حدثتني صديقة تحمل درجة الدكتوراة في تخصص علمي يقل فيه النساء,, انها صدّقت ببراءة كل ما جاء في الصحف عن جدوى وشفافية السياحة الداخلية، والأنكى من ذلك ان المواطنة المسكينة صدقت أيضاً سريان ما سبق ان نشر عن التصريح للنساء بالنزول في الفنادق إذا ما اقتضت الحاجة وهو تصريح استمر الكتّاب في الكتابة عنه والاشادة به في تيسير امور النساء لعدة اشهر,, وبما ان اولادها قد جدّوا واجتهدوا طوال العام وحققوا نجاحا مميزا، فقد رأت انها والاولاد تستحق اجازة ككل البشر العاديين ونسيت في غمرة حماس الابناء للسفر انها سيدة مطلقة مما يحرمها ويحرمهم من حق حمل اي هوية تثبت انهم اولادها وأنها أمهم التي حملت كلّاً منهم تسعة اشهر وهناً على وهن,, ولذا فقد استقر رأيها ان تكسر كسل الصيف وتكيد لصهيب القيظ بأن تصحب البنات والابناء الى مصيف من مصائف الوطن لمدة اسبوع او نحوه خاصة ان كبير الأبناء قد حصل على التوجيهية هذا العام وبإمكانه ان يرافقها وبقية الاسرة كمحرم وهي لا تصدق انها بلغت هذا اليوم الذي طالما انتظرته.
وبعد اتصالات هاتفية وفاكسية مع الفنادق والشقق المفروشة وقياس درجة حرارة الاسعار الملتهبة في المصائف السعودية وجدت ان خير مكان تذهب اليه إذا كان ولابد من صرف هذه المبالغ الطائلة هو المدينة المنورة إذ لابد على الرغم من حرارة جو المدينة المنورة في مقتبل الاسد ان تجد في روحانية وجودها والابناء في رحاب الحرم المدني ما يبلّ القلب ويثلج الصدر,, وفي هذا ايضا درس تاريخي ومعنوي للبنات والابناء ليشعروا بحواسهم الخمس عظمة الكفاح الاسلامي في التأسيس للدعوة المحمدية منذ فجر الهجرة.
وبما ان مشاريع تجارية ضخمة من الفنادق والشقق المفروشة قد قامت بالمدينة المنورة مؤخرا لاستضافة زوار ثاني الحرمين وحيث ان الموسم ليس موسم حج او زيارة، فقد خيّل لتلك المرأة التي علّمها تخصصها ان تتعامل مع الامور بالمنطق ان تكاليف اجازتهم بالمدينة المنورة ستكون اكثر معقولية من بقية مناطق المملكة الاخرى مثل جدة او المنطقة الشرقية التي كان يزيد ايجار الشاليه ذي المستوى الاقل من المتوسط في اي منها على ألف ريال لليوم الواحد.
ولكن كل هذه تفاصيل صغيرة هامشية لا علاقة لها بصلب الموضوع الا تخفيف وقعه على المصابين بداء الحساسية من القراء الاعزاء.
(الزبدة) استقلت الصديقة والابناء طائرة المساء من الرياض الى المدينة المنورة يحفها وصغارها الحبور بالزيارة للأرض المقدسة ومن المطار اتجهت الى احد تلك النُزل الضخمة التي تسور الحرم حتى تكاد تمنع عن حمامه الهواء ومن تلك اللحظة بدأت المفاجأة غير السارة لها وللأبناء.
أرادت بطبيعة الحال ان تستأجر لمدة اسبوع شقة مفروشة او جناحاً عائلياً في احد الفنادق ولكن دون جدوى؛ فعلى الرغم من تعاطف موظفي الاستقبال فقد كانوا يشيعونهم الى خارج البهو بكلمات الاعتذار.
ما المشكلة؟:
المشكلة ان السيدة الدكتورة الاربعينية ذات الخمسة من الابناء والبنات لم تكن تحمل ما يثبت ان هذا الشاب الذي تخطى شاربه الخضار الى السواد وبدت تباشير لحيته تملأ صدغيه هو ابنها,.
ما العمل,؟!
الابن البكر الأكبر يحمل بطاقة الاحوال المدنية ولكن اسم الام ولقبها غير مذكور في البطاقة والبنات والأبناء القصّر لا تزال هويتهم في دفتر العائلة للوالد المنفصل عنهم وفي حوزته وحده دون ان يكون لدى الأم دفتر عائلة مماثل.
اما البنت الكبرى فليس لديها هوية أصلاً للتأكد من ان هذا الشاب المحرم هو شقيقها، وان تلك المرأة هي أمها,,
ولم يُفد بطبيعة الحال جواز السفر الذي كانت تحمله الام كإثبات للهوية في حل الاشكالية ما دام الابناء غير مسجلين في جواز سفر الام نظراً لمعارضة والدهم على ضمهم في جواز سفرها عندما استخرجته ولم يكن للجوازات ان تفعل ذلك دون موافقة خطية منه.
اين تبيت هذه الاسرة بعد منتصف الليل,, وابواب الحرم مغلقة وليس من فندق يستقبل الأم واطفالها على ارض المدينة المنورة,, هل تذهب للمطار وتنتظر الطائرة العائدة الى الرياض,؟
* * *
هذا شكل واحد من قصة تتكرر مع النساء بأشكال متعددة اخرى وهو موضوع اثبات امومة الأم لابنائها,, واقتراحي المحدد هنا هو ان يضاف في بطاقة الاحوال المدنية وفي جواز السفر اسم الام ثلاثياً,.
اما الموضوع برمّته الذي سبق أن تناولته وتناوله غيري من الكتاب والقراء فإنني اضعه بين يدي صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز ولا شك انه سيجد له حلاً ضمن الحل الجذري المنتظر لمسألة ايجاد ما يثبت الهوية الوطنية لنساء هذا الوطن,.
ولله الامر من قبل ومن بعد,.
فوزية عبدالله أبوخالد