Saturday 4th September, 1999 G No. 9837جريدة الجزيرة السبت 24 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9837


ضرورة التفوق في عصر التفوق
محمد بن أحمد الرشيد

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله,.
ابنائي الطلاب الأعزاء، ياجوهر آمال أهليكم، ووطنكم، وأمتكم,.
إخواني وأحبابي المعلمين الأكفياء المخلصين,.
إخواني وأخواتي من الآباء والأمهات وأولياء الامور:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
هاهو ذا العالم اليوم ينبسط أمامنا: مسموعا، ومرئيا، اقترب فيه المكان، واختصر الزمان، وحلق في أجوائه الإنسان, ولم يتحقق ذلك بعد توفيق الله إلا بسبب العلم، والتفوق، والابتكار، فوصلت البشرية في التقدم المادي الى ما لم تصل إليه منذ فجر تاريخها.
إن الدنيا مع اتساعها قد تصاغرت في قبضة العلم، حتى اضحينا نستطيع ان نحصي عدد الناس وعُددهم، ونستطيع ان نعلم بوقوع الأحداث، ساعة وقوعها، وأن نراها رأي العين.
وها هو ذا سيل المنجزات والتقنيات يتوالى: من قدرة العلم على تقسيم الثانية من الزمن الى مليون جزء يرى في هذا الجزء الخلية البشرية,, الى الصعود.
نعم! لا يمكن ان ننسى- ولا ينبغي لنا- ان ذلك أمر لم يصل اليه جيل من قبل منذ فجر التاريخ، حتى يوم الناس هذا, بل لعله قرب إلينا مشهد استحضار سليمان عليه الصلاة والسلام لعرش بلقيس، مخيرا: قبل ان يقوم من مقامه، او قبل ان يرتد اليه طرفه!!
اننا قعود، شهود، نرى راي العين ما يصطلي به العالم من أحداث كل يوم! إننا شهود عيان لما نفعله: وطنا، وأوطانا، وأمة ،وما تفعله القوى الأخرى في العالم.
يتشكل- من هذا الإرادات والأفعال- تاريخنا وتاريخهم.
ان الدنيا على الرغم من اتساعها قد تصاغرت في قبضة العلم، حتى اضحينا نستطيع ان نحصي عدد الناس وعددهم، ونستطيع ان نعلم بوقوع الأحداث، ساعة وقوعها، وان نراها رأي العين.
وهاهو ذا سيل المنجزات والتقنيات يتوالى: من قدرة العلم على تقسيم الثانية من الزمن الى مليون جزء يرى في هذا الجزء الخلية البشرية,, الى الصعود الى المريخ والى السياحة في الفضاء بين الكواكب، فيجد المجد نتيجة سعيه تقدما وسيطرة وغلبة، ويبقى الخامل في زوايا المهملين يقول تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى .
إننا نسمع ونرى عالما تتفتح فيه أمامنا أبواب تتدفق منها آلاف الأحداث والوقائع، عبر قمر تتلوه أقمار، ومن قناة تتبعها أقنية.
وذلك من آيات الله وليت ذلك يستعمل في الخير والبناء لا في الشر والهدم.
وتحقيقا للإعلام الرباني: ألم تروا ان الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض واسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير .
وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .
قد مضى على نزول الآيتين القرآنيتين الشريفتين ألف واربعمائة وعشرون عاما وليس المطلوب منا تلاوتها فحسب، بل ان نتلوها حق تلاوتها.
وقد ورد التسخير في أكثر من عشرين موضعا من الكتاب الكريم، ويعلم كل متعلم.
وكل صاحب فهم,,!
أن تيسير التسخير لا يكون إلا بفتح مغاليق العلم، وفض أقفاله، وهل يكون ذلك إلا:
بتعليم متميز منافس، ومعلمين متمكنين أمناء، ومناهج عصرية، متابعة، فمنافسة، فمبتكرة,,!
تدفع لاكتشافات (لتيسير التسخير), وكل ذلك من ضرورات عصر يخضع لقوة التفوق.
إن عقول اكثر الناس تفضل السير في الدروب المألوفة، اما إبداع شيء جديد كل الجدة فينطوي على قدر هائل من الصعوبة, ومن أولويات مهمات التعليم تذليل الصعوبات لاطلاق طاقات الخيال المبتكر والعقول المبدعة.
إن الإبداع غير السير في الدروب المألوفة,, ولا يستويان مثلا,,! إننا نفهم من ذلك الإعلام من ربنا تبارك وتعالى الذي جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: (سخر لكم ما في السموات وما في الأرض) نفهم معنى غير المعنى الذي درج عليه كثير من الناس، إنه إثارة للهمم لاستثمار وتسخير كل ما في السموات وما في الأرض.
انه يحمل من يحمل هذه العقيدة، واجبا عقديا يتغلغل في روح الأفراد وعقولهم لاعداد الوسائل العلمية والتعليمية المنهجية الفائقة التي تمكن: علميا وواقعيا من تيسير التسخير والسبق فيه وإتاحته للإعمار في كافة مجالات الحياة.
إذا كان السمع، والبصر، والفؤاد تشكل قوام الشهادة وعناصرها لدى الإنسان، وتوجب الإدلاء بها تحقيقا لقوله تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولا وقوله ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ,, فإن عالمية الرؤية لأحداث العالم، قد وسعت مجال الشهادة ومسؤوليتها، فإن عالمية الرؤية بالنسبة الى المنكر وإنكاره تعني ان ننكر المنكر انى كان، وتكون المسؤولية موجهة الى من يقصر في هذا الإنكار وتغييره باليد، او باللسان او بالقلب، او بها جميعا.
كما انها جعلت من التعاون على البر والتقوى ومواجهة الإثم والعدوان، أمرين عالميين، إذ بات يدرك ذلك كله، كل منا في عقر داره: الرجل، والمرأة، والشيخ، والطفل، وهم بذلك في المعرفة يستوون مع المؤسسات، والحكومات، بأجهزتها وأدواتها.
وبذلك اصبحت المعرفة، والعلم بالشيء مؤديين لما يمكن ان يسمى الشفافية، هذه الشفافية التي يجب ان تشكل في النهاية قوة ضاغطة، تعين على الحق وتقوم الباطل.
إن عالمية الرؤية اصبحت تستدعي الانعتاق من أسر الانغماس والانكفاء في المحلية، والدوران حول الذاتية، وهو الأمر الذي يتبعه انغلاق يعوق سعة الفهم وعمقه، ويؤدي الى العمى عما يتولد في هذا العالم من أحداث تؤثر على حاضرنا ومستقبلنا، كما تعزلنا عن القرارات المهمة خلال تشكلها وميلادها، وتلهينا عن رؤية تيارات تصطدم بشواطئنا فتهدد المكان والمكانة.
هذا زمن قوة العلم،!
هذا زمن علم القوة!
وهو أمر لم يخترع اختراعا في القرن الذي يوشك ان ينقضي، فقد كانت القوة دوما تسطر أحداث العالم منذ فجر التاريخ، والعلم هو لب هذه القوة وصانعها: من ركاب الخيل، وصقل السيف، الى الحاسوب الموجه للصاروخ عبر القارات!!
القوة هي التي تصنع التاريخ، سواء امتلكها بر أم فاجر، عادل أم ظالم، كل ما هنالك ان قانون قوة العلم وعلم القوة يتجلى ويسفر عن وجهه الآن كما لم يسفر من قبل وكما لم يتجل في سالف الزمان.
والمحصلة الأكيدة انه لا بقاء في دنيا شديدة التطور سريعة الابتكار لمن لا (يأخذ الكتاب بقوة).
إن هذا العالم الذي يحتوينا، والذي يطلقون عليه الآن ذلك الاسم الريفي المأنوس: القرية العالمية، والذي يصف بعضهم فلسفة مجتمعه بأن الإنسان ذئب للإنسان,.
ان هذا العالم إذا اردنا ان نجسمه بشكل سريع فإنه يبدو كهرم تنتشر عند قاعدته 160 دولة من أصل 185 تتألف منها المنظومة الدولية.
اما الطبقة التي تعلو قاعدة الهرم فتشغلها مجموعة تتكون من خمس وعشرين دولة هي كلها دول صناعية عالية المدخول.
وأعضاء هذا النادي المحدود هم الذين ينظمون الفضاء الاقتصادي في العالم، وهم أعضاء منظماته، وبنوكه الدولية.
ومن داخل هذه المجموعة تتسنم الهرم مجموعة أصغر وأكثر فاعلية هي مجموعة الدول السبع التي تضم أغنى دول العالم وأكثرها تصنيعا.
ولا يهمني مما ذكرت إلا التنقيب في هذه الصورة المجسمة للهرم الدولي عن موقع وجودة العلم والتعليم هنا أو هناك، من قاعدة هذا الهرم حيث تسكن مائة وخمسون دولة الى قمته، حيث تقيم دول سبع احصوها وعدوها عدا.
ولا يختلف أكثر الخبراء والدارسين والمعقلين سواء من المتخصصين أم من رجال الإعلام البارزين، ام المهتمين بالشؤون التربوية والتعليمية للعالم- في ان مجموعة الدول الخمس والعشرين التي تقيم في الطابق الثاني من الهرم، تمتلك نظاما تعليميا متميزا.
وان مجموعة السبعة تمتلك نظاما تعليميا متفوقا!
دعونا نتأمل في تلك الحقيقة المذهلة,
ان مجموعة السبعة الساكنة القمة تمثل تقريبا 12% من سكان العالم اي ان ثمن سكان العالم ينتجون ثلثي انتاجية العالم تقريبا.
ومن البدهيات المؤكدة ان وراء هذه المعادلة المذهلة، قمة من القادة الإداريين، والمهندسين، والعمال المتميزين.
وان على هذه القمة فريق عمل من الموهوبين والباحثين الجادين، ومختبرات ومعامل ومكتبات، لا يهدأ العمل فيها ولا ينقطع.
وأن حول كل ذلك وداخله مجتمعا علميا دؤوبا، قد ثبتت عنده قيم البحث، والاكتشاف، والدقة، وحسن الأداء، والموضوعية، وروح الفريق، فمن صنع كل هذا؟
ومن يصنعه؟ هل ثمة إلا إجابة واحدة:
إنها التربية المتفوقة والتعليم المتميز؟
إنها المدارس والجامعات والمعلمون والمناهج، إنه ذلك السياج المجتمعي: يحفز، ويحرض، ويستنفر، ويتسابق!!
وأحب ان أقرر حقيقتين:
أما أولاهما فإن اعترافنا بالتقدم التقني للغرب اعتراف بالواقع وإعجابنا بهذا التقدم لا يعني أننا معجبون بفكرهم وأخلاقهم وربنا عز وجل يقول: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى .
وأما ثانيهما فهو اننا في مناهجنا التعليمية وخططنا التطويرية نقرر ان ذلك سيكون منبثقا من قيمنا ومثلنا العليا التي نستمسك بها استمساكنا بالحياة فلا حياة لنا إلا بالإسلام العظيم فنحن كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه قوم اعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
لا بد لمجتمعنا لكي يكون مجتمعا علميا عالميا، ان يحب العلم بكل مستوى من مستوياته، ويقبل عليه، ويحرض على تحصيله من سواه، فليس بالمدرسة وحدها يكون التعلم، بل بقوة المجتمع كله وحركته مجتمعة تجاه العلم.
وأمر آخر ترددت مرات في قوله والتصريح به، وان كنت قد أدليت به في أحد المجامع العلمية في أواخر العام الهجري الذي انقضى، متحسبا ان الناس ربما لن يرتاحوا- خاصة في بداية عام دراسي جديد- لقولةٍ تنذرهم او حديث يخوفهم من مخاطر آتية, قلت: إن من يعلم في هذا العالم سوف يستعبد من لا يعلم، إنه سوف يستعبده ويستبعده.
نعم سوف يستبعده من عقيدته، ومن بني جلدته ومن أرضه, وأحداث التاريخ وشهادات الواقع، مرئية ومسموعة أمامكم كل يوم تمتلىء بالنذر لقوم يتدبرون!! ولقوم يتفكرون!! إذن فكل من لا يرضى لنفسه، وأبنائه وأمته: بالاستعباد والاستبعاد عليه ان يسابق للعلم وأن يحرص عليه ويحرض على طلبه, ولكن لنا هنا وقفة وتساؤل:أي نوع من التعليم يريده الأبناء؟ واي مستوى تعليمي نرضاه لأولادنا؟ تلك هي القضية التي أود ان اطرحها للحوار في عامنا هذا، وسوف نتابعها معا من خلال أقنية الإعلام في المدة المقبلة, والسؤال الأول هو: هل نريد لابنائنا أن يتعلموا فيحصلوا على الدرجات العلمية المطلوبة المعتادة، فيتحقق نجاحهم في كل عام، وينتقلون من فصل دراسي الى فصل آخر,, ومن سنة دراسية الى سنة دراسية أعلى؟
والسؤال الثاني: أم نريد لابنائنا أن يتعلموا أفضل تعليم، بعد دراسة مقارنة لافضل المناهج في أفضل المدارس في العالم؟ وذلك مهما واجهوا من صعوبات، واحتمل البيت من مشقات؟ وما مدى تقبلنا لنتائج اختبارات دقيقة تجري في مستوى هذه المناهج ايا كانت نسبتها؟
إنني إذ اطرح عليكم، وعلى الرأي العام، وعلى الإعلام، هذه الأسئلة، أود ان يجري فيها الحوار: عريضا، متعمقا، شاملا، صريحا، طوال هذا العام، وأعدكم اننا سوف نتابعه ونجمع نتائجه لتعيننا على طريقنا.
اعتقد ان الرضا العام يتحكم بدرجة او باخرى في مجريات الأمور في اي أمة, ولكي أكون صريحا من جانبي أنا الآخر ينبغي ان أقرر: ان الرضا العام يتحكم بدرجة او بأخرى في مدى قبول الوزارة وشجاعتها في تقرير المناهج التي تتكفل بتخريج طلاب على مستوى العصر الذي نعيشه.
وعلى المجتمع ان يقرر: هل ينحاز لنسب النجاح، ام ينحاز للكفاية، مهما كانت الصعوبات؟؟ كي يتمكن هؤلاء الابناء من اقامة مجتمع يقدر: أولا: على البقاء، وثانيا: على الاستمرار، وثالثا: على المنافسة والابتكار في ظل مجتمع علمي عالمي، لن يرحم من يتخلف.
السؤال الثالث: وله أثره الجاد على ما سبق، ينصب على مدى إحاطتنا، وإحساسنا بحقائق المنافسة الدولية الحادة القائمة اليوم، خاصة في مجال التعليم، وعلى إدراكنا الحساس لمدى النتائج التي تترتب على نوعية التعليم، وأثرها على المكان والمكانة: عقيدة، وأمة، وأرضا، وثروة، وان مصير كل ذلك في كفة، وتفوقنا التعليمي في كفة أخرى, وفي هذا المجال فإنني إن كنت قد ذكرت من قبل ان من يعلم سوف يستعبد من لا يعلم ويستبعده فإنني أقرر الآن: ان من يتفوق سوف يستعبد من يتعلم فقط!
ولعل هذا يقودنا الى طرح قضية مجتمع شامل متفوق: كيف نستفزه؟ ومن يحرضه؟ وهو الأمر الذي يستدعي ان تكون قلوبنا، وعقولنا، وعيوننا، وأيدينا متركزة على قضية التفوق:
نراقب العالم، ونلاحظ أنفسنا، ونتلو الآية الكريمة الم تروا ان الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون , ونتساءل على من أنزلت؟ ولماذا انزلت؟ وكيف نطبقها لتيسير التسخير بعد مضي حوالي 1420ه عاما على إعلانها؟ فأين مكاننا الآن في العالمين؟ ثم: ما هي المكانة التي يرضاها لنا رب العالمين؟ وكيف تكون البداية؟
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، هداة مهتدين، موفقين لكل ما فيه خير ديننا ووطننا, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved