Monday 13th September, 1999 G No. 9846جريدة الجزيرة الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9846


متطلبات السعودة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية
الدكتور/ مفرج بن سعد الحقباني *

اتخذ مجلس الوزراء الموقر في جلسته التي عقدها يوم الاثنين الموافق 19/5/1420ه قراره بإعادة تشكيل مجلس القوى العاملة برئاسة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية الأمير/ نايف بن عبدالعزيز يحفظه الله وعضوية اصحاب المعالي وزراء الوزارات ذات العلاقة بسوق العمل والقوى العاملة بالاضافة الى رؤساء مجالس الغرف التجارية والصناعية في كل من الرياض وجدة والدمام, ومما لا شك فيه فإن سوق العمل السعودي الذي يعاني الكثير من الصعوبات نتيجة لضعف دور عنصر العمل السعودي في العملية الانتاجية يحتاج في هذا الوقت بالذات الى التدخل السريع والمركز من أجل إعادة هيكلة هذا السوق وبالشكل الذي يتناسب ومتطلبات التنمية ويحافظ على مكاسبنا التنموية التي تحققت خلال سنوات الوفرة او الطفرة الاقتصادية، ولعلي استغل هذه الفرصة لأبارك لرئيس وأعضاء مجلس القوى العاملة على الثقة الملكية الكريمة التي منحتهم الفرصة ليقدموا لهذا البلد الكريم خدمة سيخلد التاريخ ذكراها خاصة وان مستقبل اجيالنا الحاضرة والقادمة يعتمد وبدرجة كبيرة على الاجراءات العملية التي من المتوقع ان يتخذها مجلس القوى العاملة بثوبه وتشكيله الجديد, كما اجدها فرصة مواتية لأعيد التأكيد على بعض النقاط التي سبق ان تطرقت لها في مواقع مختلفة في شكل رسالة الى صاحب السمو الملكي رئيس المجلس على الرغم من قناعتي بأنها لا تغيب عن مختزن افكاره يحفظه الله.
صاحب السمو الملكي رئيس مجلس القوى العاملة: لقد تعرض سوق العمل السعودي الى تغيرات هيكلية نتيجة للتغيرات التي طرأت على الاقتصاد السعودي خلال العقدين الماضيين من الزمن ولقد صاحب هذا التغير غياب للأنظمة السليمة القادرة على تحقيق الاستجابة الديناميكية للمتغيرات الرئيسية في سوق العمل السعودي مما ولد واقعا صعبا وغريبا سيطر فيه وبموجبه العامل الأجنبي على معظم فرص العمل المتاحة في الاقتصاد السعودي حتى اضحى الشباب السعودي يصارع في وطنه على حقه المشروع, لقد أدى الغياب النظامي والتنظيمي الى حالة من المنافسة غير العادلة التي قذفت بالشاب السعودي عنوة خارح إطار سوق العمل تاركا الفرصة الكاملة للعامل الأجنبي الذي اجاد استغلال الفرصة وأحكم سيطرته على مختلف معابر الحياة الاقتصادية, لقد عطل الواقع الحالي لسوق العمل السعودي كل القدرات الذاتية والمعنوية التي كان يتميز بها المواطن السعودي فتحول تبعا لذلك الى مستهلك ناجح بعد ان كان منتجا فاعلا, وبالتالي فإن الانظار الوطنية المخلصة تتجه الى مجلس القوى العاملة منتظرة صدور أنظمة تتلاءم وواقع سوق العمل السعودي وتسد الثغرات التي برع اصحاب المصالح الخاصة في استغلالها وتحولت تبعا لذلك الى معوق لعملية التوطين المنشود لفرص العمل المتاحة في اقتصادنا الوطني.
صاحب السمو: لقد صاحب التواجد العشوائي للعمالة الأجنبية الكثير من المحاذير الأمنية والاجتماعية والاقتصادية مما يجعل العمل على سعودة فرص العمل أمرا حتميا وواجبا وطنيا وهدفا استراتيجيا يجب العمل على تحقيقه, إن جميع المؤشرات الإحصائية تشير الى ضخامة اعداد الجريمة المرتكبة من قبل العمالة الأجنبية بالاضافة الى الأنماط والأشكال المتغيرة والمتجددة لها, كما ان التحويلات النقدية وبالعملة الصعبة للعمالة الأجنبية قد انهكت كاهل اقتصادنا الوطني حتى اضحت تستنزف ما يقارب ثلث ميزانيتنا السنوية مما أضعف من قدرتنا الاستهلاكية والادخارية وبالتالي الاستثمارية, كما ان فقدان هذه المبالغ الطائلة وبالعملة الصعبة يربك السياسة النقدية في البلد ويضعف من موقف عملتنا الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية الأخرى, اضافة الى ذلك فقد أدت الزيادة الكبيرة في اعداد العمالة الأجنبية الى زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي خاصة في المجال التعليمي والصحي والأمني, فمزاحمة العمالة الأجنبية وأسرهم للمواطن السعودي في الطرق والمستشفيات والمدارس والجامعات وغيرها من مرافق الحياة الضرورية يتطلب التوسع في الإنفاق والتوظيف كما ان ارتفاع اعداد العمالة الأجنبية وعشوائية إقامتها يتطلب توظيف اعداد أكبر من رجال الأمن للمراقبة والعناية الأمنية.
صاحب السمو رئيس مجلس القوى العاملة: لعلك خير من يقدر التباين الكبير بين عادات وتقاليد ومبادىء مجتمعنا السعودي وتلك الخاصة بالعمالة الأجنبية فقد شاع الكثير من العادات الاجتماعية المكتسبة التي حولت غير اللائق لائقا وغير المقبول مقبولا مما دفع بالكثير الى تتبع الفرص لمحاولة التوسع في الكسب بغض النظر عن مشروعية المنهج والأسلوب, ان التعايش مع بعض العمالة الأجنبية التي جاءت محملة بطموحات كبيرة دفعتها في النهاية الى محاولة الكسب السريع وبطرق ربما تكون غير مشروعة وغير أخلاقية كمحاولة نشر المخدرات وغيرها من الممارسات غير الأخلاقية قد أثر بشكل او بآخر في سلوك بعض المواطنين الفاقدين للحصانة الدينية والاجتماعية, اجزم ياصاحب السمو بأنكم خير من يعي ويقدر المخاطر الكبيرة المترتبة على بقاء الشاب السعودي القادر على العمل والراغب فيه خارج اسوار سوق العمل ولكنني اجدها فرصة مواتية لعرض اخطرها على النحو التالي:
1 الخسارة الكبيرة في الناتج القومي المحلي.
2 ارتفاع نسبة الجريمة في المجتمع مما يكلف الدولة الأموال الطائلة لمكافحتها خاصة وان الجريمة لها آثار متعدية قد تطال الجميع.
3 عجز الآباء العاطلين عن العمل عن تربية ابنائهم وتعليمهم التعليم المناسب مما يخلف جيلا غير قادر على المحافظة على المكتسبات الوطنية.
4 انتشار الانحراف الفكري والأخلاقي بين الفئة العاطلة والذي قد يسبب الكثير من المشاكل السياسية والأخلاقية.
5 ارتفاع نسبة التسرب العلمي بين أبناء العاطلين عن العمل قبل إنهاء دورة تعليمية كاملة للمساهمة مع الأب في تحمل المسؤولية والذي قد يضاعف من الجريمة والانحراف الأخلاقي والفكري.
كل ذلك قد يؤدي الى مشاكل سياسية واجتماعية وفكرية واقتصادية عديدة ربما لا نستطيع محاربتها ومكافحتها بعد حدوثها,
وبشكل أعم فإن الاستمرار في الاعتماد الكبير على العمالة الأجنبية يعرض العملية التنموية للخطر خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها منطقتنا الاقليمية.
صاحب السمو الملكي رئيس مجلس القوى العاملة: لقد اثبتت التجارب العملية عجز النداءات العاطفية عن تحقيق خطوات ملموسة في مجال إقناع أرباب العمل بضرورة توطين فرص العمل حيث لازالت نسبة السعودة أقل من المطلوب ولا زالت اعداد العمالة الأجنبية تتزايد وبشكل ملفت للنظر, وهنا أود الإشارة الى ان التأخر في عملية السعودة من الوجهة الاقتصادية البحتة منطقي ورشيد حيث يحرص رب العمل على تعظيم ربحه عن طريق اختيار العناصر الإنتاجية ذات التكلفة الأقل خاصة وان المستثمر لا يقيم اعتبارا للاعتبارات الوطنية عند صياغته لقراره الاستثماري, وبالتالي فإننا نحتاج الى قرارات إدارية صارمة تحفظ للوطن الاعتبارات الأخرى التي لا يأخذها المستثمر في اعتباره كما نريد قرارات إدارية صارمة تعطي الجوانب الاجتماعية والفكرية والسياسية والأمنية وزنا أكبر او على الأقل مساويا للوزن المعطى للاعتبارات الاقتصادية.
وأخيرا ياصاحب السمو اريد طرح بعض التساؤلات العامة التي اعتقد ان الإجابة عليها شرط ضروري لتولد القناعة بضرورة العمل العاجل على تعديل وتصحيح الأوضاع في سوق العمل السعودي ولعل أهمها يأتي على النحو التالي: هل لدينا قطاع اقتصادي واحد يستطيع الاستمرار بسواعد وطنية دون مشاركة أجنبية؟ وهل اتخذنا التدابير اللازمة لمواجهة الحالات الطارئة التي قد يتبعها نزوح جماعي للعمالة الأجنبية ؟ وهل نجحت سياساتنا التعليمية في تهيئة المطلوب في سوق العمل السعودي؟ وهل نجحت خططنا التنموية في تحقيق ما كانت تصبو اليه في مجال تنمية القوى البشرية؟ ثم هل نستمر في مراعاة مصالح المستثمرين الاقتصادية على حساب مصالحنا العامة الأخرى؟ وأليس من مصلحة المستثمرين في الولايات المتحدة الامريكية واليابان وغيرها من الدول الصناعية المتقدمة استقدام ايد عاملة رخيصة من الدول المصدرة للعمالة كالهند والفلبين وباكستان بدلا من توظيف عمالة محلية بتكلفة اقتصادية عالية؟ ثم هل المواطن السعودي غير قادر على العمل في قطاع التجارة او التعليم حتى نجد مبررا للاعتماد شبه الكلي على العمالة الأجنبية؟ وهل نحن في حاجة لهذا الكم الهائل من المحلات التجارية التي اصبحت بفعل العشوائية في التخطيط مصدرا من مصادر التستر التجاري؟ وأخيرا هل لدينا سياسة استقدام مقننة وواضحة المعالم تحكم عملية الاستقدام في ضوء ما تقتضيه المصلحة العامة لا ما تقتضيه مصلحة الأفراد؟ أسئلة عديدة لا يتسع المقام لذكرها ولكن أوردنا بعضا منها للإشارة الى خطورة الوضع السائد في سوق العمل السعودي والذي نجزم بأنه سيجد الرعاية الكاملة من قبلكم يحفظكم الله يعاونكم في ذلك بقية أعضاء المجلس الموقرين وفقكم الله لما فيه خير الوطن والمواطنين والله يحفظكم ويرعاكم.
* استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الأمنية

رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الادارة والمجتمع
الاقتصـــادية
منوعــات
تقارير
عزيزتي
ساحة الرأي
الرياضية
الطبية
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved