Monday 6th September, 1999 G No. 9839جريدة الجزيرة الأثنين 26 ,جمادى الاولى 1420 العدد 9839


على فراق أبي نواف حزنت القلوب وبكت العيون؟
عبدالعزيز بن محمد الغزي*

ما اشدها نازلة، وما اقسى وقعها، ساعة امن واطمئنان، فجعت بها الامة برمز من اسمى رموزها، وبعلم من اثبت أعلامها، نشاهده قبل ليلة من ارتحاله يخاطب عقولها، مهتماً في امورها، يسعى بما وكل اليه، بل وتجاوز ذلك الى شتى انواع البر واعمال الخير، متلمساً ما ينفعها، صادقاً في تحسس احوالها، والتفتيش عن حاجاتها، يؤاسي منكوبها ويسلي حزينها، أباً ليتيمها، اخاً لمحتاجها، ناصراً لمظلومها.
كل يعلمه ويعرفه، انه صاحب السمو الملكي الامير فيصل بن فهد، ابن الكملة، واخو الكملة، وابو الكملة، وسيد الكلمة، وهو من بلغ في مقاييس الرجال درجة الكمال، والذي جاء نبأ وفاته يرحمه الله كصاعقة صخت الآذان، فبقي العاقل الحليم، مع ايمانه بالقضاء والقدر فزعاً من يقينه الى الشك تساؤلاً، ومن الأكيد الى الامل تعلقاً، ومن رؤية العين وصادق الخبر، الى الاماني، والترجي والتساؤل، ليت وعسى ولعل، احقيقة هذا؟! ام ماذا؟ اصحيح الخبر؟! ام هو سبق خبر؟! حتى توطنت له النفوس وهو اليقين!! وتأكدت منه وهو آكد ما وعد به الجميع!! ويالله!!
لعمرك ماالرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شخص
يموت بموته خلق كثير
تأكدنا وبلا شك ثبوت الخبر، وعلى علو مقام الفقيد يرحمه الله، وتأصل محبته في الجميع، وان فقده نازلة هزت الثوابت في الامة، فما احكمها قيادة وما اجمل تعاملها مع هذه الفاجعة، اذ تعاملت حاكماً ومحكوماً بالعقل وفق ما تمليه الشريعة المطهرة وكما هي العقيدة السليمة، فلا جعجعة ولا صخب، ولا نادبة ولا نائحة، تنزلت السكينة وعم الهدوء كل بيت، ايمان وتسليم في القضاء حلوه ومره، وان كل ذلك من الله، والحمد لله على ما قضاه وقدره، انا لله وانا اليه راجعون و إنك ميت وإنهم ميتون ، و كل نفس ذائقة الموت ثم لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ومع هذا التعامل الذي خفف من شدة وطأة النازلة ووقع الالم، والذي زادنا الى ما نحن عليه من ايمان ايماناً، فانه يحسن وكما ورد في ذكر محاسن الموتى اذكروا محاسن موتاكم تخليداً للمتوفى، ليدعى له، وايقاظاً للغافل، ليعمل مثله، فيبقى المجتمع متلاحماً مترابطاً، ولتتواصل اعمال الخير فيه، بذكر تلك المآثر والسير عليها، اتعاظاً وتأسياً، ولتوطين النفوس، وان المصير واحد، وأن كلاً مرتهن في عمله:
أرى كل حي والحياة قصيرة
الى حتفه مهما اتقاه مسيّرا
فوطن لهذا النفس عن توقانها
الى غير ذا من ان تعيش معمرا
وكن جلداً عند النوازل ثابتاً
واياك ان تبقى بذا تتضورا
فو الله لا اخشى من الموت لحظة
ولكنني اخشى عواقب ما ارى
فسعداً لمن امسى وتقواه زاده
وبؤساً لمن امسى بتلك مقصرا
وما مصاب الامة في فيصل يرحمه الله، خاصة في هذا البلد الذي يختلف في تواصله وتراحمه وترابطه عن اي بلد في الدنيا الا المصاب الذي حل في كل بيت, وان العزاء به ليوجه الى عموم هذه الاسرة السعودية الكبيرة حاكمها ومحكومها والى الاسرة الحاكمة بخاصة داخل هذه الاسرة العامة، وهنا فعزاؤنا الى والد الجميع والد الفقيد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عظم الله اجره وخفف مصابه والذي كأننا نتمثله حال تبلغه الخبر بعد ان يسترجع ويحمد الله قائلاً:
فقدناك فقد الجسم للروح فيصل
ولكننا رغم المصاب نقول
لك الله ما اعطيته وأخذته
مصاب جليل والعزاء جميل
كما نعزي عم الفقيد ووالده نائب خادم الحرمين الشريفين ولي العهد ورئيس الحرس الوطني صاحب السمو الملكي الامير عبدالله بن عبدالعزيز والذي شاهده الكل وقد اخذ منه التأثر مأخذاً رغم قوته وجلده اذ لم يستطع التغلب على ذلك وهو من يتمثل:
وتجلدي للشامتين أريهمو
أني لريب الدهر لا اتضعضع
كما نعزي عم الفقيد ووالده كذلك، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن عبدالعزيز والذي بدا يغالب آلامه واحزانه بتلك الابتسامة التي لا يخفى ما يتعامل خلفها من الآلام والاحزان على الفقيد، وكأنا به يتمثل في:
وأبدى ابتساماً رغم ان مصابنا
له في حنايا الروح ياللاسى وقد
كما نعزي الصفوة الفاضلة من اعمام الفقيد اصحاب السمو الملكي الامراء وابناء عمومته واخوته واولاده، والاسرة الكريمة بعامة وكأنا بكل منهم يتمثل في:
فقدناك حال الامن فقد فجاءة
وأقسى مصاب الحر فقد الأكارم
وليس لنا إلا نسلم للذي
قضى ما قضى حكما مضى في التقادم
ولو غير هذا كان كنا له حجاً
ومن دونه قطع الطلا واللهازم
كما اعزي بخاصة فاقديه اهل الرياضة والذين كأني بكل منهم يتمثل في:
وما مر يوم ليس نذكره به
عليك سلام الله يا فيصل المجد
رحلت ومازلت المقيم بأنفس
تفديك بالارواح لو ان ذا يجدي
حفاظاً على نهج رسمت مسيره
وانا على هذا نقيم على العهد
تغشتك من فيض المهيمن رحمة
وعمك بالاحسان في جنة الخلد
وانه ومع حرارة الاسى ولوعة الفراق لدى الكل كأني اعيش ما يعيشه اخوته النبلاء حال تلك النازلة ولسان حال كل واحد منهم يردد،
وما فقدي الابن الذي هو متعتي
كفقدي اخاً، ان المصاب جليل
بل وما يردده لسان حال كل منهم اثناء التشييع:
نشيّعه روحاً وفي الكل حسرة
تكاد لسوداء القلوب تذيب
وكأني بلسان كل منهم يردد حال الوداع:
نودعه هذا الوداع ومالنا
امام قضاء الله الا الترحم
نهيل عليه الترب حال وداعنا
ونلوي له الاعناق ثم نسلم
ولو ان هذا يسر مدافع
لدافعت الابطال والموت يهزم
ولكنما هذا القضاء مقدر
وما كان من حي لعمرك يسلم
عليك سلام الله يا فيصل العلا
ونرجو لك الغفران والله ارحم
وداع فراق لا تلاقي بعده
تغشاك فيض الله والله اكرم
بل وكأني بلسان الحال من اولاده يردد:
فقدناك فقد الروح يا ابتي وما
فراقك الا قاصم يقصم الظهرا
فقدانك فقدان الحياة ومالنا
وقد غبت عنا من سرور بدا جهرا
ونقسم لو ان القضاء مخيّر
لكنا الفدا من ان تكن تسكن القبرا
بل وكيف هي مشاعرهم وقد هيل الترب على جدثه الطيب:
ولولا سنة الهادي وأنا
امرنا باتباع الحق امرا
لما وارتك ايدينا أبانا
ولا ادخلت جوف الارض قبرا
وما يوماً فراق الروح منا
بأقسى من فراق ابي علينا
ولكنا قبلنا الامر مراً
وتسليما لرب العالمينا
وما اقساها ساعة وداع وما اشد وقعها حرقة والماً وتحسراً:
نودعه وفي العود الوداع
ومثلك ليس ينسى او يضاع
نودعه وفي الاعماق رجف
واسرار الاكارم لا تذاع
وانه ومهما عظم الخطب واضحى جللاً فان العزاء بالله سبحانه ثم بما شاهدناه من تلك الايادي الخيرة والاعمال الكريمة التي فاض بها سموه وختم بها حياته وما احسن ان يوفق الله المرء الى ان يختم حياته في اعمال البر وذلك ما ظهر للكل واصبح جلياً من لدن سموه يرحمه الله مما يطول المقام له لو ذهبت الى استعراضه، جعله الله في موازين حسناته، ورفع به درجاته، انه ألطف وارحم، ثم ان عزاء الجميع به أن فقده مصيبة حلت في كل بيت، ومست كل سوي، فأصبح المرء معزياًومعزى وعلى حد:
واصبحنا بفقدان ابن فهد
سواء بالمصيبة والعزاء
دعاء الكل من قلب ولفظ
لك الرحمات من رب السماء
وأنزلك المهيمن في جنان
فسيحات المرابع والفضاء
وعزاء الجميع كذلك في اخوته اصحاب السمو الملكي الامراء محمد وسعود وسلطان وخالد وعبدالعزيز وفي ابنيه نواف وخالد والعزاء كذلك في ان المصير واحد لا محالة:
عزاؤك نواف بأن مصيرنا
الى حيث صار الشهم سوف نصير
قضاء ومحتوم علينا بأننا
جميعا الى ذاك الطريق نسير
تساوت به كل الخليقة مذهبا
صغير ومأمور به وامير
ولكن في فقد الكرام تبلورت
لعمرك مما لا يجن امور
وحق لعين الكريم ولعين الوفي ان تدمعا على فقد ابي نواف:
عذلت لهذا الامر عينا كريمة
فقالت ارى دمع الكريم وقارا
وماهو الا المرء انسان عصره
تسربل آيات الكمال فسارا
وعلى قافية الوفاء
عذلت لهذا الامر عينا وفية
فقالت ارى دمع الوفي وفاءا
وماهو الا المرء انسان عصيره
تسربل آيات الكمال حياءا
وبحق ولا شك، انه ومع شدة وقع الحزن فان مما يغمر النفوس ويخفف من شدة وقع المصيبة حباً لأبي نواف يرحمه الله ان نجد هذا الترحم والاسترجاع والاستغفار له وانه وان رحل بجسمه فان اعماله مازالت حية ماثلة تنمو مع الايام وتستمر مع تعاقب الاجيال، في الثلاث التي ورد بها الحديث الشريف اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث الحديث.
لئن غاب جسماً والممات مقدر
على كل حي لا يقي دونه الستر
فمازال حياً بيننا بفعاله
وما مات منه العطف والبر والذكر
وان موكب جنازته يرحمه الله ليذكر بالقول موعدهم يوم الجنائز وقد تذكرت هذا حين شاهدت ذلك الموكب هيبة وشدة تأثر حزناً على فقده:
وفي موكب هابت له العين منظرا
اسود لها جنب السرير زئيم
تسير به تغلي الصدور وانما
تنهنهها ألا تبوح حلوم
واصعب ما يلقى الكريم تألماً
فراق محب والكتوم كليم
فيالك آساد لو الامر بالفدى
لصرح عن ذاك الخشوع نهيم
ولقد اعجبني ما سمعت من احد الاخوة حال نبأ وفاته يرحمه اذ لم يعرف ما يقول لهول الصدمة الا الله الله!! كل سيلقى ما لقيت يرددها مرات بتأثر وقد صدق.
كل سيلقى ما لقيت وانما
فقد الكرام على الكرام سهاد
صبراً بنيه رجولة واخوة
صدقته لو ان القضاء يذاد
ورحل رمز الشباب فالى جنان الخلد، بكته الاعين وحزنت عليه القلوب وكم تمنى من رأى ذلك الموكب وسمع بهون تلك الميتة ان يكون اجله اذا حل على هذه الصفة وموكبه على هذه الهيئة وان تكون له من الدلالات مما سمعنا بها وشاهدناها عن سموه:
ورحلت يا رمز الشباب مودعاً
ولكل قلب رنة وحنين
وابصر ذاك الناس حقاً مؤكداً
بأن دلالات القبول يقين
يرحمك الله يا فيصل، فلقد كنت ثابت الجنان، واضح البيان، فصيح اللسان، وهبك الله من فضائله كمالاً وبياناً، يأخذ بالالباب حين يتحدث، بحيث نجد التناسق التام بين الذات والكلمة والعقل:
واذا نطقت فأنت ابلغ ناطق
واذا سكت ففي السكوت وقار
ولأنت اكمل من رأيت ومن سمع
ت حديثه حين الحديث يدار
فجمعت اسمى ما يراد بلوغه
صفتان والعقل الكبير منار
اسبل الله على قبره وابل القطر، وشآبيب الغفران والرحمات، كما كان خيرا للايتام وسباقا الى اعمال الخير، وطاب الجدث في جسده، وطاب جسده في جدثه، وطابت وامنت روحه الكريمة في جنة الخلد، ومع انه لا شيء يعدله، والامر لله فان مما يرجى به حسن العزاء ان الله احسن له الختام وجعل له خلفا كريما طيبا وجميل العزاء في اخوته الاكارم وفي ابنيه الفاضلين نواف وخالد:
وجادك الغيث قبرا حل ساحته
رب اليتيم ومن كالغيث مدرارا
ولا فزعت به والروح آمنة
في جنة الخلد اثمارا وانهارا
عزاؤنا فيه لو ماشيء يعدله
ان طاب خاتمة فعلا واذكارا
رغم الفجيعة يا نواف ان لنا
فيكم وفي خالد اذ غاب تذكارا
وانه لم يمت من مات عن خلف
طهر المآزر امجادا وايثارا
ليرحمك الله ابا نواف وليمنح فاقديك الصبر والسلوان ولهيب اولادك بعدك حسن العزاء والتوفيق والإسعاد والى رحمة الله وغفرانه و إنا لله وإنا اليه راجعون
*الزلفي

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
الفنيـــة
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved