اثار القوازق الكثير من الخوف والاعجاب في آن واحد وتميزوا دائما بشجاعتهم في الحروب فمن هؤلاء القوازق؟ القوازق في اصلهم رقيق ينحدرون من سلالات عديدة، اخذوا في نهاية القرون الوسطى يشقون طريقهم من موسكو الى السهول المعشوشبة المعروفة باسم السهب والواقعة عند حدود روسيا الجنوبية والشرقية، وهم سرعان ما اشتبكوا في القتال مع التتار الذين كانوا يتجولون في ارجاء اوكرانيا ورغم انهم كانوا دائما يعتمدون على الزراعة الى حد معين، الا ان حياة التجوال دفعت معظم القوازق الى اذدراء المحراث، باعتباره رمزا للعبودية وقالوا متفاخرين: اننا نخدم الحشائش والماء، ولا نخدم الارض والضياع وراحوا يضربون في ارجاء البلاد، احيانا كجماعات من مربي الماشية، واحيانا اخرى كعصابات من قطاع الطرق، وهي الاربح والاكثر مغنما، وبتوالي الايام اتخذوا من القتال حرفة لهم، واستهانوا بقيمة الحياة الانسانية، وتطور القوازق الى فرسان مغاوير، ابرزت العسكرية، براعتهم في الاختباء، واحساسهم الغريزي بمعرفة الاتجاهات، اذ اتاح لهم ان يشقوا طريقهم في مجاهل الارض دون الاستعانة بالخرائط او البوصلات.
وعند نهاية القرن السادس عشر، انتظم القوازق في ثلاث مجموعات رئيسية او طوائف الفوا منها مستعمرات استوطنت جزر انهار الادرال ، و الدينبر وكانت هذه المستعمرات محاطة بحواجز من الاعشاب لستر الطريق, نساؤهم يعيشون خارج المستعمرات، بينما يقيم الرجال في ثكنات مشيدة من الشجيرات، وسقوفها من جلود الجياد، وكان القوازق يعيشون في هذه المستعمرات في جو من المساواة والحرية اصبحت عندهم قانونا وتقليدا.
البرلمان الشعبي
وكان يطلق على الجهاز الحاكم في كل مستعمرة اسم الرادا وهو برلمان شعبي له حق الحياة والموت على جميع الافراد, اما رئيس هذه الجمهورية الصغيرة فكان يسمى كوشيفوي وينتخب بالاقتراع العام، وهو مسئول امام جماعته عن جميع تصرفاته، وباعتباره قائدا عاما في زمن الحرب، فانه كان يمنح سلطة ديكتاتورية مطلقة، وان كان له الحق، في وقت الطوارىء، ان يدعو الى اجتماع شعبي ليستطلع فيه المشورة، وكان يعاونه في عمله قواد الثكنات، وفي العهود المتأخرة اصبح من حق كل قوازقي ان يملك ارضا وان يقتني الماشية، ولكن بالرغم من ذلك ظل القوازقي رائدا ومستعمرا وجنديا, في بداية عصر القيصر ايفان الرهيب في القرن السادس عشر، كان القوازق بقيادة زعيمهم تموفييتش Timo feyitch هم اول من عبروا حدود موسكو وذلك باقتحام سيبيريا وهزيمة التتار, وخلال عهد الاضطراب حين احتدم الخلاف على من يرتقي العرش، تزعم القوازق الفلاحين المتمردين، تأييدا لمرشح كان مكروها من الطبقة الحاكمة وبعد اخماد هذه الاضطرابات اندمج القوازق تدريجيا في قوات القيصر العسكرية.
وفي القرن التاسع عشر استخدم القوازق في قوات الشرطة الداخلية، وخلال الحرب العالمية الاولى، احتفظ القوازق بتقاليدهم الحربية، ومنذ عهد الثورة الروسية في سنة 1917، انتفع الشيوعيون بمهارة القوازق العسكرية، لصالح الاتحاد السوفيتي السابق وثمة قليل من الشك، في ان القوازق بما طبعوا عليه من ولع بالتجوال ورغبة في القتال، قد قاموا بدور فعال في مساعدة روسيا على ان تقتطع لنفسها ما يربو على سدس ارض الدنيا.
حمزة سعد