تجمع ملامح منتصر القفاش بين الجرأة والبساطة، ويبدو في كتاباته كالطفل الحائر- مكتوف اليدين- امام لغز كبير اسمه: الحياة,, كيف يعيش؟ بماذا يحلم؟ هما من التساؤلات الاولية التي يطرحها عبر اعماله المختلفة: نسيج الاسماء و السرائر ثم تصريح بالغياب .
يعمل مديراً لسلسلة الكتاب الاول بالمجلس الاعلى للثقافة في مصر ومع ذلك يبدو عزوفاً عن السلطة الثقافية التي يراها قبيحة وان تجملت!!
التقت به الجزيرة في حوار حول الابداع والعمل وهموم الثقافة العربية.
تصريح بالغياب
* تكلمت في رواية تصريح بالغياب عن تجربة ذاتية لك، وهناك اتهام للاجيال الحالية بأنها تستسهل صياغة تجاربها الخاصة فما تعليقك؟
- اعتقد اننا مازلنا وسنظل محتاجين لنوع من الكتابة التي تحاول فعلاً كشف المستور، فنحن حتى هذه اللحظة مازلنا نعيش في فترة التقطع والمداراة ونفضل ان نتوارى في الاقبية,, وعلى مستوى الفرد والمجتمع معاً، بصفة عامة نحن نخجل من نشر غسيلنا للآخرين لانه يكشف عن طبيعتنا، ومن ضمن الاشياء التي تقوم بها كتابة السيرة الذاتية انها تحاول فهم الشيء المعلن في حياة الراوي، او الشيء الذي يحركه بدوافع خلفية, فهناك راوٍ يتكلم عن ذاته فقط او عن شخص آخر، من هنا توضح لنا السيرة الذاتية هذا الآخر من خلال رؤية الكاتب, وانا شخصياً يشغلني سؤال جوهري: كيف نعيش الحياة؟ هذا سؤال اعتقد انه يشغل كثيراً من المبدعين: كيف يعيشون ويكرهون ويحلمون؟ هذه المرحلة من الكتابة مرحلة سؤال: كيف نعيش؟ في حين انه في فترة سابقة كان السؤال المطروح: كيف نبقى؟ هذه الاسئلة تظهر فيما نكتبه لانها تأتي على الجرح، حيث نستيقظ كل صباح على سؤال كيف عشت ايامي التي مضت وكيف سأعيش اليوم؟ بالطبع تكون الاجابات غير سارة ولكنها صادقة, وهذا يؤكد ان ما نكتبه ليس استسهالاً ولا يحزنون انما هو طبيعة مرحلة.
* يقال عن روايتك تلك انها سوف تكون فيلماً سينمائياً,, فماهي الحكاية؟
- قرأت الاديبة مي التلمساني الرواية وعرضت على اخيها المخرج طارق التلمساني فكرة تحويلها الى فيلم سينمائي من اخراجه، وفوجئت بالمخرج يتصل بي ويعلن عن اختياره لرواية تصريح بالغياب، ولما سألته عن سبب اختياره لهذا النص تحديداً اوضح لي ان فيلمه السابق ضحك ولعب وجد وحب كانت تنقصه بعض التفاصيل، وقد وجدها في روايتي, من ثم بدأنا القيام بورشة عمل ورحت اروي ما حدث لي في تجربة الجيش واذكر اشياء كثيرة لم اكتبها في النص,, وآمل ان يرى المشروع النور قريباً.
* بمناسبة الحديث عن تجربتك في الخدمة العسكرية ورصدك لها,, ما رأيك فيما قاله نجيب محفوظ عن حرب الاستنزاف خلال حواره المطول مع رجاء النقاش؟
- لقد احببت جداً هذا الكتاب, اخيراً يكشف لنا نجيب محفوظ عن انسان من لحم ودم وليس عن شخص اعلامي! وهذه نقطة مهمة اتمنى من الجميع ان يحتذوا حذوه، لقد قرر ببساطة ان يزيل قناعاً من الاقنعة التي يتقنع بها فنياً، اذ كانت حياته مغلقة لانعرف عنها الا ما يرتضيه هو فقط للاعلام.
ثم جاء هذا الكتاب مؤخراً اقرب الى صيغة الاعترافات التي مازالت يتيمة في مجتمعاتنا العربية لظروف كثيرة سواء سياسية او دينية.
ونجيب محفوظ بماله من ثقل استطاع الى حد ما ان يحفظ للاعتراف قيمته ومن هنا تأتي اهمية الكتاب.
بالنسبة لموقفه السلبي من حرب الاستنزاف، فانا اقبل مقولاته تحت فكرة اعادة النظر التي اقيم بها اي شيء حتى لو كان مسلماً به، لكنها مع ذلك فترة من اهم الفترات التي مرت بالشعب المصري والتي تركت جراحاً لا تندمل باعتبارها فترة مقاومة وكان لابد منها ومن خسائرها، فقد اعطت لنا احساساً بأننا مازلنا نقاوم.
الأدب والسينما
* نعود الى تحويل النص الادبي الى نص سينمائي,, ألم تنزعج من الفكرة؟
- اعتقد ان طريقة الكتابة للسينما تختلف كثيراً عن كتابة القصة التقليدية، فكان لابد من ان تتوسع الرواية، ويحدث بها تغييرات كثيرة لتصبح مناسبة لصيغة العالم السينمائي من شخصيات محددة, كنت اتمنى ان تظل الاحداث كما هي في الرواية مع بعض التغييرات الطفيفة لكن يبدو ان هذا بعيد المنال في السينما المصرية، فالفيلم بشكل عام مشغول بجيل 67 والجيل الجديد بطل الفيلم.
واحب ان اقول لك من الآن اني لست حزيناً من هذه التجربة فأن تجلس مع فنانين من مجال آخر وتعرف كيف يفكرون في العمل الادبي فهذا يضيف لك الكثير واتمنى ان يكون اول عمل للكتاب الجدد هو التحول للسينما والبحث عن كتابات مناسبة لتحويلها الى اعمال سينمائية.
* وهل للسينما تأثير سلبي على انتشار الكتاب الادبي؟
- من الصعب مقارنة فيلم سينمائي بكتاب ادبي، فأكثر كتاب يوزع حوالي ثلاثة آلاف نسخة وهو ما كان يطبع به اعمال محفوظ في الاربعينات والخمسينات، فبعض الناشرين يخاف من الخسارة وطبعاً سبب الخسارة انهم لا يعرفون كيف يمارسون دورهم كناشرين! اضف الى ذلك انه لابد ان يتم تدعيم الكتاب سواء في القطاع الخاص او العام، وان تصبح الجمارك على الكتب ومستلزماتها اكثر تخفيضاً.
لو كنت المسئول
* الحديث عن الكتاب وقضايا النشر يفرض سؤالاً بدهياً، بصفتك مديراً لسلسلة الكتاب الاول بالمجلس الاعلى للثقافة، هل تستغل المنصب للمصلحة الشخصية ام للمصلحة الادبية؟
- سوف اكون صريحاً معك من البداية، فبسبب طبيعة عملي اشعر اني قد فقدت شيئاً قبل ان اكون في هذه السلسلة، لانها عمل مع شباب ومع ادب جديد وانا اقدرهم جداً، وارى الكثير منهم في بداية ظهورهم وما يبدو عليهم من قلق وتوتر وخوف الى ان يثبتوا انفسهم وجدارتهم وبدون خجل يمكنني ان اشكر شخصاً مثل جابر عصفور فهو متفهم تماماً لطبيعة السلسلة الابداعية ومازلت اقول ان فهمه لهذه النقطة ادى الى شعوري انها ليست فخاً بل جعلتني اقترب من كتاب حقيقيين لم اكن اعرفهم والفضل يرجع الى تلك السلسلة في مساعدتي على ان احضر الكتابة وهي ماتزال على الورق واتابع مشكلاتها لحظة بلحظة,, وهذا حلم,.
* نعود الى السؤال الاصلي,, هل تبعت طريقة تبادل المصالح بما انك في موقع من مواقع النشر؟
- اعتقد ان هذا كان محدوداً للغاية وكانت هناك بعض العروض المشبوهة وصلت الى درجة ان اصدر كتاباً واصبح صاحب عمود بجريدة ما، وهذا حدث فعلاً في البدايات، لكن مع الوقت اختلفت الامور تماماً.
* اذن ماهو المحك الاساسي في اختيار الكتاب للنشر؟
- من خلال اجتماعات اللجنة المختصة وقراءة التقارير حول هذه الاعمال، نرى مدى استحقاق الكتاب فنياً للصدور، فالمحك الرئيسي للاختيار هو الفن ونحن ندقق في الاختيار ونمارس حرية على اوسع مدى دون اي ضغوط.
عباءة إدوار الخراط
* هناك قول شائع بأن منتصر القفاش خرج من عباءة ادوار الخراط الذي سانده في البداية حتى اثبت ذاته؟
- لا احد ينكر اهمية ادوار الخراط في الساحة الادبية لي وللكثير من الادباء الشبان، لذلك فمن السهل جداً عندما نتكلم عن احد الكتاب ان يقال انه قد خرج من عباءة الخراط, ولقد راجعت كل المقالات التي كتبت عني وفوجئت انه بخلاف ما كتبه ادوار فلا يوجد مقال واحد صادفته يذكر هذه العلاقة بين كتابتي وكتابته، بالاضافة الى كونه قام بعمل دراسة بخط اليد عن معظم الاعمال الادبية لي ولاكثر من قاص، وقدمها لاتحاد الكتاب، وكانت دراسة تتعامل معنا بشكل جاد، خاصة ان ادوار من المبدعين القلائل المتابعين للساحة الادبية، فكان اول من تنبه لمجموعة من الكتاب لم ينشروا حرفاً او على اكثر تقدير نشروا قصة في مجلة من المجلات.
* بجانب اهتمام ادوار الخراط بمتابعة الكتابة الجديدة، فإنه من وقت لآخر يفجر بعض المصطلحات الحديثة مثل القصة- القصيدة و الكتابة عبر النوعية وهل كتاباتك تندرج تحت هذه المصطلحات؟
- ادوار الخراط طرح هذا المصطلح ليحدد الفارق بين الشكل المكتوب وقتها وبين اشكال موجودة، والناس تعاملت معه على انه مصطلح تاريخي غير قابل للنقاش ولذا لم يناقشه احد, حتى اصحاب الكتابة التي تنطبق عليها القصة القصيدة فضلوا ان يصمتوا.
ادوار نفسه في مجلة شئون ادبية ذكر انني واحد من اولئك الذين يرفضون هذا المصطلح وذكر اسباب الرفض بشكل واضح وصريح فالقصة القصيدة تعلي من شأن مستويين من الكتابة بينما قد يكون لهذه القصة او تلك اكثر من مستوى.
* ألا ترى اننا نكثر من استخدام مصطلحات ضخمة في جميع المجالات وليس في النقد الادبي فحسب ومن ذلك مصطلحا الحداثة والعولمة وغير ذلك؟ وكيف نؤرخ لاهتماماتنا الفكرية؟
- بداية فان احد المشتغلين بالفلسفة يرى انه اذا اردنا التأريخ لانشغالنا الفكري فمن الصعب تأريخه كمدارس اوتيارات، فلا يوجد هذا او ذاك, الامر يقف عند حد الموضة, وفي الوطن العربي يتم التأريخ لاهتمامنا الفكري عن طريق الاحداث التي يمر بها الكاتب دون ان نفكر في السؤال: هل خاض قضية حقيقية واستمر في المعاناة من اجلها ام لا؟! هذه مسألة ليس لها شكل واضح.
والمصطلحات الضخمة قريبة من هذه الفكرة فمثلاً نجد بين يوم وليلة ان هناك قضية مثارة ولها سياق، وبدون مبالغة نجد ان احد المترجمين وضع بصمته على هذه المصطلحات، ولا احد يعرف معنى هذه المصطلحات ولكنها تستخدم كمانشيتات دون مناقشة، ودون ان يخوض الكاتب تجربة من المعاناة والنقد الذاتي لتلك المصطلحات.
* هل يعني هذا ان المؤسسات الثقافية لا تقوم بدورها كما يجب؟
- مؤسساتنا الثقافية تبدو كأنها تريد ان تتجمل لكنها في الحقيقة تفشل في ذلك، رغم كل محاولات التجمل واظهارها بمظهر حسن، المسألة تحتاج الى تغيير جذري فيما يخص اصحاب التوكيلات عن الثقافة كما اسميهم فلك ان تتصور كيف سيؤول اليه الحال اذا استمر هذا الوضع الذي يضخم ويعقد المشكلات الثقافية المزمنة.
علاء البربري