Monday 6th September, 1999 G No. 9839جريدة الجزيرة الأثنين 26 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9839


وجهة نظر
سوء التغذية: رؤية اقتصادية
د, محمد يحيى اليماني *

يعاني كثير من دول العالم النامي من مشكلة سوء التغذية والتي هي نتيجة طبيعية لما تعيشه هذه المجتمعات من تدن في الدخول وانتشار للفقر بين أفرادها.
ويتضح أثر الفقر وما يستلزمه من سوء التغذية او نقصها في انخفاض مدة الحياة المتوقعة للفرد عند الولادة وارتفاع معدلات الوفيات لدى الأطفال وتدني مقاومة الجسم للأمراض وغير ذلك من المؤشرات, ولأهمية التغذية ولكون توفرها بالكميات المناسبة والنوعيات المطلوبة يعطي انطباعا بتمتع الأفراد بمستوى معيشة ملائم فإنها تستخدم في تعريف خط الفقر والذي يعرف بانه القدر اللازم من الدخل لتوفير التغذية الضرورية او الغذاء الضروري.
ويمكن القول بوجود علاقة تأثير متبادل بين الفقر وسوء التغذية, فمن البدهي أن الفقر يتسبب في إيجاد أشكال مختلفة من سوء التغذية نتيجة لعدم تمكن الأفراد من شراء الكميات والأنواع الضرورية من الغذاء أو تحولهم نحو شراء النوعيات الرديئة الأرخص ثمنا, وفي المقابل فإن سوء التغذية من الممكن ان يؤدي الى الفقر ذلك ان الفرد الذي يعاني من سوء التغذية يصبح غير قادر على العمل وإن عمل فإن انتاجيته ستكون متدنية مقارنة بالوضع الطبيعي والمحصلة النهائية دخل منخفض قد لا يكون كافيا للوفاء بالمتطلبات الحياتية الضرورية, وفي هذا الاطار تجدر الإشارة الى وجود أسباب اخرى لسوء التغذية كانخفاض مستوى التعليم ودرجة الوعي بأهمية التغذية المتوازنة إذ من الممكن ان تتفشى انماط معينة من سوء التغذية بين أفراد المجتمعات المرتفعة الدخول نتيجة للأساليب السالفة الذكر.
لكن يظل سوء التغذية وخاصة ذلك الناشىء عن عدم حصول الفرد على حاجته اليومية من السعرات الحرارية سمة من سمات الدول النامية الفقيرة, فتشير الاحصاءات الى ان 25% من عدد السكان يعانون من سوء التغذية في تلك الدول ومن المتوقع ان ترتفع هذه النسبة في السنوات القادمة فيما لو استمرت الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها معظم الدول النامية في الآونة الأخيرة والتي أدت الى تدني مستويات الأجور الحقيقية وارتفاع الأسعار وانخفاض فرص العمل.
ويعلل كثير من الاقتصاديين انتشار سوء التغذية على نطاق واسع في عالمنا المعاصر بعدم كفاية المتاح من الغذاء للوفاء باحتياجات السكان ويرجع ذلك الى عدة عوامل منها سوء استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة للمجتمعات فالملاحظ انتشار الصراعات والأزمات الداخلية والخارجية في حالة الدول النامية الأمر الذي يستدعي توجيه مقدرات الشعوب للتعامل مع هذه المشاكل بدلا من استخدامها لتحسين مستويات معيشة الأفراد, يضاف الى ذلك عدم امتلاك كثير من الدول النامية لمصادر دخل كافية تمكنها من الحصول على العملات الصعبة وبالتالي شراء ما تحتاجه من الغذاء من الأسواق العالمية في حالة قصور الانتاج المحلي، ومع ان الانتاج من الغذاء في الدول النامية ينمو سنويا إلا ان معدلات النمو في هذا القطاع هي أقل من معدل نمو السكان الأمر الذي يؤدي الى انخفاض نصيب الفرد من الغذاء مثلما هو حاصل في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال, ومما يفاقم مشكلة سوء التغذية في الدول النامية الهجرة المستمرة من الريف الى المدينة والتي تتسبب في انخفاض الانتاج الغذائي من جهة وزيادة أعداد الأفراد الذين يعتمدون على الأسواق في الحصول على احتياجاتهم من الغذاء من جهة اخرى, وهناك عوامل أخرى من المحتمل أنها تؤدي الى نقص المتاح من الغذاء للدول الفقيرة ويمكن ارجاعه الى قوى العرض والطلب وما يجري في السوق من ممارسات معينة للحفاظ على الأسعار عند مستويات معينة قد لا تكون في متناول هذه الدول.
ان تزايد اعداد الأفراد الذين يعانون من سوء التغذية ومن المجاعة يستوجب تكاتف الجميع سواء الدول الفقيرة او الغنية لإيجاد حل لهذه المشكلة وان يؤخذ في الاعتبار البعد الإنساني لها وألا تتخذ وسيلة لتحقيق أهداف سياسية او اقتصادية,
ويكمن الحل أولا لدى الدول النامية نفسها والتي هي مطالبة بالتغلب على مشاكلها وصراعاتها الداخلية والخارجية وإعادة ترتيب أولوياتها لتتمكن من توجيه مواردها وثرواتها للوفاء بحاجات الشعوب والارتقاء بمستويات معيشتها وفي الجانب الآخر من المفترض ان تتوقف الدول الصناعية عن تأجيج هذه المشاكل وادارتها عن بعد, وأمر آخر يساعد على حل المشكلة هو ضرورة عدم جعل الاعتبارات الاقتصادية البحتة تتحكم في أسعار المواد الغذائية الضرورية والكميات المتاحة منها بل لا بد من الأخذ في الاعتبار وجوب توفير كميات معينة من هذه المواد وبأسعار مقبولة لسبب واحد بسيط هو انها غذاء ضروري لا بد من توفيره للناس ليتمكنوا من الحياة, ومما يساعد على التخفيف من مشكلة سوء التغذية التوسع في الأبحاث المتعلقة بالجانب الزراعي والتي تعمل على إحداث تغيرات تقنية تسهم في زيادة الانتاج الزراعي وكذا جعل التقنية المتقدمة متاحة للدول النامية لزيادة إنتاجية القطاع الزراعي.
*قسم الاقتصاد الإسلامي-جامعة الإمام محمد بن سعود

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved