الحمد لله الغني الحميد، احمده سبحانه الغني عن خلقه، وهم الفقراء اليه، واشكره ونسأله المزيد من فضله، واشهد ان لا اله الا الله وحده لاشريك له القائل في الحديث القدسي أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا اشرك فيه غيري تركته وشركه واشهد ان محمدا عبده ورسوله امام المتقين وسيد الأولين والآخرين، وعلمه افضل علم السابقين واللاحقين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله واصحابه الذين نهلوا من علمه ما جعلهم اولى بصحبته، عند ورود حوضه، هدفهم سام، وغايتهم رضا الله وابتغاء مرضاته.
اما بعد:
فيا ايها الناس، اتقوا الله,, اتقوا عباد الله المسلمين، واعلموا ان مقتضى الايمان بالله هو العمل بأوامره واجتناب منهياته والمسارعة الى طاعته وطاعة رسوله فاتقوا الله واتقوا اليوم الاخر الذي فيه ثواب الاعمال الصالحة، والجزاء على الاعمال الفاسدة، اتقوا يوما يقف فيه الانسان فردا بين يدي الله لا واسطة تشفع ولا رشوة تنفع لمن اغفل نفسه في هذه الدنيا واهملها فكأنه يسمع ولا يسمع، هدفه زخرف الدنيا وزينتها، الا وان اهم ما ينبغي ان نهتم بإصلاحه العلوم الشرعية، فنتعلم احكام الشريعة للعمل بها، ومن العلوم الدنيوية ما يعيننا عليها.
اما اذا قصدنا في تعلمنا لهذه العلوم تأمين حياتنا ومستقبلنا على حد تعبير بعض المتعلمين في وقتنا الحاضر، فالقصد غير صحيح، والمآل الى الخسران، فان هذا المفهوم يحمل الخطر الكبير على عقيدة المسلم حيث انه لا يعلم المستقبل ومع ذلك ربطه بجهوده، والمفروض عليه ان يستعين بالله، ويفعل الاسباب ويجعل النية الصالحة قائده، والمصلحة العامة رائده، متقيدا في تعلمه وتعليمه بقيود الشريعة, اما اذا كان تعلمه على حساب عقيدته واخلاقه وسلوكه وهدم شخصيته فان هذا المسلك هو هلاكه وموته وظلمته، وهذا المسلك المهلك ايها المسلمون يتركز على ما يأتي:
اولا: ان يتعلم للمراءاة والمباهاة وان يلقب بأسماء الشهادات والمؤهلات.
ثانيا: ان يركز تعلمه لقصد المنصب والرئاسة ليكسب الفخر والجاه.
ثالثا: ان يؤدي به تعلمه الى تعظيم النصارى واليهود، وان يتحصل على التفوق ليفوز بالابتعاث اليهم والدراسة بين يديهم، والتلقي لما يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
رابعا: ان يعتقد هذا المبتعث تعظيمهم وتعظيم مجتمعهم وينتقص المسلمين، وما علم ان ذلك نقص فيه وليس في الاسلام والمسلمين، فما اكثر من انحرف ممن ابتعث الى هؤلاء في عقيدته وانهارت اخلاقه، وخبث سلوكه وعاد متنكرا لمجتمعه وتقاليده وكأنه يريد ان يقلب مجتمعه الاسلامي الفاضل مجتمعا اوروبيا ، ولربما رغب بعضهم ان يقلبه مجتمعا شرقيا، ومن اجل هذا حرم الرسول الاقامة على المسلمين بين الكفار من غير ضرورة ماسة او حاجة ملحة، فقال رسول الله أنا بريء ممن اقام بين المشركين فاتقوا الله ايها المسلمون، وتمسكوا بإسلامكم، ولا تشجعوا ابناءكم على الابتعاث الى اعداء الله فيتولون تربيتهم وتوجيههم، فكيف يأمن الانسان عدوه، وعنده الحقد الدفين والحسد القويم وما ادل على هذا انهم يحاولون عزل اولادهم عن اولاد المسلمين في الدراسة في كل بلد إسلامي اذا قدموا إليه للعمل، فكيف ونحن نزج بفلذات اكبادنا في حوضهم المظلم، وبحرهم المغرق غير مبالين، وبذلك مفتخرين متسابقين، كتب احد ملوك الروم لاحد الامراء المسلمين في الاندلس ان ابعثوا الينا ابناءكم نعلمهم ونبعث اليك ابناءنا تعلمونهم فأجابه: اما ابناؤكم فنعم، ابعثوهم الينا لحاجتهم الى العلوم الاسلامية، اما ابناؤنا فإننا لسنا بحاجة اليكم, فلم ير هذا الامير المسلم ماعندهم من العلوم مثل ما عنده من العقيدة وفروعها، فجعل الحفاظ على العقيدة الاسلامية اكبر علماً وافضل فقهاً.
ايها المسلمون: ما حالة المسلمين اليوم اذ لم يكتفوا بإرسال الابناء بل ابتعثوا البنات، وماعذرهم وقد وفرت لهم الدولة جميع وسائل التعليم مما هو غاية او وسيلة,اما يكفي المسلمين من الشرور ما يبثه لهم اعداؤهم بواسطة وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة وبواسطة الاستشارات المسمومة المعسولة.
ايها المسلمون: كل علم لا يحافظ على العقيدة الربانية والشريعة الاسلامية خلقا وعملا وعبادة في شتى المجالات فهو كعلم ابليس وجنوده من اليهود والنصارى والزنادقة والملحدين، فما نفع ابليس علمه الا ان خلده في النار فاحذروا من مثل هذا وحذروا ابناءكم (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما امرهم ويفعلون ما يؤمرون),اعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني واياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم.
*عضو هيئة كبار العلماء