يعارض الشعب الفلسطيني، واليمين المتطرف الاسرائيلي الاتفاق الذي ابرم يوم الاحد الماضي في شرم الشيخ بين السلطة الفلسطينية وبين حكومة يهودا باراك,, اسباب الرفض مختلفة، الفلسطينيون يرون في الاتفاق اضفاء الشرعية لسرقة اراضيهم المحتلة، والاسرائيليون المتطرفون يصفون الاتفاق بالاثم العظيم، لانه يرجع ارض الميعاد للاغيار من غير اليهود,, لكن نتائج هذا الرفض واحدة، تتمثل في مقاومة اتفاقية شرم الشيخ والعمل على عدم سريانها.
لم يأت الانفجاران الانتحاريان في داخل اعماق اسرائيل مفاجئا، وان كان لم يكن متوقعاً حدوثهما بهذه السرعة قبل ان يجف الحبر على اوراق اتفاقية شرم الشيخ التي فرضت الاذعان للارادة الامريكية في سلام اقليمي لا يعبر عن ظروف الشعب الفلسطيني الراغب في العودة الى وطنه، بعد السنوات العجاف من الحياة الصعبة في الشتات، ولا يحسن التعامل مع اليمين الاسرائيلي المتطرف الشرس الذي يعيش الحاضر المعاصر بأفكار الماضي التليد الباطلة التي تدعي بدون سند تاريخي او ديني بأن اليهود شعب الله المختار الذين لهم الحق وحدهم في الحياة على ارض الميعاد .
لا نقول ذلك عن اليمين الاسرائيلي المتطرف الشرس رجماً بالغيب او اجتهاداً بالاستدلال، وانما نستند فيما نقول الى تصريحات رئيس حزب تجمع الليكود اريل شارون وزعيم المعارضة في الكنيست البرلمان ورأس الفتنة للمتطرفين الاسرائيليين، التي تقرر بان يهودا باراك لا يحق له بصفته رئيسا للوزراء التنازل عن شبر واحد من ارض الميعاد، وسنقف له بالمرصاد حتى يعود عن غيه الارادي او اللاارادي بالضغط عليه من امريكا، ليفرض علينا سلاماً مكلفاً لا نرغب فيه هذا التهديد العلني الذي يوجهه اليمين الاسرائيلي المتطرف والشرس ضد رئيس الوزارة يهودا باراك يثبت ماكان ينسب للسلطة الاسرائيلية في مختلف العهود من جرائم في داخل اسرائيل لتدين بها المقاومة الفلسطينية حتى تلاحقها وتبرر سياسة القمع لها بالقتل العلني في الشوارع، او الزج بها في غياهب السجون.
لانريد ان نسبق الاحداث واتهام حزب تجمع الليكود بالانفجارين الاخيرين في حيفا وطبريا، وهما باعماق قلب اسرائيل، وبعد ساعات معدودة من توقيع اتفاقية شرم الشيخ، تنفيذاً لتهديدات هذا الحزب العلنية الموجهة لرئيس الوزراء يهودا باراك.
لا يفوتنا ان نذكر هنا سابقة اغتيال رئيس الوزارة الاسرائيلية المنتمي لحزب العمال اسحاق رابين في وضح النهار على قارعة الطريق بواسطة بيجال عامير بتحريض من قبل المتطرفين اليمينيين حسبما جاء في اقواله امام المحكمة التي تولت محاكمته، وتعمد بنيامين نتنياهو بعد ايلولة السلطة اليه، التعتيم على هذه المحاكمة بحجة انها تمس قضايا تتعلق بأمن الدولة.
ولكن كل ذلك لا يمنع ايضاح بان الانفجارين في حيفا وطبريا يخرجان عن اقاليم السلطة الوطنية، وان السياج الامني عليهما يحول دون وصول رجال حماس اليهما، ولم تشهد اسرائيل أعمالا مماثلة لما حدث في داخل اعماقها الداخلية، ووجه الاتهام الى رجلين عربيين يحملان الجنسية الاسرائيلية، ويقوم احتمال تحريضهما وتسهيل مهمتهما من قبل حزب تجمع الليكود قمة التطرف اليميني الشرس في داخل اسرائيل.
يؤكد هذا الاحتمال في ارتكاب حزب تجمع الليكود للتفجيرين في حيفا وطبريا حرص اليمين المتطرف الشرس على حياة اليهود، مما جعل الضحايا بهما ثلاثة اشخاص منهما الرجلان العربيان الاسرائيليان، وهو ما يتناقض مع حجم التفجيرين ومما يسببانه من دمار وقتل لأعداد كبيرة بوقوعهما في داخل مدينتين لو جاء التخطيط لهما من قبل المقاومة الفلسطينية.
اختلاف مسلك حكومة يهودا باراك في التعامل مع حادث الانفجارين في حيفا وطبريا يثبت ان المقاومة الفلسطينية لا علاقة لها بما حدث، فلم تلجأ هذه المرة الى اغلاق الحدود بصورة تعسفية على الاراضي التي تحتلها التي اعادتها او تخطط لسرقتها، كما كانت تفعل كل الحكومات الاسرائيلية السابقة عند وقوع الانفجارات بها، لتفرض على الفلسطينيين العقاب الجماعي المحرم في كل الشرائع القائمة على الارض ما كان منها من عند الله وما كان منها من وضع الانسان.
ليس من الصدفة على الاطلاق عدم اقدام الحكومة الاسرائيلية بانزال العقاب الجماعي على الفلسطينيين في هذه المرة خلافا لمسلكها المعتاد مع الاحداث المماثلة وانما جاء تصرفها بعدم معاقبة الفلسطينيين ليعبر عن ادراكها لطبيعة ما حدث الانفجارين بدوافع ذاتية نابعة من الجسم السياسي الاسرائيلي، فعالجته بنفس الاسلوب الذي عالجت به حادث اغتيال اسحاق رابين بعيداً عن التعسف بالفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بالحادثين: الاغتيال في الماضي والتفجيران في الحاضر.
الادعاء الذي ترفعه حكومة يهودا باراك بعدم انزال العقاب الجماعي على الفلسطينيين راجع الى حرصها على الاتفاق الذي ابرمته في شرم الشيخ معهم، هو في حقيقته ادعاء باطل لان التاريخ السياسي الاسرائيلي يدين كل الحكومات المتعاقبة على السلطة في تل ابيب باصطناع الاحداث التي تفسح لها الطريق للاخلال بالتزاماتها التي تفرضها عليها المعاهدات المبرمة معها ليس فقط على المستوى الاقليمي وانما ايضا على المستوى الدولي، والشواهد عليهما كثيرة غير قابلة للحصر، نختار منها مثلين: اقليمي ودولي على المستوى الاقليمي معاهدات الصلح مع الفلسطينيين ابتداء من معاهدة مدريد التي استبدلتها باتفاقية اوسلو السرية الاجرائية, ومعاهدة واي ريفر بلانتيشن التي تحولت هي الاخرى الى اتفاق اجرائي في شرم الشيخ لم تحترم منها اسرائيل اي معاهدة للصلح او اتفاق اجرائي لتنفيذها، على الرغم من تدني الالتزامات المطلوبة منها، بالقفز من المعاهدة الى الاتفاق، وهو ما يفرض عندنا الريبة في احترامها لاتفاقية شرم الشيخ الاخيرة.
اما على المستوى الدولي فعلى الرغم من المعاهدة التي تربط واشنطون بتل ابيب التي اعطت اسرائيل صفة الحليف الاستراتيجي لامريكا في منطقة الشرق الاوسط نجد الحكومة الاسرائيلية تخرج عن التزاماتها باقدامها على سرقة المعلومات العسكرية الامريكية السرية للغاية وتقوم ببيعها على عدو امريكا اللدود الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، وادى افتضاح امر هذه الخيانة الاسرائيلية الى ضجة دولية مدوية اثبتت للعالم كله عدم احترام الحكومة الاسرائيلية للالتزامات المفروضة عليها بالمعاهدات الدولية المبرمة معها.
يجب ان نفهم من خيانة اسرائيل لكل معاهداتها، ولكل المتعاملين معها عدم امان جانبها في توظيف العرب الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية في عملية الانفجارين الاخيرين في حيفا وطبريا، لخدمة اغراضها الرامية الى الغاء الالتزام باتفاقية شرم الشيخ لانها تستهدف ايجاد السبل النظامية الداعية للتخلص من العرب الاسرائيليين عن طريق اسقاط الجنسية عنهم.
تزداد الريبة في اليمين الاسرائيلي المتطرف الشرس لانه هو الذي وظف العرب الاسرائيليين في عملية التفجيرين في حيفا وطبريا في الوقت الذي يطالب فيه بالحاح اخراج كل العرب من اسرائيل يتساوى في ذلك عندهم من كان يحمل الجنسية الاسرائيلية او لا يحملها لان بقاءهم فوق ارض الميعاد بصورة دائمة يتعارض مع احكام التلمود الذي يحمل الاحكام المحرفة للتوراة بتبديل الكلام عن مواضعه، المتخصصون فيه اليهود منذ قدم الزمان، وحدثنا عنه القرآن الكريم في العديد من آياته التي لا يأتيها الباطل لانها كلام الله جلت قدرته المنزلة على سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ان السلام في منطقة الشرق الاوسط لا يتعثر بالانفجارين اللذين حدثا في حيفا وطبريا، فهما لايزيدان عن وسيلة اتخذها الانسان الاسرائيلي اليميني المتطرف الشرس الذي ا راد بهما ضرب عصفورين بحجر واحد اولهما,, الغاء اتفاق شرم الشيخ، وثانيهما التخلص من كل العرب في داخل اسرائيل باخراجهم منها.
تعثر السلام الفلسطيني الاسرائيلي في كل مراحله تحت مظلة الارادة الدولية بقراري مجلس الامن 242 و 338 وبالمعاهدتين الدوليتين مدريد وواي ريفر بلانتيشن والاتفاقيتين الاجرائيتين اوسلو وشرم الشيخ، يرتكز على دور المتطرفين اليهود الرافضين تماماً اعادة الاراضي العربية لاصحابها والعمل على اخراجهم منها بكل الوسائل غير المشروعة حتى يتكامل بناء الوطن القومي اليهودي.
مواجهة هذا الفكر اليهودي المتطرف الشرس يتطلب مخاطبة العرب للعالم بحقيقة ما يحدث في داخل اسرائيل من عدوان صارخ على الاراضي العربية المحتلة، وعلى الانسان الفلسطيني في داخلها بالعمل على اخراجه منها، وفي خارجها بالعمل على عدم دخوله اليها ليلغوا بذلك عن نضالهم الوطني ما يلصق به من ارهاب غير مشروع بالباطل وحتى يكتسب هذا النضال الوطني سمات الكفاح المشروع لالتصاقه بالدفاع عن النفس والوطن.
|