن الافريقي بجولات سوزان رايس مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية للمنطقة منذ بدء النزاع، كما تبعها في ذلك مبعوث الوزيرة الامريكية جوث ليك وذلك مرورا بمبادرة امريكية قدمتها الادارة في يناير الماضي لتقريب وجهات النظر بين البلدين.
وقد توجت الجهود الامريكية بضمان تمثيل لها داخل لجنة الخبراء المنبثقة حاليا عن منظمة الوحدة الافريقية لترشيد الحل السلمي وذلك الى جانب الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الافريقية، ولا شك ان الاتجاهات الحاسمة في منظمة الوحدة الافريقية التي ظهرت في اجتماعها الاخير بالجزائر نحو ضرورة انهاء النزاعات والحرب في القارة السمراء، وعدم الاعتراف بالانقلابات العسكرية تعد رسالة واضحة لكلا البلدين لقبول الحل السلمي بعد ان ابدت اثيوبيا تعنتا كبيرا ازاء الوساطة المصرية لانهاء النزاع خلال الشهور الاخيرة، كما رفضت ارتيريا عروض منظمة الوحدة الافريقية للانسحاب من بادمي في مارس الماضي.
ولعل التقدم العسكري الذي احرزته اثيوبيا بمساعدة اسرائيل على جبهات النزاع الحدودي بين البلدين خصوصا في مجال الهجوم بالطيران قد قدم مبررا لزيناوي امام الرأي العام الاثيوبي للشروع نحو الحل السلمي بعد ان اشارت اوساط في الرأي العام الى انتماء اسياس افورقي وزيناوي لتحالف قبائل للتيجر، من جانب آخر شكلت الحرب بين الحكومة الاثيوبية وجبهة تحرير الاورمو المناهضة لها عنصر ضغط مهم على زيناوي حيث سقط في الحرب الدائرة بينهما حوالي 1500 قتيل خلال شهر يوليو الماضي فقط.
وبالرغم من نجاح الجهود السلمية المتوقع لمنظمة الوحدة الافريقية الا ان ذلك لن يعني انتهاء التوترات في القرن الافريقي خصوصا على الجانب الاثيوبي حيث ان اهم اسباب النزاع متعلقة بافتقاد اثيوبيا لميناء على البحر الاحمر، ومع وصول العلاقات مع ارتيريا الى حالة الحرب لن تعاود الادارة الاثيوبية الثقة في الجانب الارتيري لاستخدام ميناء مصوع الذي سعت في الحصول عليه اثناء حكم منجستو هايلي مريام، حيث كان على استعداد لقبول استقلال ارتيريا شرط الحصول على اقليم (دانكاليا) الواقع فيه الميناء,, من هنا فإن الادارة الاثيوبية لجأت الى جيبوتي وجمهورية ارض الصومال لتسهيل حركة وارداتها وصادراتها في لجنة المصالحة لفض النزاع,, فيما يمثل ميناء بربرة في ارض الصومال هدفا غير آمن بالنظر الى التوترات المسلحة في اقليم (الاوجاوين).
على ان الهدوء النسبي الذي سيحظى به القرن الافريقي في الفترة المقبلة ستكون أهم نتائجه تخفيف الضغط علي المعارضة السودانية في كل من اثيوبيا وارتيريا بعد الهدوء الاضطراري في علاقات البلدين ازاء الخرطوم، وهو الامر الذي يمثل عنصر ضغط من جديد على العاصمة السودانية التي تتعجل الخطى حاليا نحو وفاق وطني داخلي يخفف من ضغوط العناصر الخارجية عليها، ومن المتوقع ايضا في هذا السياق ان يتعاظم الدور الاسرائيلي في اثيوبيا بعد ان مثل التحالف الاثيوبي الاسرائيلي عنصرا مهما في النزاع المسلح مع ارتيريا مما يفسر عدم التجاوب الاثيوبي مع المبادرة المصرية ويجعل من المشروعات المائية في اثيوبيا رأس حربة جديد في توتر علاقات اثيوبيا بدول حوض النيل عموما ومصر خصوصا.
ولعل الهدوء على الجبهة الارتيرية الاثيوبية يرشح جبهة الكونغو لاشتعال مضاعف حيث يسعى السودان - طبقا لمصادر أوغندية - الى اغراق اوغندا في مستنقع الكونغو التي تساند فيه اوغندا الفصائل المتمردة على كابيلا حتى لا تتفرغ لدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة جون قرنق، الذي يقود حربا ضد الحكومة في جنوب السودان، وتدعي أوغندا ان الخرطوم تقوم بقصف شمال الكونغو مستهدفة ضرب اتفاق السلام ودعم كابيلا الذي تتحدث التقارير عن قيامه بزيارات سرية للخرطوم اكثر من مرة إضافة لاستخدام الاراضي الكونغولية لضرب قوات قرنق في غرب الاستوائية حسب تصريح سامسون كواجي الناطق الرسمي في الحركة الشعبية لتحرير السودان.
أما الجبهة الصومالية فلا تبدو مرشحة للاستقرار بعد فشل زعماء الحرب الصوماليين في تنفيذ اتفاق القاهرة للمصالحة الوطنية، على الرغم من الدعم المصري الليبي لهذا الاتفاق، ووجود ضوء اخضر من اثيوبيا لتنفيذه حتى تتحاشى اخطار حزب الاتحاد الاسلامي الصومالي في الاوغادين والذي يقود قتالا ضد اديس ابابا، وقد اسفرت القلاقل في مقديشو خاصة محاولة خطف زوجة حسين عيديد رئيس التحالف الوطني الصومالي، اضافة لمصرع العشرات خلال الاسابيع الماضية التي توتير الاوضاع من جديد وهو ما دفع الخارجية المصرية حاليا الى ارسال وفد من الدبلوماسيين المصريين لتهدئة الاوضاع في مهمة تستغرق اسبوعا.
|