خاطرتان,, تحتلان ركنا قصيا من فكري ووجداني:
الخاطرة الأولى:
أعجب من مواطن يحمّل أجهزة الدولة مهمة تحقيق كل آماله، ومواجهة كل آلامه,, وهو قائم أو قاعد أو مستلقٍ يتثاءب ترقبا للفرج!.
وأستنكر موقف مواطن آخر، يعفي نفسه وذمته من مشاركة أجهزة الدولة مهمة صيانة التنمية ومنجزها الحضاري، بدءا من إماطة الأذى عن الطريق، مرورا بدعم جهود الأمن بمعناه الشامل، وانتهاءً بالمشاركة في تحسين الايقاع الجمالي للتنمية في أبهى صورها,, فهو قلبها وقالبها، وهو وسيلتها وغايتها!.
***
لنضرب لذلك أمثالا:
* أحدهم يسير على قدميه، أو يقود سيارته، فلا يتردد في تلويث الرصيف أو الشارع بنفاياته، فإذا أنكرتَ عليه فعله، استنكر تطفلك، وساءلك عما اذا كان الشارع أو الرصيف ملكا لك أو لأسلافك؟!.
وأعجب ما في أمر هذا المخلوق انه إذا غشي حاضرة جميلة من حواضر الترف الغربي، سائحا أو زائرا، فعل ما يفعل الروم التزاما وعفة لسان!.
***
* وآخر يؤرق المجالس شكوى من كثافة الوافدين,, ومشاركتهم إياه مأكله ومشربه وعلاجه,, لكنه، من صوب آخر، قد لا يتردد في التستر على وافد تخلف بعد حج أو عمرة أو زيارة، وقد يسعى الى استقدام وافد أو أكثر بحجة الحاجة لخدمته، ثم يدعه يهيم على وجهه بحثا عن فرصة عمل، ويطالبه باتاوة شهرية يقتطعها من كسبه، الذي لا يعلم إلا الله، ان كان حلالا أو حراما!.
**
هنا أتساءل موجها بوحي بالألم الى المواطن نفسه:
أليس هذا الوطن وطنك، والأمن أمنك، والمعاش معاشك؟ أفلا تخشى أن يصيب الوطن أو المواطن أذىً بما جنته أنانيتك؟! أوَ لا تغار على سمعة وطنك مما قد يبثه هذا الوافد حين يعود الى بلاده وأهله من إفك الأحاديث، يزِرُ بها البريء قبل المذنب، ويزرأ عبرها كرامة هذا الوطن وهيبته؟!.
**
ألم تتعلم بعدُ من كارثة حرب الخليج الثانية أن جزءا من ردة الفعل المشينة ضد هذا البلد وأهله في بعض الشعوب الاسلامية والعربية يمكن أن تعزى بعض حيثياتها الى الرواسب النفسية التي عاد بها بعض من عملوا في بلادنا، فعمّمها الجهل بنا بين تلك الشعوب لتشمل القاصي منا والداني، والمخطىء والمصيب، والصغير والكبير؟!.
**
الخاطرة الثانية:
الهاجس الأمني، في كل زمان ومكان، معادلة تنقسم على اثنين، هما المواطن والمسؤول،والقول بغير هذا لا ينصف المسؤول عن الأمن,, ولا يخدم المواطن في شيء، بل ويضير بالأمن والعاملين في سبيله والمستفيدين منه على حدٍ سواء!.
**
إذاً، فدور المواطن في العملية الأمنية، بكل أصولها وفروعها وتداعياتها، أمر لا ريب فيه ولا بديل له، وغياب هذا الدور لأي سبب من الأسباب يشكل خللا استراتيجيا وتكتيكيا في انجاز هذه العملية، إذ لا يمكن لمجتمع مترامي الأطراف، متعدد الهُويّات العرقية والدينية والاجتماعية أن ينعم بالأمن داخل حدوده أو حتى مع جيرانه اذا كانت المعادلة الأمنية تعاني من هذا الخلل، ولذا، حرصت الدول العربية على تنظيم أوضاعها الأمنية رغبة في تحقيق معادلة أمن أفضل بإعلان الحرب على الارهاب، بكل أشكاله وألوانه، وذلك عبر اتفاقيات ثنائية واقليمية ملزمة تضمن بواسطتها هذه الدول تحقيق قدر وافر من التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات وتوحيد المواقف لمكافحة هذا الشيطان الكبير، حيثما حل،وكيفما كانت وسيلته!.
**
لكنني في الوقت ذاته لن أتردد في القول بأن هذه الاتفاقيات مهما كانت قدرا وشمولا، ستبقى حبرا على ورق,, بلا هيبة ولا قوة ولا حول، اذا كان المواطن العربي يمارس أنانية العزلة معتمرا قبعةَ وأنا مالي ، ناهيك بما هو أخطر من ذلك!.
والأمرُّ من ذلك كله، هو ان يعمل هذا المواطن أو ذاك سراً أو علانية لمكافحة جهود الأمن,, إرهابا للناس,, ومصادرة حرياتهم وما يملكون! وهذه في
تقديري خيانة ثلاثية الأبعاد يرتكبها فاعلها ضد الوطن، وضد نفسه، وضد الانسانية!.
**
نسأل الله أن يحمي وطننا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يهدي المواطن كي يكون عونا لحماة أمنه وتنميته، لا عبئا على نفسه ووطنه ومَن حوله!.
عبدالرحمن بن محمد السدحان