حظي الترابط الوثيق بين نزع السلاح والتنمية باعتراف واسع في العالم المعاصر فليس هناك دولة الآن لم تتعرض بهذا القدر او ذاك للتأثير السلبي لسباق التسلح وانفاق الثروات الوطنية بصورة غير منتجة على الاغراض الحربية.
ان نزع السلاح قادر على المساهمة في حل المشاكل الكبيرة في العالم الرأسمالي، مثل تقليص العجز في ميزانيات الدولة وكبح التضخم النقدي ومكافحة االبطالة والفاقة والفقر، والتشرد.
ان وقف سباق التسلح قادر على اجراء تحسين ملموس على الوضع الاقتصادي في الدول النامية ايضا ويقدم حافزا مهما لسيرها الى الامام على طريق التقدم الاقتصادي والاجتماعي .
بدهي ان بالامكان الحصول على اكبر المردود في ظل نزع السلاح الشامل، ولكن حتى في ظل التقليص الجزئي للموارد المتنوعة التي تلتهمها الاستعدادات الحربية من قبل الدول الصناعية، يمكن التأثير بصورة كبيرة على سير وآفاق تطور العالم الثالث.
يقول جيكيفيس في كتاب اقتصاد البلدان الغنية والفقيرة : ليس لدى البشرية مهمة اكبر شأنا من درء النزاع النووي الصاروخي العالمي الذي يهدد بإبادة كل الاحياء على الارض.
لقد تكدست في العالم ترسانات هائلة للسلاح فإن القدرة الاجمالية لجميع الموجودات النووية في أواخر السبيعنات تجاوزت مليون قنبلة كالتي ألقيت على هيروشيما من حيث قوتها.
وتفيد تقديرات هيئة الأمم المتحدة ان النفقات المباشرة على سباق التسلح بعد الحرب العالمية الثانية كلفت البشرية 10 تريليونات دولار.
وفي اواسط الثمانينات بلغت النفقات الحربية السنوية العالمية الاجمالية 900 مليار دولار.
ويخدم في القوات المسلحة اكثر من 27,5 مليون شخص وفي ميدان الانتاج الحربي يعمل اكثر من 70 مليون شخص آخرين، ويعمل في الميدان العسكري اكثر من ثلاثة ملايين عالم ومهندس، ويبتلع هذا الميدان حوالي 40% من النفقات العالمية المخصصة للبحث العلمي.
ورغم القدرة الحربية المكدسة الهائلة لا تزال آلة العسكرة تدور اقوى فأقوى.
ان القوة الاساسية المحركة لسباق التسلح في البلدان الصناعية والمبادرة الى زيادة النفقات الحربية هي المجمعات الصناعية الحربية وبجهود المجمعات الصناعية الحربية ينشأ نظام الاقتصاد العسكري الرأسمالي العالمي ويتكون اساسه من الاحلاف والتكتلات العسكرية.
يقول فولكوف في كتاب اقتصاد البلدان الغنية والفقيرة : تبرر الاوساط القيادية في الغرب توسيع سباق التسلح بضرورة ضمان الامن والسلامة من الاخطار والعدوان الخارجي.
وللأسف، فلم يعد العالم الثالث، هو الآخر في معزل عن عملية اتساع التسلح، فهو ينجذب بمزيد من النشاط لى دوامة الاستعدادات الحربية,, وتنمو بمنتهى السرعة نفقاته العسكرية التي ازدادت خلال ثلاثة عقود بعد الحرب العالمية الثانية 12 مرة.
ويقترن ازدياد النفقات العسكرية بزيادة سريعة في تعداد القوات المسلحة ففي الثمانينيات ضمت جيوش البلدان النامية (11) مليون شخص، وهذا يعادل 40% تقريبا من تعداد القوات المسلحة النظامية في العالم،
واذا اخذنا بعين الاعتبار ان نفقات العسكري الواحد في البلدان النامية اكثر بعشر مرات من دخل الفرد الواحد من السكان، يتضح ان هذه القوات المسلحة تلقي على كاهل الاقتصاد الضعيف أعباء مالية.
وفي بعض تلك البلدان نجد النفقات العسكرية بحساب الفرد الواحد من السكان مرتفعا.
ولدى تقييم اسباب اشتداد عمليات العسكرة في العالم الثالث لا يجوز، بالطبع، تجاهل العوامل الموضوعية الداخلية, وجود التناقضات السياسية والاقتصادية والادعاءات الاقليمية المتبادلة.
والى جانب ذلك يرتبط جر الدول النامية الى سباق التسلح في حالات كثيرة ولدرجة حاسمة بأعمال قوى خارجية تثير البلبلة في الموقف العسكري والسياسي.
ان العسكرة عائق كبير امام التقدم الاقتصادي والاجتماعي، فإن تأثير سباق التسلح التخريبي يجتاح الاقتصاد العالمي كله ويمس جميع الدول على حد سواء.
كما ان عواقبه الوخيمة تترك آثارها السلبية بالكامل على الاقتصاد.
وتتجلى العواقب الاقتصادية والاجتماعية لسباق التسلح بشكلها الحاد جدا في البلدان النامية, فإن سباق التسلح يولد طائفة من اعقد المشاكل الاقتصادية حيث يساعد على ازدياد العجز في الميزانيات واشتداد التضخم النقدي وتفاقم صعوبات موازين المدفوعات وزيادة الديون الخارجية، وتردي مستوى حياة السكان،
ففي كثير من البلدان النامية تتجاوز النفقات العسكرية اعتمادات تنمية الزراعة وتخصص العسكرة مبالغ تزيد 6 مرات على نفقات الخدمات الطبية، وتزيد 3 مرات على نفقات التعليم.
هذا هو الثمن الاقتصادي والاجتماعي الباهظ الذي يضطر العالم الثالث على دفعه اليوم في مقابل التوتر الدولي.
يقول كلوتشكوفسكي في كتاب (اقتصاد البلدان الغنية والفقيرة): إن غول العسكرة يشوش لدرجة خطيرة العلاقات الاقتصادية الخارجية للدول النامية, كما تلحق العسكرة ضررا هائلا بجميع أنشطة الاقتصاد الوطني،.
وفي ظل العسكرة يلعب السلاح دورا كبيرا في تجارة الدول النامية الخارجية، اذ تبلغ حصة البلدان النامية حوالي 70% من مجموع الاستيراد العالمي للسلاح.
ان ادراك الخطر الفتاك لسباق التسلح على البشرية، وخصوصا نقله الى الفضاء الكوني، وتأثيره التدميري على التقدم الاقتصادي يدفع الدول النامية الى الربط الاوثق بين قضايا السلام ونزع السلاح والتنمية.
حيث ان نزع السلاح والتنمية جانبان مترابطان يكمّل بعضهما بعضا من جوانب الأمن الدولي.
إن افكار الترابط الوثيق بين نزع السلاح والتنمية تشق طريقها بثقة وبيد انه لابد من الاشارة الى ان ترسيخها يجري في جو من الصراع الحاد,.
إذ ان انصار العسكرة يحاولون احباط مناقشة هذه القضايا في المحافل الدولية.
كما ان انصار سباق التسلح يخوفون البلدان النامية بصعوبات تغيير الاقتصاد العسكري ونقله الى جادة السلام.
ختاما اقول ان افكار الترابط بين نزع السلاح والتنمية تحظى الآن بتأييد متزايد الاتساع لدى البلدان النامية، لانها تستجيب لمصالحها.
وهذ الافكار تغدو عاملا مهما يساعد على تعزيز الوحدة والتلاحم بين الشعوب النامية.
ومن ثم، فلا يمكن درء خطر الحرب والذود عن السلام إلاّ على أساس الجهود الجماعية,, وفهم هذه الحقيقة يعتبر حافزا جديا للعمليات التكاملية في العالم الثالث,.
د, زيد بن محمد الرماني
عضو هيئة التدريس بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية