,, والأفلام المصرية ترفض التعايش مع الصهاينة,. لافرق بين صعيدي و همام و عبود و الآخر |
*القاهرة - مكتب الجزيرة- كريم طارق
لن تجد هنا فارقاً بين الآخر ليوسف شاهين، و همام في امستردام لسعيد حامد، محمد هنيدي، و عبود على الحدود لشريف عرفة ، علاء ولي الدين، وعشرات الافلام التي توحدت بصدق مع مشاعر ومواقف الشعب المصري,, والعربي,, مما عرف مؤخراً بالتطبيع.
في بداية العام الحالي اشار الناقد طارق الشناوي الى ان الظروف سمحت له بمشاهدة فيلم صعيدي في الجامعة الامريكية في العديد من العواصم العربية,, ولم يفاجأ بان رد الفعل كان واحداً على مشهد حرق العلم الصهيوني ,, التصفيق الحاد وربما الهتاف تأييداً لابطال الفيلم الذي طرح وجهة النظر الامريكية او المتأمركة الداعمة للكيان الصهيوني في مقابل وجهة النظر الوطنية,, المثقفة وايضاً العفوية , ويمكن ان تضم اليه اسماعيلية رايح جاي .
ولن يختلف الحال في فيلم فتاة من اسرائيل ل إيهاب راضي الذي انشغل بكامله بالتساؤل,, هل يمكن لنا ان نعيش معهم ,, نحب منهم ونرتبط بهم ، وبعيداً عن مستوى الفيلم ،فان الجمهور - في كل عرض- كان يصفق بحرارة والبطل خالد النبوي يعود سباحة الى ارض الوطن بعد ماكان يظن ان الفتاة التي من العدو قد اغوته,, وانه سيطبع متناسياً دماء اخيه الشهيد.
إذن حسم الجمهور- الشعب موقفه، ولم يكن غريباً ان يتسق معه الانتاج السينمائي المصري ا لقليل - في سنواته الاخيرة - بمستوياته المختلفة، من رفض فكرة مجمع الاديان التي طرحها الرئيس السادات وفضحها كوسيلة منهم للنصب علينا كما رأى يوسف شاهين في الآخر او رفض التعايش معهم حتى على ارضية محايدة هولندا لانهم لن ينسوا عداءهم لنا كما في همام في امستردام او انهم لايأتي من ورائهم في حالة التعايش سوى الفساد الاخلاقي,, جنس ومخدرات كما في عبود على الحدود .
إذن حسمت السينما المصرية موقفها لتؤكد انها جزء من شارعها .
وعودة الى جذور رؤية السينما لالصراع تشير إلى انها لم تكن ابداً ضد اليهودية كدين,, لكنها وفي اعقاب نكبة 1948 لم تعد تفرق - إلا فيما ندر - بين اليهودي والصهيوني .
فحتى قيام كيانهم الصهيوني كان اليهود جزءاً من نسيج المجتمع المصري ، شاركوا في كل مظاهر حياته منها السينما بأسماء ابرزها توجو مرزاحي المنتج والمخرج الاسكندراني الذي قدم عشرات الافلام منها سلسلة شالوم التي تشير بوضوح الى ديانة مخرجه وبطله,, وتقبلها المجتمع المصري برحابة صدر، وظل مزراحي الذي اكتشف ليلى مراد - التي هجرت اليهودية الى الاسلام فيما بعد - يعمل بالسينما المصرية حتى اعلان الكيان الصهيوني,, فهاجر من مصر الى ايطاليا رافضاً الهجرة للكيان الجديد,, من افلامه شالوم الترجمان ، شالوم الرياض ، عائلة راشيل ، فاطمة وماريكا وراشيل ، حسن ومرقص وكوهين ,, الذي عرض بعد رحيله عام 1954,, رغم عداء ثورة يوليو الواضح للكيان الصهيوني، الغريب ان الفيلمين الاخيرين وصفا اليهودي بالخبث والمكر والمسكنة، وقبل 1948 عرفنا افلاما في المقابل تحاول في وعي مبكر بالقضية ,, فضح جرائم العصابات الصهيونية من فلسطين مثل فتاة في فلسطين .
سوبر ماركت الخيانة
وفي اعقاب العدوان الثلاثي 1956 تبلور وتجلى العداء الصهيوني لمصر والعرب, اصبح ظهور الشخصية اليهودية في الصهيونية قاصراً على الجنود الصهاينة من بور سعيد إلى جريمة في الحي الهادىء و أغنية على الممر و ظلال على الجانب الآخر و ابناء الصمت و الرصاصة لاتزال في جيبي و غيرها من افلام اكتوبر,, التي قدمتهم كمغتصبين وقتلة.
ومع ارهاصات كامب ديفيد,, وما بعدها اضيف بعد الجاسوسية ,, واصبح مجرد التعامل معهم مرتبطا بالخيانة وبيع الوطن ودماء الشهداء كما في افلام إعدام ميت و الصعود الى الهاوية و بئر الخيانة و مهمة في تل ابيب .
ومع اشتداد الحملة المقاومة لالتطبيع نجد ضربات سينمائية واضحة لالمعاهدة في افلام تحذر من خطورة التطبيع والمطبعين ، وتؤكد فساد كل من يرتبط بنجمة داود، ففي كتيبة الاعدام ، إسامة انور عكاشة وعاطف الطيب، إشارة واضحة للثراء الفاسد المرتبط بالخيانة من خلال شخصية فرج الاكتع الذي وشى لليهود بمخبأ كتيبة مصرية في حرب الاستنزاف مقابل السماح له بالهرب بمرتبات جنود الكتيبة ليستغلها بعد الانفتاح في انشاء اول سلسلة سوبر ماركت مصرية!.
في الامبراطور اول افلام طارق العريان -1990- نرى ان ثمن صعود نجم تجارة الكوكاين والهيروين هو تعاونه مع الصهاينة,, وعلمهم واضح على مكتب التفاوض ، والذي امدوه بالمخدر المدمر للشباب المصري,, بينما رفض تاجر المخدرات العجوز التعامل معهم ,, خاصة في هذا الصنف شديد التدمير,,وكان الفيلم يفرق بين درجات فساد,, اخطرها يرتبط بالعدو او مع آخر افلام الراحل احمد فؤاد ,, الحب في طابا نجد صرخة تحذير للشباب المصري من الاختلاط بفتيات إسرائيل ,, لانهن حتى في لهوهن ومتعهن لاينسين دورهن في نشر الايدز بين الشباب العربي,, والفيلم اعتمد هنا على وقائع حقيقية نشرت بالصحف المصرية وقتها.
التاريخ ضد الادعاء
ويأتي التعويذة للراحل محمد شبل -1986- بإسقاط مباشر على العلاقات المصرية- الصهيونية، فاستاذ التاريخ المصري يقاوم ساحرا يهوديا يريد اخراجه من بيته بدعوى انه -اي الساحر- مرتبط عاطفياً بالمنطقة أهلي زمان كانوا عايشين هنا ,, وللعبارة دلالتها الواضحة على الصراع العربي- الصهيوني، وعلى نفس الخط الفكري نجد افلاما مثل العصابة لهشام ابو النصر، الذي يعرض الانحراف الشباب المصري وازماتهم النفسية ثم يقدم شخصية طبيب نفسي اسرائيلي يزعم ان ازمات الشباب ستحل بعد ازالة الحاجز النفسي مع الجيران و التطبيع معهم، وكذلك خيانة لشريف حمودة الذي يتعرض بسذاجة لمحاولات إسرائيلية لاختطاف عالم ذرة مصري وعش الغراب لسمير سيف ومحاولة الموساد لسرقة شحنة يورانيوم كان في حوزة مافيا سلاح مصرية - امريكية.
غير أن أكثر الشخصيات اليهودية إثارة للجدل كانت مع توقيع كامب ديفيد قبل عشرين عاماً عندما أخرج يوسف شاهين أول افلام سيرته الذاتية إسكندرية ليه والذي يعود بأصدائه للاربعينات مستعرضاً نسيج المجتمع السكندري بعناصره الدينية الثلاثة عبر الاصدقاء محسن المسلم ومراد المسيحي شاهين ذاته، وديفيد اليهودي ، والذي يبدو اكثر الاصدقاء إيجابية وارتباطاً بالحركات الشيوعية المتعاطفة مع حقوق العمال، و شاهين يرصد هنا التداخل التاريخي بين يهود مصر ونشأة الحركة الشيوعية في اربعينات القرن الحالي، ويصل التعاطف هنا الى مداه في علاقة الحب التي تربط سارة شقيقة ديفيد بالمحامي الشاب ابراهيم المدافع عن حقوق العمال,, والتي تعمد على انتظاره لحين خروجه من المعتقل وترفض مجرد التفكير في الهجرة من مصر واذا كان كورييل والد ديفيد يرى ان الكيان الصهيوني هو مجرد مؤامرة امريكية، فانه لايلبث ان يذهب الى حيفا ,, وعندما يتأمل دمارها على يد الصهيانة يصرخ ليست هذه الارض الموعودة التي وعدتوننا بها اما ابنه ديفيد فانه يهجر الحركة الشيوعية والاسكندرية ويرحل الى الكيان للمشاركة في بناء دولته الجديدة!.
هكذا قدم شاهين ثلاث تنويعات من الشخصية اليهودية ، لكنه في الجزء الثاني من مسير ته حدوتة مصرية -1982-يبدو اقل التباساً,, ويعلن موقفه ضدهم,, فهم ضده ولن يسمحوا له بالفوز بكان ,, ويسخر من سيطرتهم على صناعة السينما في هوليود قائلاً لزوجته للمرة العشرين يهودي امريكي يقول: كويس كتير,, لكن يفتح الله,, ح تخدوا مخرج عربي ليه ، غير ان شاهين يعود في وداعاً بونابرت -1986- الى عناصره الدينية الثلاثة,, مقحماً هنا عنصراً يهودياً من مقاومة الاحتلال الفرنسي لم يرد له ذكر في التاريخ.
وقوف السينما المصرية ضد اية علاقة سوية مع الصهاينة,, لعدم ثقتها فيهم لم تمنع مخرجا شابا هو خالد الحجر -احد تلاميذ شاهين- من طرح رؤية مناقضة تماماً,, تقوم على ان مابين المصريين والصهاينة هو مجرد حاجز بيننا .
كما يقول عنوان الفيلم الروائي القصير الذي عرض بمهرجان الاسماعيلية عام 1995,, لتفتح عليه ابواب الرفض الفني والثقافي,, ليعود الحجر إلى اوربا حيث يعيش بعد ان فشل في اختراق الضمير الجمعي السينمائي المصري.
|
|
|