Tuesday 14th September, 1999 G No. 9847جريدة الجزيرة الثلاثاء 4 ,جمادى الثانية 1420 العدد 9847


حلمي بكر يفتح النار على أغنية الشباب
الساحة الغنائية سداح مداح

* القاهرة- مكتب الجزيرة- احمد الجندي
شن الملحن حلمي بكر هجوما لاذعا ضد موجة الأغنيات الشبابية التي شهدتها ولاتزال - مصر منذ مطلع التسعينيات واعتبر أن الأغنيات الحالية تفسد الذوق الفني أما المطربون -في رأيه- فهم لايعرفون ابجديات الغناء، ورفض بكر الاعتراف بأن الشباب يقبل على هذه الأغنيات مشيرا الى تراجع هذا الإقبال مقابل هرولة الشباب في اتجاه الموسيقى الغربية الأصيلة، وهنا نص الحوار:
* لو طلب منك إلقاء نظرة سريعة ورصد بانورامي للساحة الغنائية والموسيقية في مصر فكيف تراها؟ وماذا تقول عنها؟
- المؤسف أن الساحة الغنائية الآن أصبحت أقرب الى الجزر المنعزلة، بمعنى أنك تجد كل شخص أو جماعة في انعزال تام عن الآخرين، وكل منهم يرى رأيه هو الصحيح، بينما رأي الآخرين خطأ وكل مجموعة ترى أن ماتقدمه هو الأنسب والأفضل والاكثر فنية وتطوراً.
ولو تأملنا هذا الوضع بدقة سنكتشف أن الجميع مخطئون وأقصد المشتغلين بالموسيقى والغناء.
وذلك لأننا أمة لها تراث وجذور موسيقية معروفة في العالم كله لكننا فجأة انفصلنا عن هذه الجذور بسبب الاختلاف بين جيل وجيل، فكل جيل يرفض الاجيال التي سبقته، والاجيال السابقة تركت الجيل الجديد يرفض دون أن ترشده وتجعله يعمل ويبدع داخل إطار فني ملزم وحقيقي.
بالإضافة الى ذلك فإن حياتنا بعد أن كان بها ثراء صوتي متمثل في جيل كامل من الفنانين العظام أمثال أم كلثوم وعبدالحليم وفريد الأطرش وفايزة احمد وغيرهم، فجأة فقدنا هذا الجيل, دون أن يكون هناك البديل القوي الذي يسد الفراغ, فأصبح البديل من صنع هذا الجيل الحالي الذي لم تؤهله الأجيال السابقة لهذه المسئولية.
* وهل من هنا حدثت الفجوة بين أجيال الأغنية, وانعكس ذلك على حالها؟
- الفجوة حدثت من هنا بكل تأكيد، وكان انعكاسها سلبيا جدا فتدريجيا أصبح البديل أو الجيل الحالي -الذي لم يؤهل اطلاقا- لايعرف باسماء مطربيه بقدر ما يعرف بعدد أغنياته، ومن خلال هذه الأغنيات تجسدت ملامح جديدة لمطرب وملامح اللحن وملامح الكلمة، وبالتالي فقدنا ملامح الأغنية التي تعبر عن الأصالة والمعاصرة، والتي تمثل لغة الجذور والمستقبل أيضا.
* هذا الجيل يرى أن مايقدمه من موسيقى وغناء هو المناسب لهذا العصر, ويرى أيضا أن الاغنية الكلاسيكية ماتت بموت اصحابها؟
- أولا يجب أن أوضح معنى الكلاسيكية، لأنهم يفهمونها خطأ, الكلاسيكية لاتعني الشيء غير المعاصر، إنما هي قيمة, ومذهب فني خطير له قيمته المستقبلية، بمعنى أن الأغنيات التي نقول عنها اليوم انها كلاسيكية، عندما قدمت في الماضي كانت جيدة ورائعة، وبمرور الزمن ازدادت قيمتها واحتفظت ببريقها، والقيمة هنا تقاس بمدى تأثير هذا الفن أو هذه الأغنيات في الذوق العام، وما يقدمه الجيل الحالي الآن لايحمل أي قيمة ولايحدث أي تأثير إيجابي على ذوق المتلقي .
* إذا كان هذا هو حال أغنية اليوم, إذن ماهي مقاييس أغنية الغد؟
- أغنية الغد المفروض أن تبدأ جذورها من اليوم ومن الأمس, قد يختلف الايقاع والمفهوم لكن لايجب أن يكون هناك اختلاف في القيمة فيجب أن تظل للأغنية قيمتها سواء كانت تقدم الآن أو تقدم في المستقبل.
* ماتقوله يجعل السؤال يفرض نفسه، وهو هل استطاعت الأغنية الحديثة التي تقدم الآن بمطربيها وفنانيها، أن تغير الذوق العام للمستمع العربي؟
- انها لم تغير الذوق بل أفسدته وأهدرته، فهناك المنتج أو الناشر الذي لاينتج إلا من أجل الربح المادي، ورغم أنه يعلم أن ماينتجه ما هو إلا إفساد للذوق، ومن خلال اختراق هؤلاء لأجهزة الاعلام, استطاعوا أن يروجوا سلعتهم الرديئة، وظلوا يلحون في زمن هذه السلعة الرديئة على أذن هذا الجيل من المستمعين ومن كثرة الإلحاح أصبح هناك رواج وانتشار لهذه السلعة، وما يحدث الآن ليس سوى تزييف للحقائق من خلال قولهم ان هذه الأغنيات هي التي تناسب العصر، وقد استطاعوا من خلال قولهم هذا أن يفسدوا الذوق العام، ويضللوا جيلا كاملا, مع أن مايقدمونه لايرقى الى مستوى الاستعمال الآدمي.
* ولكن هناك جزءاً من المسئولية يقع على عاتق الأجيال الشابة من المستمعين الذين لم يتخذوا موقفاً ممن يحاولون تضليلهم وإفساد ذوقهم؟
- وهذا صحيح وبالفعل الكثيرون منهم فهم وعرف أن هناك من يضلله، وبدأ ينصرف عن هذه الأغنيات ويتجه الى القيمة والأصالة والجذور ومن خلال سماعه للقمم امثال أم كلثوم وفريد وعبدالحليم، وظهر ذلك واضحا ايضا من خلال ازدحام حفلات الموسيقى العربية بالشباب.
* إذن هذا هو التفسير المنطقي لاتجاه بعض مطربي اليوم لإعادة الاغنيات القديمة؟
- بالفعل حدث ذلك فعندما لاحظ هؤلاء المطربون أن الكثير من جيل الشباب الذين كانوا يعتمدون عليه في اغنياتهم قد بدأ ينصرف الى الأغنيات القديمة، بدأوا في هذا الاتجاه وراحوا يعيدون تقديم هذه الأغنيات من أجل استعادة هذه الجماهيرية التي انصرفت عنهم وكانت النتيجة أنهم اساؤوا الى هذه الأغنيات القديمة الجميلة الرائعة وقاموا بتشويهها.
* ماتقوله معناه أن تراثنا الغنائي والموسيقي معرض للانهيار بسبب غناء جيل اليوم من المطربين له، فماذا فعلت أنت وغيرك من المتخصصين والقائمين على الموسيقى حيال ذلك ؟
- المشكلة لم تعد في يد المتخصص بل اصبحت في يد جيل إداري لايعي وأصبح مع الأسف هو المسئول مسئولية كاملة عن القيمة الفنية والتخطيط الفني والموسيقي، وهو جيل إداري لايملك حاسة التذوق الفني، وليست لديه الرؤية المستقبلية، لذلك تخرج الأمور من يدي ومن يد غيري من المتخصصين والفنانين الموسيقيين بالإضافة الى أن أجهزة الإعلام عندما اصبح يسيطر عليها أشخاص ليست لديهم خلفية تذوقية سماعية، وليست لديهم المؤهلات المناسبة لهذه المناصب واصبح مؤهلهم الجامعي وحده هو الذي يتيح للواحد من هؤلاء أن يرتقي أعلى درجات المسؤولية حتى ولو كان ذلك على انقاض الموسيقى والأغنية.
والمشكلة أنك تجد هذا المسئول الاعلامي يخطط ويدافع عن جهله قائلا ان جيل الشباب يريد مايقدمه ويفرض عليه ذوقه وأنا أقول لهم ان جيل الشباب بريء من مقولاتكم، لأنه يريد منكم ان ترتفعوا بذوقه وترتقوا به وسوف يحاكمكم هذا الجيل عندما يكتشف أنكم خدعتموه عندما فرضتم عليه أنصاف الموهوبين من مطربين وملحنين.
* والكلمة أين ترى دورها؟ وماذا عن رأيك في شعراء الأغنية الآن؟
- لو تحدثنا عن الكلمة أو التأليف الغنائي بشكل عام لوجدنا أن المؤلف الغنائي البعض منهم يكتب الأغاني ويعتبر نفسه شاعرا غنائيا دون وعي أو دراسة أو حتى دراية ببحور الشعر، ولكن الكل يكتب ويؤلف ولاهدف له سوى الاسترزاق.
* اتساءل من هو المؤلف الذي يحمل خلفية أدبية؟ ومن هو الملحن الذي تقف نفسه موسيقياً ثم ذوقيا مع الإدراك أنه من الأصل موهوب، ومن هو المطرب الذي نحسبه على جيل المطربين؟
وللإجابة على كل هذه الأسئلة لايوجد سوى كلمة واحدة قلة قليلة فقط هي الاستثناء والباقون من المهيمنين الذين لايحملون أي مؤهل أو موهبة وهذا ماجعلنا نعيش الآن في مايسمى فوضى شارع الغناء.
* إذن ماهي مواصفات المطرب المتميز والمبشر من وجهة نظرك ولماذا لم يحاول كبار الملحنين أمثالك البحث عن مواهب حقيقية واكتشافها ورعايتها؟
- أولا لايمكن لملحن مهما كانت مكانته أن يصنع مطرباً لكن الصوت نفسه يولد موهوباً لكي يكون مطربا وهذه أول مقاييس المطرب, والموهبة هنا تكون الشحنة الصوتية التي يقوم الملحن باكتشافها وتهذيبها وتوجيهها وتثقيفها.
* وهل يحدث هذا مع مطربي اليوم, ومع ملحن اليوم أيضا؟
- مع الأسف لا فكل ما يحدث الآن أنه يخرج علينا صوت غير جيد بعد ذلك يجيء ملحن ويقول له ولنا أنه سوف يصنع منه مطربا ونجماً في عالم الغناء, فيكون هذا كاذبا والآخر أكثر كذبا، بدليل أننا الآن نستطيع أن نميز أحدا بعينه من الأصول الكثيرة التي نسمعها، وبدليل أن الشباب اصبح يبغبغ بكلمات الأغاني مثل الببغاوات دون أن يفهم أو يعي معنى هذه الكلمات التي تكون غالباً خالية من أي معنى واصبح الشباب يدندن بالجمل اللحنية دون أن يدري أو يتذكر أين ومتى سمعها؟
* وماذا عن بعض المطربين الذين يؤلفون كلمات أغنياتهم؟
- إنهم أصبحوا يؤلفون ويلحنون، وهم وحدهم الذين يسمعون اغنياتهم ويقولون عن انفسهم أنهم ملوك الغناء,, وهم ملوك ولكن بفلوسهم ونفوذهم وليس بموهبتهم واصواتهم وهذا يرجع الى ماذكرته في البداية أن كل شيء في الساحة الغنائية أصبح سداح مداح وبلا ضوبط أو التزامات.
رجوعأعلى الصفحة
أسعار الاسهم والعملات
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
مشكلة تحيرني
منوعــات
القوى العاملة
تقارير
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
وطن ومواطن
العالم اليوم
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved