الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه، اما بعد:
ومن الاوجه التي تعارض بها نصوص الوحي الموازنة بين المصلحة والشرع، فكثير من الناس يرد النصوص الثابتة؛ بحجة الموازنة بين المصلحة والشرع، قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) وروى مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج، قال: جاء ذات يوم رجل من عمومتي فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امر كان نافعا لنا وطواعية الله ورسوله انفع لنا، فهذا الصحابي رضي الله عنه ترك المصلحة الشخصية من اجل نهي الشارع عنها وهكذا كان السلف الصالح، كانوا يؤمنون بجميع شرائع الدين لا يتركون منها شيئا، ولم يكونوا ممن اتخذ الهه هواه، ان وافق الامر المشروع هواه فعله، وان خالفه تركه، قال تعالى: (افكلما جاءكم رسول بما لاتهوى انفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) وانما كان هواهم تبعا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابو داود باسناد صحيح عن ابي ادريس الخولاني، ان يزيد بن عميرة - وكان من اصحاب معاذ بن جبل - اخبره قال: كان لا يجلس مجلسا للذكر حين يجلس، الا قال: (الله حكم قسط هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوما: ان من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن ، حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والحر والعبد، فيوشك قائل ان يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي، حتى ابتدع لهم غيره، فاياكم وما ابتدع ضلالة، واحذركم زيغة الحكيم فان الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان حكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: وما يدريني - رحمك الله - ان الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وان المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه! ولا يثنيك ذلك عنه، فإنه لعله ان يراجع، وتلق الحق اذا سمعته فإن على الحق نورا) وهذا الاثر يدل على: ان الانسان قد يزهد بالكتاب والسنة، والدعوة اليهما بحجة ان الناس قد ملوا التكرار ، ولابد من كسبهم، قال شيخ الاسلام ابن تيمية - عليه رحمة الله - والقول الجامع ان الشريعة لا تهمل مصلحة قط، بل الله تعالى اكمل لنا الدين واتم النعمة، فما من شيء يقرب الى الجنة الا وقد حدثنا به النبي صلى الله عليه وسلم - وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك، لكن ما اعتقده العقل مصلحة وان كان الشرع لم يرد به فاحد الامرين لازم له، اما ان الشرع دل عليه من حيث لم يعلم هذا الناظر او انه ليس بمصلحة وان اعتقده مصلحة لان المصلحة هي المنفعة الغالبة وكثيرا ما يتوهم الناس ان الشيء ينفع في الدين والدنيا، ويكون فيه منفعة مرجوحة بالمضرة، كما قال تعالى في الخمر والميسر: (قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما).
قال احد المعاصرين: ان كلمة مصلحة الدعوة يجب ان ترفع من قاموس اصحاب الدعوات، لانها مزلة ومدخل للشيطان يأتيهم من حيث يعز عليهم؛ ان يأتيهم من ناحية مصلحة الاشخاص وقد تتحول مصلحة الدعوة الى صنم يتعبده اصحاب الدعوة وينسون معه المنهج الاصيل، المبني على كتاب الله وسنة رسوله وفهم سلف الامة، ان على اصحاب الدعوات المختلفة ان يستمسكوا بالنهج الاصيل، فالخطر الوحيد الذي يجب ان يتقوه هو خطر الانحراف عن هذا المنهج، بسبب من الاسباب سواء اكان هذا الانحراف كثيرا او قليلا والله اعلم منهم بالمصلحة وهم ليسوا بها مكلفين انما هم مكلفون بامر واحد ألا ينحرفوا عن المنهج وألا يحيدوا عن الطريق.
والله الموفق.
*المدير العام لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة حائل