Tuesday 14th September, 1999 G No. 9847جريدة الجزيرة الثلاثاء 4 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9847


توقعات ونظرات من خلال المستقبل
د, علي بن محمد التويجري

في أوائل السبعينيات من قرننا هذا الذي يمضي سريعا الى نهايته، وعلى وجه التحديد عام 1971م أصدر المفكر الكندي ألفن توفلر كتابه الذي سبب صدمة فكرية لكثير من المفكرين والقراء وأيقظهم للتفكير في المستقبل, وكان عنوان كتابه هو صدمة المستقبل وكان هدفه ان يصور أثر التغير السريع الذي يجري على الأفراد والمجتمعات والذي تسبب في افتقاد البشر والمجتمعات لإحساسهم بالاتجاه الذي يسيرون فيه وبالتطور الذي يحدث في مجتمعاتهم نتيجة التطورات العلمية وتطور المعلومات وأجهزة الاتصال وثورة التكنولوجيا بأنواعها وتطبيقاتها المختلفة.
وقد سبب الكتاب زيادة في الوعي بصعوبات المستقبل كما سبب الكثير من مظاهر التشاؤوم بما سيحدث للبشرية في القرن القادم وبما يجب عليها ان تستعد له لمواجهة القلق المتزايد في نفوس الأفراد نتيجة لما يحدث من نمو سريع متزايد للمدن الكبيرة واقتلاع البشر من جذورهم الاجتماعية والثقافية نتيجة لوشك تحطم النظام الاجتماعي القديم وما صاحبه من قيم.
ولو اننا نظرنا في هذا العدد الكبير المتزايد من الدراسات التي يضعها المفكرون والمتخصصون المعاصرون عن المستقبل لوجدنا أن معظم توقعاتهم واسقاطاتهم، أي حساباتهم الموضوعية لشكل المستقبل، تتجه في معظمها الى توقع اننا مقبلون على عالم كوني بمعنى انه عالم تزول فيه الحدود بين الأمم والمجتمعات وتتسع فيه نظرة الفرد والشعوب الى بقية الشعوب والأمم، لأن التغير يشملهم جميعا، ولأن ما يحدث في منطقة من العالم يؤثر تأثيرا مباشرا في العالم كله, وقد عبر بعضهم عن ذلك بأننا مقبلون على عالم وكأنه قرية، لأن الاتصالات والتأثيرات المتبادلة والعلاقات الواقعة بين أفراده قوية لا فكاك منها.
وعلى هذا التوقع بالتقارب والعيش في كون واحد فإن الواقع يشير الى ان هناك فجوات مخيفة تتجه الى التزايد إن لم يحدث تغيير جذري في النظام العالمي الاقتصادي والسياسي وإن لم يحدث تغيير جذري في نظم التعليم التي يمكن ان تعبر الفجوة بن ما يسمى دول الشمال ودول الجنوب.
إن معدل الدخل للفرد في دول مثل المانيا والولايات المتحدة يبلغ حوالي عشرين الف دولار في العام على حين ان هناك بليون من البشر لا يبلغ دخل الفرد منهم اكثر من 370 دولار في العام, وعلى الرغم من أن هذا الرقم هو ضعف ما كان عليه عام 1981م نتيجة لجهود التنمية في العالم النامي، إلا أنه ما زال يمثل فجوة مخيفة, ويقرر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن التنمية الإنسانية الصادر عام 1992م ما يلي:
تمتلك دول الشمال بالنسبة للفرد الواحد تسعة أضعاف عدد البحاث الذين تمتلكهم دول الجنوب، كما تمتلك خمسة أضعاف طلبة التعليم العالي, وتستثمر دول الشمال 24 مرة مما تستثمره دول الجنوب، كما ان القيود على السوق العالمي تكلف دول الجنوب 500 بليون دولار سنويا وهذا يمثل عشرة أضعاف قيمة المعونة التي تتلقاها من الخارج.
إن المستقبل يتشكل من هذه الفجورة فماذا علينا ان نفعل لنعبرها ولنغطيها وما هو دور مفكرينا وبحاثنا في صناعة هذا العبور والمواجهة لهذه الفجوات المخيفة.
على أنني اود ان اوقظ في القارىء الكريم حسه الإسلامي، بالتفاؤل بالمستقبل وأذكره بموروثه في الحديث الصحيح إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها فالحديث يوجه المسلم المؤمن الى انه اذا كان مشغولا بزراعة فسيلة صغيرة من النخل وقامت الساعة فإن عليه مع ذلك ان يواصل الزرع وان يعتمد على ربه الذي يملك المستقبل والذي يدبر الكون.
إن هذا المعنى يقرره الحديث النبوي هو أقوى أسلحتنا في مواجهة المستقبل وخير ما نتسلح به لنصنع هذا المستقبل، ونفكر فيه، ونعد له ما نستطيع من قوة بوسائل العصر الذي نعيش فيه التي تعتمد على التفكير العلمي الذي يعد أمضى سلاح للتخلص من كثير من السلوكيات غير العلمية، كالارتجال والتواكل والسلبية وغيرها.
والله الهادي الى سواء السبيل.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved