,, أقول إلى جانب هذا وعي الشاعر إلى حقيقة شعرية لم يتيسر للكثير من زملائه أن يتنبهوا لها,, هي التصوير الصحيح لمعنى الشعر بأنه الحركة الداخلية في النفس التي تتبلور بالشعور والفكر هذه فقرة من مقال الأستاذ محمد حسن عواد، منشور في التسعينات الهجرية، يتحدث فيه عن الشاعر المبدع محمد عبدالقادر فقيه، ذلك الشاعر الذي خلّف نتاجا وافرا من القصائد والدواوين دونما إسفاف أو تراجع.
إن المتصفح لشعر الفقيه يجد نفسه أمام زخات وجدانية ندية، وتيارات إنسانية طافحة تعكس تماما روحه الشفيفة وخلقة النبيل,, لقد سطر الموجات الإنسانية في مواطن كثيرة من شعره الغزير، وتنوعت صور ورودها فهو تارة يسجل حادثة واقعية يصبغها بصبغته الطائفية الرقيقة، وتارة يجسد صورا متخيلة ممكنة الوقوع,,
وفي الحالتين فقد أبدع فنا راقيا وفيضا مجتمعيا واعيا، اسمع إليه يسطر مأساة أحد أصدقائه كان قد ولج السجن في مشكلة عويصة:
أبكي الصديق تعثرت أقدامه وهوى على شوك السفوح حطامه عهدي به والعمر مقتبل الصبا رفافة فوق الثرى أعلامه لله ماأقسى شوك السفوح!! |
ثم هو يبصر ضريرا يقف على جانب الطريق يريد العبور ولادليل فقد انطفأ نور عينيه فليس يرى إلا سوادا قاتما، أثر المشهد في نفس شاعرنا فأنشأ قصيدة طويلة صور فيها مأساة هذا الرجل وأمثاله وينادي بمنشأة تقام من أجلهم:
وارحمتاه لقوم طال ليلهم حتى الممات وما ينفك مذ كانا مايبصرون جمال الزهر مؤتلقا والماء مطرودا,,والغصن نشوانا هم العزاء لمحزون ومبتئس ولست أعرف للعميان سلوانا!! شيدوا لهم ملجأ ياقوم واحتسبوا عند الإله لكم أجرا وإحسانا |
لم يقتصر الفقيه في صوغ مشاعره الإنسانية على مايمر به ويعايشه كما أسلفنا بل تجاوز ذلك إلى تقمص بعض الحالات الإنسانية التي تمر بالآخرين بعيدا عنه، في إحدى قصائده يصور مشاعر أب يوقع على تبرعه بعيني ولده بعد فجيعته بفلذة كبده,, فجيعتان، تلكم العيون التي كان على موعد مع القدر، حين أجنت واخلولقت بتباشير النضج والرجاء يقول,, على لسان الوالد الموتور:
عيناك ياولدي قد أوهنت جلدي عيناك جوهرة أوهبتها بيدي عيناك واعدة بمخايل الرشد ألوى بموعدها قدر على وعد!! |
ومن أروع المواقف الإنسانية التي عانقتها حروف الشاعر الفقيه تلك القصة المأساوية النازفة، قصة بناء من أهل يثرب أصيب بشلل نصفي فقد معه نعمة النطق,, انتقل إلى الطائف -بلدة الشاعر- طلبا للعلاج وحل ضيفا على صاحبنا فجمعتهما حجرة واحدة,, عاين آلام ذلك الرجل عن قرب كان يصغي إلى دموعه الصامته,, ويلمس معاناته المريرة فجادت قريحته بقصيدة تعد قبسا إنسانيا وضّاء:
يحاول أن يشكو إلى الناس بثه فيخذله صوت من الداء ملجم وتهطل في صمت مرير دموعه ويارب دمع دونه النار والدم فمن عالم الأحياء نصف معذب ونصف بأظفار المنية ملزم بكى الحي منه الميت سرا وجهرة ففي كل عضو سالم منه مأتم |
كذا فليكن الشعراء، شفافية روح ووعيا بالمجتمع وجسا لنبض الإنسانية,.
أما أن يكون الشاعر معتزلا صومعة زجاجية قاتمة لايرى إلا رجع ذاته وصدى روحه فلسوف يفلته الزمن من ثقوبه الواسعة بكل هدوء,.
وإلى لقاء.
على بن أحمد زعلة