هذا دم العُرب فالثم أوجهاً زُهرا
وأنعش الروح من أيامها عِطرا
واحسرتا ذادني عنها مزيد أسى
كسرٌ تهشم لم أجد له جبرا
عشقتها نظراً وعفتها أثراً
لما تبدَّت برجس ملةٍ أخرى
يا شيبة العرب اي الذكريات تعي
وأيها مؤنسٌ أو جالب ذُعرا
اقصة الفتح تستعيدها عبراً
أم عودة الكفر إذ يسترحل الغدرا
قُلِّدت من وثن الصليب مأثمةً
بعد العمائم إذ كانت لنا فخرا (1)
بالخثِّ ضيَّعتَ أحلى نغمة عُرفت
أمَّ البيان وكانت في اللغى الدرا (2)
في جرسها التطريب العذب مؤتلف
ومن تدفقها نستلهم الفكرا
آباؤك الصيد مذ حلوا هنا عمروا
ربع الديار وجل ذكرهم قدرا
انظر محاريبهم تبكي تعبدهم
تبكي عمائمهم والذكر والطهرا (3)
انظر مآذنهم تتاخم الشهبا
يُقدَّس الرب من أرجائها جهرا (4)
يفوح نشر من أردانهم عبق
ويستمدُّ الدجى من نورهم نشرا
وآي إبداعهم لم تخفها حقب
ظلماء حالكة أرسالها تترى
إذا توارى عجيب من مآثرهم
بدت من التنقيب آية كبرى (5)
من عبقرياتهم للعلم مأدبة
كانت بميزان إبداع الورى فجرا
عشاق برهان بلا مسامحة
إذا يقين بدا كانوا له أسرى
فقه وطب وتاريخ وفلسفة
وكل علم حووا وذللوا وعرا
إن أحضر القوم فيضاً من معارفهم
كانوا لدى المبدعين الشفع والوترا (6)
غرناط ناطقة بقصرها الجذل
كأن تاروت فيه ينفث السحرا
ولاَّدة الطهر اشجت معذَّبها
بالشعر عذرياً لم يعرف العهرا
من أي خاطرة تسترجع الذكرى
ولست عن سالف الأجداد بالأدرى
ماضي الصناديد عدنانٍ ويعربها
بل لست تدري كثيراً منه أو نزرا
تكرُّ سفر الخروج لا تني دأباً
تتلو الأكاذيب والمقدَّر المرا
يدعوك ناقوسهم بكل آونة
لتسمع اللغو والتزوير والهُجرا (7)
مأساتك الكبرى أسبابها خلف
شَقُوا بلهوٍ فكان أمرهم خُسرا
كانوا على عروة وثقى موحدة
فمزِّقت وحدة من عروة تعرى
وخلَّفوا سفر الخروج مثلبةً
من بعد سالفة تزري بمن أزرى
من أي خاطرة تسترجع الذكرى
وقد توارى أثيلٌ طاول الشعرى (8)
سفر الخروج غدا لحناً تموسقه
تهجو شموساً صداها يطرب الدهرا
وأنت فرع نما من اصل دوحتها
فأي خصبٍ لفرع دوحةٍ تُبرى (9)
سيان في شرعة الأسماء ما رطنوا
من عجمة قد أعيت منطقاً حرا
سمَّوك إيسا إياثَ أو تكون مُرا
أو كارُلُس أو غارسيَّ أو خَرّا (10)
آباؤك الصيد زيد الخير أو عَمَرُ
وعُدَّ سعداً والربيع أو عَمرا
يا شيبة العرب لم تفعل طواعية
نُكرا وحُمِّلت من تفريطهم وزرا
من أي خاطرة تسترجع الذكرى
عن أمسك الحالي فإنه أحرى
سبعين عاماً تئن في عصارتها
تنعى ليالٍ لم تكسب بها أجرا
حمراء لكن من صديدها نتن
سراء لكن على حُشاشة حرَّى (11)
يُطيِّر الناي من رمادها حمماً
ويوقد اللحن من دموعها جمرا (12)
تبغي شفاء الهم في معتقة
صرف فتغتال كل فكرة حيرى (13)
أين النعيم وبرد اليقين في قلق
وكلما لاح نور أمعنت كفرا
في قبر هيكلها المحموم لاغبة
إن رفرفت للأعالي تبتغي سرا (14)
ضجَّت بهيمية حمراء صارخة
فجدَّدت من أسرها لها قبرا (15)
يا شيبة العرب إن زكى لكم نسب
بلا حنيفية لم نشرح الصدرا
إن العروبة أزكى الخليقة معدناً
أكرم بها إن زكى إيمانُها نجرا (16)
إن تأخذوا الرشد من عيسى وملته
إذ جاء بالصدق عن محمد بشرى
تكن لكم طاعة القربي مضاعفة
ومجد تاريخنا يكن لكم جسرا
وأنتمُ نحن إن لانت سواعدنا
أو آدنا مطمح كنتم لنا نصرا (17)